مرشد سياحي
Ipsef

رأي: آخر الكلام نقطة

رأي: آخر الكلام نقطة
كتابة: منيرة القحطاني

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ»، رواه الترمذي حديث حسن صحيح.

 

أوضح الإمام صفى الرحمن المباركفوري في شرحه لجامع الترمذي أن النبي أراد من قوله: «رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ»، أن يبين للناس أن ما كتبه الله فقد انتهى والصحف جفت من المداد ولم يبقه مراجعة، فما أصابك هو مقدر لك.

كان هذا الحديث بمثابة منهج لليقين كما أن جملة (رفعت الأقلام وجفت الصحف) اصبحت مثالاً يستخدمه الكثيرين كدليل على الانتهاء من الخوض والجدال، كانت جملة ولكنها كانت بمثابة نقطة واضحة لا نقاش فيها.

وهناك الكثير من العبارات ومن المواقف والتي كانت بمثابة نهاية واضحة لا تحتمل الجدل بل كانت كحقيقة لا يمكن تلافيها بل كان لزاماً أن نتعامل معها

فكلمة “رحيل” تعتبر بمثابة نقطة نهاية للأشخاص والأشياء وهذا المتعارف عليه، وأنه يتوجب علينا أن نتقبل الأمر ونتعايش معه وندرك أن الحياة ستستمر حتى بعد رحيل من نحب.

وتعرف النقطة في اللغة العربية على أنها إحدى علامات الترقيم الدالة على انتهاء المعنى وتأتي في نهاية السطر وختاماً للجملة، أي أنها تأتي ختاماً للشيء التام، والذي لا عودة بعده وما بعد النقطة يعتبر بداية أخرى.

وقد اُتفق على استخدامها في جميع اللغات العالمية بخلاف اللغة الصينية واليابانية حيث أن لهم علامة أخرى.

وفي الرياضيات مجموعة نقاط تشكل خط مستقيم

فالنقطة تمثل معلومات عن الموقع فقط

وهي تملك موقعاً في الفراغ وليس لها حجم ولا مساحة

ويعتبر الفضاء عبارة عن مجموعة ضخمة من النقاط

كما لها أهمية في بديهيات ومسلمات إقليدس وفي الإحداثيات ثنائية الأبعاد والفضاء الثلاثي

وكل نقطة مجهولة دائما نبحث لها عن قيمة ونجعلها معرّفة وقابلة للاتصال، فعندما تبدأ عمل ما أو تريد أن تقوم بإنجازٍ لمهمة ما فإنك ترتب أفكارك ومسار تحقيق هذا الأمر على هيئة نقاط، تبدأ من نقطة معينة وتنتهي عند آخر نقطة.

لأننا ومن نقطة واحدة نبدأ ونسير على إضاءات نقاط عديدة ونواصل المسير حتى نصل للنقطة التي نريدها، لأننا نؤمن أن تحقيق الأحلام يبدأ من نقطة معينة ولأننا نؤمن أن مجموعة من النقاط ترسم خط؛ وأن مجموعة من النقاط تصنع حلم كما أن مجموعة من النقاط تبني شخصية واضحة وقوية تستطيع أن تواجه مصاعب الحياة ومتقلباتها.

 

فليست كل النقاط التي نختارها تعتبر هي الخطوة الصحيحة ولكن المهم هو ألا نستسلم بل نواصل فالنقطة غير الصحيحة قد تكون نقطة تحول رائعة، والنقطة التي ظننا أنها مناسبة لنا قد يكون لها ضرر علينا.

 

وذلك أيضاً ينطبق على علاقتنا بالآخرين فعندما تتعرف على شخصٍ ما فإنك تنجذب له لوجود نقاط مميزة فيه أو صفات تحبذها في الآخرين، وعندما تريد أن تستمر علاقتك في هذا الشخص فإنك ستظل تحرص على توضيح النقاط التي تزعجك ولا تريد أن يتخطاها أحد وبالمقابل تكون أكثر حرصاً لمعرفة النقاط التي لا يحب الشخص المقابل أن يتخطاها أحد. تظل دائماً حذراً في تعاملك معه لكيلا تخسره.

لأنك تدرك أن أكثر ما يجعل علاقاتنا بالآخرين متذبذبة بين قبول ورفض بين صلح وخصام هو أننا لا نوضح النقاط المهمة في التعامل، فهناك نقاط على مسار حياتي لا أحبذ أن يتخطاها أحد وهناك نقاط في حياتك لا تحب أن يتمادى أحد تجاهها. وهناك نقاط علينا أن ندرك أنه من الصعب تخطيها وهناك نقاط من الصعب تجاهلها وهناك نقاط كان لزاماً علينا ان نقف عندها.

 

فما الذي يجعلك تستمر في علاقة كانت ملامحها باهتة من البداية؟ وما الذي يجعلك تؤمن بأنك قادر على الاصلاح والتغيير؟، لماذا أهدرت وقتك وجهدك على علاقة كان من المفترض أنك وضعت نقطة نهايتها منذ زمن؟، لماذا لم تستثمر الوقت الذي أهدرته على أمور أخرى وأشخاص يستحقون؟

 

نحن نضيع وقتاً ثميناً وجزءً من حياتنا في محاولة كسب أشخاص نعلم أننا سنخسرهم ولكن نشعر أننا في تحدي مع أنفسنا ونحاول ولا ندرك أن ذلك كله من حياتنا، فلو أننا أدركنا أهمية وضع النقاط وتوقيت وضعها لأدركنا أننا نملك الكثير من الوقت لأنفسنا، لتطويرها وبنائها، لِجعلنا نكون أشخاص أصحاب مكانة وأصحاب قرار. ستدرك أن تلك النقطة كانت كفيلة بتغيير مجرى حياتك وبأنها حمتك من ضوضاء معركة خاسرة مع أشخاص لا يقدرون قيمتك ولا يشعرون بالمسؤولية تجاه ما تقدم لهم.

 

إذاً، عليك أن تستثمر في نفسك وأن تبني نقاط قوتك وتعالج نقاط ضعفك، أن تجعل من تلك النقاط مساراً لك وبأن تجعلها ذات أثر. لا ترضَ بأن تكون هامشاً على حياة أحد ولا نقطة تخطي، لا ترضَ بأن تكون محط استخفاف ولا أن يستهين أحد بنقاطك التي جعلتها مبادئ وركائز مهمة في شخصيتك قد لا تروق شخصيتك لأشخاص ولكن المهم أن تجد منهم الاحترام.

 

بالتالي عليك أن تدرك ما تعنيه النقطة وماهي وظيفتها ومتى تستخدمها لأنك عندما لا تضع النقطة في الوقت المناسب ستكون هناك نتائج متوقعة وغير متوقعة يجب عليك حساب خسارتك وتحصد نتائج انتظارك وتتقبل ذلك؛ فالأمر كان من البداية في يدك لأننا دائماً نحمل النقطة معنا ولكن قد نتردد في مكان وضعها والوقت.

 

بقلم | منيرة القحطاني.

 

 

 

Obraz Gordon Johnson z Pixabay

16 تعليقات

مواضيع مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

16 التعليقات

  • بدور محمد
    يناير 1, 2023, 8:13 م

    رائع جدا 👏👏

    الرد
  • ساره الصالح
    يناير 1, 2023, 8:26 م

    كلام جدا مهم بالفعل لابد ان نستثمر في انفسنا ونعرف نقاط القوه والضعف 👌👌

    الرد
  • أم إبراهيم
    يناير 1, 2023, 8:56 م

    ماشاء الله تبارك الله ..كلام جميل يلامس القلوب .

    الرد
  • مباركه القحطاني
    يناير 1, 2023, 9:39 م

    ماشاء الله مقالة رائعة ووافية ،شدتني نقطة ،انه من الضروري ان نعرف متى نضع النقطة خصوصاً في العلاقات التي لاطائل منها ولانجني منها سوا الضرر .
    صح قلمك وسلمت اناملك🌹

    الرد
  • محمد سعيد
    يناير 1, 2023, 11:18 م

    كلام صحيح👍👍

    الرد

آخر المواضيع

قائمة المحررين

الأكثر تعليقاً

فيديو