مرشد سياحي
Ipsef

أساليب ناجحة لمنع التنمر في المدارس

أساليب ناجحة لمنع التنمر في المدارس
ترجمة: هاشم علي الصعب

كيف نمنع التنمر في المدارس؟ دراسة أمريكية جديدة تحدد أنجح الأساليب في منع التنمر داخل المدارس.

 

تطلب جميع الولايات الأمريكية الخمسين من المدارس وضع سياسات لمنع التنمر. لكن وضع السياسات وحدها لا يكفي، فعلى الرغم من وجودها كان هناك ارتفاع طفيف في جميع أشكال التنمر خلال السنوات الثلاث الماضية. وقد يبدو التنمر وكأن لاعبي كرة السلة ذوي الخبرة يرهبون بشكل ممنهج اللاعبين المبتدئين خارج الملعب، أو يُعير الأطفال زملائهم المهاجرين بشكل متكرر بسبب اختلافاتهم الثقافية، أو أن فتاة في المدرسة المتوسطة تتعرض للإهانة والإقصاء فجأة من قبل مجموعة أصدقائها.

 

يحدث التنمر في كل مكان، حتى في المدارس ذات الأداء العالي، وهو مؤلم لجميع المعنيين، من ضحايا التنمر إلى المحيطين بهم، وحتى للمتنمرين أنفسهم.  وبما أن شهر أكتوبر هو الشهر الوطني للوقاية من التنمر فقد حان الوقت لأن نسأل أنفسنا: ما هي أفضل الأساليب لمنع التنمر في المدارس؟ هذا سؤال استعرضته مع زميلي مارك براكيت من مركز ييل للذكاء العاطفي، في ورقة بحثية مؤخرا، استعرضت عشرات الدراسات حول جهود الوقاية من التنمر التي طبقت على أرض الواقع.

 

وبحسب ما توصلنا إليه، ليست كل الطرق للوقاية من التنمر لها نفس القدر من الفعالية. فمعظم برامج الوقاية من التنمر تركز على زيادة الوعي بالمشكلة ومعالجة تبعاتها. لكن البرامج التي تعتمد على العقاب وعدم التسامح المطلق مع المشكلة لم تثبت فاعليتها في الولايات المتحدة. يمكن لبرامج مثل “وساطة الأقران” التي تلقي المسؤولية على الطلاب لحل النزاعات أن تساهم في زيادة التنمر. (لا يُطلب من البالغين من ضحايا الإساءة أبدًا “حل المشكلة” مع معنفيهم، كما أن للأطفال حق قانوني إضافي في الحماية بسبب طبيعة نموهم.).

 

تدخلات المتفرجين، بما فيهم البالغين، لا تؤتي ثمارها إلا مع بعض الأشخاص -خصوصا المنفتحين والمتعاطفين والأشخاص ذوي المكانة الاجتماعية الأعلى والالتزام الأخلاقي. العديد من الأساليب التي يتبناها اختصاصيو التوعية لم يتم اعتمادها على أساس بحثي؛ بل يقومون باختيار البرامج بناءً على ما يستخدمه زملاؤهم.

 

لقد وجدنا أن هناك أسلوبين تم اختبارهما بحثيًا يبدوان أكثر إيجابية تجاه الحد من التنمر (إلى جانب حالات أخرى من العنف والعدوانية). إنهما المناخ المدرسي الإيجابي، والتعلم الاجتماعي والعاطفي.

 

 

بناء مناخ مدرسي إيجابي

قد يكون من الصعوبة إيجاد تعريف للمناخ المدرسي عوضا عن قياسه. إنه “الشعور المحسوس” بالانتماء للمدرسة، والذي يمكن أن ينشأ من مجرد التحية، أو الطريقة التي يتم بها حل المشاكل داخل المدرسة، أو كيفية تفاعل الجميع مع بعضهم؛ إنها “قلب وروح” المدرسة، “جودتها وشخصيتها”. المدارس ذات المناخ الإيجابي تعزز النمو الإيجابي للطلاب، في حين يرتبط المناخ المدرسي السلبي بمعدلات أعلى من تنمر الطلاب والعدوانية والإيذاء والشعور بعدم الأمان. وقد تختلف عناصر المناخ الإيجابي، ولكنها غالبًا ما تتضمن معايير حول المشاعر والعلاقات، والسلطة وكيفية التعبير عنها، والتعاطي مع وسائل التواصل.

 

هندسة القواعد الاجتماعية هي عملية واعية تبني ثقافة إيجابية بين الأقران والطلاب وطاقم المدرسة ويتم تعزيز هذه العلاقات بطريقة ذاتية.  وكما يحصل في نظام المناعة الصحي، فإن المناخ المدرسي الإيجابي يعزز الصحة المثلى ويقلل من فرص الخلل والقصور. والقيادة هي المحرك الرئيس للمناخ الإيجابي. فهل يتم التهاون بالتنمر باعتباره “طقوسًا طبيعية للطفولة”؟، أم يتم تعريفه باعتباره إساءة معاملة الأقران المؤذية؟ هل يدرك القادة أن سلوكيات التنمر القاسية التي تتكرر باستمرار لها تبعات خطيرة على الجميع سواء ضحايا التنمر أو الشهود أو حتى المتنمرين أنفسهم؟  هل يلتزم قادة المدارس بتعزيز الصحة النفسية الإيجابية لجميع الأطفال، أم أنهم يعتمدون بشكل مفرط على أسلوب العقاب للسلوكيات السيئة؟ هل يمكنهم التمييز بين عمليات النمو العادية التي تحتاج إلى توجيه مقابل سلوكيات التنمر التي تحتاج إلى تدخل حازم؟ هل يتعاطف هؤلاء التربويون مع طلابهم، وهل يراعون مشاعر هؤلاء الطلاب؟

 

ثم، هل المعلمون مستعدون للتعامل مع التنمر؟ يذكر الطلاب باستمرار أن المعلمين لا ينتبهون لمعظم حوادث التنمر ولا يقومون بالدور المطلوب عندما يطلب منهم الطلاب المساعدة. كما أفاد غالبية المعلمين أنهم غير مدربين على التعامل مع حالات التنمر في الفصول الدراسية. بل إن بعض المعلمين أنفسهم يمارسون التنمر على الطلاب أو يظهرون نوعا من عدم التعاطف مع الطلاب الذين يتعرضون للتنمر. أفاد المعلمون أيضا أنهم لا يتلقون المزيد من التدريب في “إدارة الصف”.

 

ومع ذلك، يجب أن تشمل عملية إصلاح المناخ المدرسي جميع المعنيين – الطلاب وأولياء الأمور، وكذلك الإداريين والمعلمين – بحيث يمكن معالجة قضايا المدرسة الخاصة، والحفاظ على نكهة الثقافات المحلية. يمكن تقييم المناخ المدرسي بشكل دوري لتتبع تأثير التطوير والتحسين.

 

النهوض بالتعلم الاجتماعي والعاطفي

التعلم الاجتماعي والعاطفي معروف جيدًا، ويتضمن مهارات التدريس للوعي الذاتي، وإدارة الذات، والوعي الاجتماعي، ومسؤولية اتخاذ القرار، وإدارة العلاقات.

 

لقد ثبت أن مناهج التعلم الاجتماعي والعاطفي القائمة على البحوث تقدم نتائج فعالة من حيث تكلفتها وقوتها. العديد  من التحليلات البعدية والدراسات البحثية، والدراسات الفردية لمئات الآلاف من طلاب التعليم العام تُظهر أن التعلم الاجتماعي والعاطفي يحسن الرفاهية العاطفية، والتنظيم الذاتي، والعلاقات الصفية، والسلوك المهذب والمفيد بين الطلاب. بالإضافة الى أنه يقلل من بعض المشاكل مثل القلق، الاضطراب العاطفي والاكتئاب. كما يقلل من السلوكيات المضطربة مثل الصراع والعدوانية والعنف والغضب والتحيّز العدائي؛ ويحسّن التحصيل الدراسي والإبداع والقيادة.

 

أظهرت دراسة على 36 معلمًا في الصف الأول أنه كلما كان المعلمون أكثر دعمًا عاطفيًا للطلاب، كلما كان الأطفال أقل عدوانية ولديهم قدر أكبر من ضبط انفعالاتهم، مقارنة باستخدام أساليب إدارة السلوك، والتي لم تساعد الطلاب على تنمية مهارة ضبط الذات. أحد التحليلات أظهر أن تطوير الكفاءة العاطفية كان عاملا وقائيًا من الوقوع ضحية للتنمر؛ وأن الكفاءة الاجتماعية والأداء الأكاديمي يحميان من أن تصبح متنمرًا؛ والتفاعلات الإيجابية مع الأقران كانت وقائية ضد أن تصبح ضحية للتنمر (شخص تعرض للتنمر ويتنمر على الآخرين).

 

يستفيد المعلمون أيضًا من التعلم الاجتماعي والعاطفي. فالمعلمون الذين لديهم تدريب على المهارات العاطفية والاجتماعية يتمتعون برضا وظيفي أعلى كما يعتبرون أقل من غيرهم من ناحية الاحتراق الوظيفي، ويُظهرون المزيد من المشاعر الإيجابية تجاه طلابهم، ويديرون فصولهم الدراسية بشكل أفضل، ويستخدمون المزيد من الاستراتيجيات التي تنمي الإبداع والاختيار والاستقلالية لدى طلابهم.

 

يشير المعلمون إلى أنهم يريدون المزيد من الدعم في التعلم الاجتماعي والعاطفي لتنمية مهاراتهم العاطفية والاجتماعية، وفهم مشاعر طلابهم بشكل أفضل. ولكن هناك نقص في برامج تدريب المعلمين التي تركز على تنمية مهارات تنظيم المشاعر لدى المعلمين.

 

التنمر في مختلف المستويات العمرية

يجب أن تكون أساليب التعلم الاجتماعي والعاطفي مناسبة لمختلف الفئات العمرية، لأن ما هو مناسب للأطفال قد لا يكون كذلك لباقي الأعمار.

 

على سبيل المثال، يتم استبعاد الأطفال في سن ما قبل المدرسة من المدرسة بمعدلات مرتفعة، بينما لا تزال البرمجة العصبية لإدارة الذات لديهم لاتزال في طور النمو. عندها فقط تبدأ الروابط بين دوائر المشاعر والمناطق الأكثر علاقة بالتفكير في قشرة الفص الجبهي (منطقة في الدماغ تساهم في تخطيط السلوك المعرفي والتعبير عن الشخصية وتعديل السلوك الاجتماعي) في أن تكون مائلة (معزولة لتوصيل أسرع)، وهو أمر سيستغرق حتى منتصف العشرينات حتى يكتمل. وبرنامج التعلم الاجتماعي والعاطفي مثل المسار أو المسطرة التي تعلّم الأطفال الصغار لغة المشاعر، واستراتيجيات التفكير قبل التصرف، والتي يمكن أن تطوّر تنظيمًا ذاتيًا أفضل.

 

أحيانًا يخلط الكبار بين عمليات النمو الطبيعية والتنمر. على سبيل المثال، يبدأ الأطفال في إعادة تنظيم صداقاتهم في منتصف مشوارهم في المدرسة الابتدائية، وهو أمر يمكن أن يخلق بشكل طبيعي مشاعر مؤذية وصراع شخصي. لا ينبغي أن يساء فهمه على أنه تنمر، على الرغم من أنه يتضمن عدوانًا متعمدًا ومتكررًا ضمن اختلال توازن القوى. يشمل التطور الطبيعي أيضًا تجربة السلطة، لذا يجب توجيه هذه الديناميكيات الطبيعية بأمان نحو تطوير شعور صحي بالاستقلالية، بدلاً من ممارسة السلطة المؤذية على شخص آخر.

 

ويمثّل بداية سن البلوغ بداية الحساسية المتزايدة للعلاقات الاجتماعية، وهو وقت مهم بشكل خاص لتنمية المهارات الاجتماعية وبناء علاقات أكثر أدبا واحتراما. لسوء الحظ، هذه هي الفترة التي يرتفع فيها التنمر إلى أقصى حد. وبينما تعمل بعض الاستراتيجيات بشكل جيد مع الأطفال الأصغر سنًا (على سبيل المثال، نصحهم بـ “أخبر شخصًا بالغًا موثوقًا به”)، فقد يفشل هذا الخيار مع المراهقين، ويبدو أن نقطة التوقف تكون في منتصف المرحلة المتوسطة. يحتاج المراهقون الأكبر سنًا إلى أساليب تركز بشكل أقل على إصدار التعليمات وتستفيد من حاجتهم إلى الاستقلالية، مع التأكيد على حاجتهم للتقدير والبحث عن الذات. من الناحية الفسيولوجية، فإن التغييرات الدماغية خلال فترة البلوغ تمنح فرصة ثانية لإعادة ضبط نظام تنظيم الإجهاد. وهذه الفرصة ينبغي اقتناصها.

 

هذه الأساليب يجب أيضًا ان تأخذ الفروقات الفردية بين الأطفال في الحسبان. حتى برامج التعلم الاجتماعي والعاطفي قد لا تفي بالغرض هنا، حيث تعتمد بشكل مفرط على إستراتيجية واحدة أو اثنتين فقط من استراتيجيات تنظيم المشاعر، مثل التنفس او التركيز التام. ولكن الأطفال يختلفون في مزاجهم وأحاسيسهم ونقاط قوتهم ونقاط ضعفهم. توجه أفضل أساليب التعلم الاجتماعي والعاطفي الطلاب نحو اكتشاف الاستراتيجيات التي تناسبهم بشكل أفضل سواء من الجوانب العاطفية أو الشخصية أو التي تتناسب مع ثقافتهم الاجتماعية ويتطلب هذا الأسلوب مرونة غير تقليدية من جانب التربوي المختص.

 

كما تعمل هذه الأساليب بشكل أفضل إذا لم تكن مجرد طرق تربوية مستقلة أو من حقائب تنتهي في خزانة الفصل الدراسي في نهاية العام. وحتى تكون فعالة، يجب أن تصبح هذه المهارات جزءًا لا يتجزأ من المناهج الدراسية واليوم الدراسي بأكمله، في جميع السياقات المدرسية، وأن يتم تنفيذها من قبل جميع المعلمين- وبعبارة أخرى، التسلل إلى المناخ المدرسي الكامل للطالب. الأساليب الناجحة هي فقط التي يتم استخدامها وتدريسها حسب الهدف الذي صممت من أجله.

 

لا يمكن للمدارس أن تقوم بذلك بمفردها فدور الأسرة مهم أيضًا. إذ ينشأ التنمر في المدارس أحيانًا بسبب ممارسات الوالدين القاسية أو تنمر الأخوة في المنزل. وحتى أماكن عمل الوالدين مهمة. فالكبار يتعرضون للتنمر في أماكن العمل بنفس القدر الذي يتعرض له الأطفال في المدارس تقريبًا، بل إنه موجود أيضًا بين المعلمين وفي مجتمعات كبار السن. بمعنى آخر، التنمر ليس مجرد مشكلة تتعلق بالأطفال؛ إنها مشكلة إنسانية منتشرة. ولا يمكن عزل الأطفال عن العالم الاجتماعي الأوسع، فالأطفال الذين ينتمون إلى مجموعات مستهدفة في الخطاب السياسي الوطني يعانون من زيادة التنمر عليهم في مدرجات الملاعب في كافة أرجاء البلاد.

 

في النهاية، نحن بحاجة إلى تحول كبير في طريقة تفكيرنا حول أهمية الأطفال ومشاعرهم. فمن المرجح أن ينمو الأطفال بشكل أفضل عندما نراعي إنسانيتهم ونكسبهم اللغة والاستراتيجيات والقيم التي تساعدهم على التعرف على مشاعرهم والتعبير عنها وبالتالي التحكم فيها. عندما يكتسب الآباء والمعلمون والمسؤولون وعيًا جديدًا بالجذور المعقدة للتنمر ويتبنون استراتيجيات جديدة لمعالجته، يمكن للمدارس حينها أن تلعب دورا قياديا في هذا الشأن. فهؤلاء الأطفال يعتمدون علينا.

 

كتابة: Diana Divecha

الرابط الأصلي للمقال:

https://greatergood.berkeley.edu/article/item/what_are_the_best_ways_to_prevent_bullying_in_schools

Photo by RODNAE Productions from Pexels

مواضيع مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

آخر المواضيع

قائمة المحررين

الأكثر تعليقاً

فيديو