ومعركتنا تبدأ عندما يدخلها التحويل والتغيير وانعكاسات الآخرين علينا، فنحن نؤثر ونتأثر تلقائياً بدورنا ولك أن تتخيل مدى تأثير الآخرين علينا وعلى تصرفاتنا وردود أفعالنا، وكم من كلمة إيجابية رفعتنا نحو السماء وكم من عبارات الثناء والتشجيع جعلتنا نواصل ونتألق، وكم من شخصٍ تائه يحمل بداخله ثروة لم يدركها كانت له تلك الكلمات بمثابة نقلةً جعلته يتجه نحو المسار الصحيح وغيرت منه 180 درجة عما كان عليه.

وبالمقابل كم من كلمة لم يُلقِ لها صاحبها بالاً وكم من فعل لم يحسب عواقبه، ترك ندوباً في داخلنا، وأثّر في أدائنا الجيد، وكانت مجرد كلمة لكنها أشبه بدوران نقطة موجبة بدرجة 180 حتى أصبحت نقطة سالبة أحدثت نقلةً وغيرت مسار حياتنا بالكامل. هي كانت أفعالاً عابرة لكنها أحدثت عبرةً ودموعاً وجروحاً مؤلمةً، ربما استطعنا تجاوزها والاستمرار وربما استمر أثرها وظهرت نتائجه على كل ما نقوم به، وقد يظهر على هيئة خوف وقلق وتردد، وقد يظهر على هيئة صمت وغضب وتشدد.

كلمات بنتْ بداخل الشخص واستقرت فيه وحرمته لذة الحياة وقناعة النفس، كلمات ورأي قد لا يكون في محله وقد يكون من الشخص الخطأ لكننا جعلناه يؤثر فينا ويزعزع ثقتنا بنفسنا، ولا تعجب فهناك حقاً من يتمتع بقدرات عالية في زرع بذور الشك بداخلك تجاه نفسك، تجدك معدوم الثقة، متخبط في قراراتك ونتائج أعمالك رديئة، وربما هي ليست كذلك لكنه منحك مشاعر ودفعك بكلمات جعلتك لا تشاهد جمال وإبداع ما تقدمه، لذا ضع في اعتبارك دائماً أنك شخص جيد وأنك مجتهد وأن ما تقوم به رائع. امنح نفسك كلمات وقوي عزيمتك، تعلم والتحق بدورات بناء الذات وتكوين الشخصيات، حصّن نفسك ضد الانتقادات الهدامة وابنِ من نفسك شخصاً واثقاً لا تحركه الكلمات ولا تزعزعه الانتقادات الهدامة .

وتذكر أنك أنت الداعم الأول والأهم لذاتك، لا يضرك بعد نفسك أحد، قد تأخذ رأي من شخص وثناء من آخر وانتقاد ولكن أنت الوحيد الذي يدرك ما أنت عليه، أنت أعلم بقدراتك وأعلم بعيوبك، حاول أن تتلطف بنفسك وأن تنظر لإيجابياتك وتعززها والتفت لسلبياتك وعالجها وحسّن منها، لا أن تجعلها هي الأزمة ونقطة التوقف.

عليك أن تدرك أن لا أحد كامل ولكن المهارة هي في كيفية المعالجة في الخفاء، لا تجعل جلد الذات عندك عادة بل اصنع عادات تتطور منها وتجعلك أفضل وأجدر، قادراً على حماية نفسك، لأننا الآن في عالم السرعة والتكنولوجيا، العالم الذي اندمج فينا، ووجدنا أنه يسحبنا إليه لاإرادياً ويختبر مدى التزامنا بخط أهدافنا.

وهل نملك خططاً ووعي وخطوات ثابتة ومدروسة تجعلنا حتى وإن زحفنا قليلاً خارج المسار نعود أدراجنا إلى نقطة البناء وتحقيق الأهداف، لأنه ليس عيباً أن تستمتع بحياتك وأن تمنح نفسك وقتاً للراحة ولكن لا تُخل بكفتي الميزان، وتنسى أهدافك الأساسية. وازن المرح والاجتهاد في حياتك، اجعلهما حافزاً لبعض.

فالالتزام يُحدث الفرق دائماً، واتباع نمط معين يُحدث نتيجة، والسير في نسق مدروس يصنع الجمال والرضا، وتكرار الأفعال الجيدة ينتج عنه اتقان، وتكرار النتائج السيئة يُحدث رغبة في التعلم والتحدي للوصول إلى نتيجة جيدة؛ إنما التكرار صقل للمهارة وتثبيت في الذهن، مهما انجرفت وأزاحتك مغريات الطريق عد من جديد وواصل.

يريد الأب أن يصنع ابناً مشابهاً له والأم تريد ابنةً نسخةً عنها متجاهلين بذلك أن ابنهم أو ابنتهم مختلفين عنهم، وأيضاً يأتي الابن ويضع والده هو المرآة له، يريد أن يصبح نسخة طبق الأصل منه، قد يكون الأمر طبيعياً في بداية الأمر ولكن عليك أن تدرك أنك لست انعكاساً لأحد ولا ظلاً لأحد لا تظهر بوجوده، أنت كيان مستقل، تشكلت أجزائك نتيجة ما مررت به، وكل ما أخذته من الآخرين من صفات وعادات، والديك، إخوتك، معلميك، وغيرهم ممن كنت تراهم قدوة وأمثلة كنت ترغب أن تحتذي بهم وأن تكون مثلهم. فكيف تريد لنفسك أن تكون متميزة عن غيرها وأنت تقتفي أثر الآخرين وتقلدهم!

ليس الفتى من قال كان أبي … إن الفتى من قال ها أنا ذا

عليك أن تدرك أنهم أيضاً كيانات مستقلة بنوا أنفسهم وبأنه سيأتي يوم تتعرض فيه لموقف أو لتجربة جديدة ستُظهر معدنك فكيف ستتعامل مع الأمور؟! فعند محكات الحياة تظهر الحقيقة ويظهر أصل الأشياء. فاجعل لك أساساً وجذوراً راسخة واجعل ما أخذته من الآخرين أوراقاً تدعم جمالك وتفردك. خذ من ذلك صفة ومن هذا ميزة وحوّرها إلى أن تتماشى مع شخصيتك.

عندما تبني نفسك ستجد أنك أصبحت انتقائياً، تعلم جيداً كيف تنتقي الأشخاص والأماكن المناسبة لك، تعلم متى تواصل المسير وبأي نقطة تنسحب. تعلم أن هناك أوقات ومواقف على المرء ألا ينساق وينزاح إليها وأن عليه أن يبصر الوقت المناسب للتراجع، وأنه ليس معيباً في ذات المرء أن ينسحب بل أن المعيب أن يستمر ويواصل المسير في طريق ليس له ومع أشخاص ليسوا جيدين. ليست كل الطرق سهلة المسير خالية من العراقيل وليس كل الأشخاص يتمنون لك الخير.

عليك أن تعلم أن ارتباطك بالآخرين واندماجك معهم سيجعلهم يتمددون بداخلك ويؤثرون عليك، فتجد انعكاس تأثيرهم عليك موجود في كافة تعاملاتك. فعن أَبي موسى الأَشعَرِيِّ: أَن النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: 《إِنَّما مثَلُ الجلِيس الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ: كَحَامِلِ المِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ ريحًا طيِّبةً، ونَافِخُ الكِيرِ إِمَّا أَن يَحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا مُنْتِنَةً 》متفقٌ عَلَيهِ.

فهل ستكون راضياً ومقتنعاً تماماً بما أنت عليه؟ أم أنك تشعر بأن عليك أن تقف وتعود لنقطة البداية قاصداً بذلك التغيير والتحول من حالتك الحالية إلى حالة أخرى مثالية؟

في عالمي، عالم الرياضيات، هناك أجد تحويلات هندسية تُغيّر وتعكس وتزيح وتسحب وتنقل وتدور وتتمدد كما هي حياتي وحياتك تمر فيها منعطفات وتحويلات تبعدك عن الطريق المثالي الذي نتمناه.

“لا تُشرق الروح إلا من دُجى ألمٍ

هل تُزهر الأرض إلا إن بكى المطرُ؟”

فإن وصلت لك فكرتي ومغزى كلامي، أريد أن تراجع نفسك وتقف مع ذاتك وتطرح عليها هذا السؤال:

هل هذا الشخص هو ما أنا أريده حقاً أم لا؟

إن كانت إجابتك بـ: “لا”، فأريد أن أهمس لك وبكل طمأنينةٍ أخبرك أنه لم يفت الوقت بعد.

وبأنك حتماً تستطيع أن تقطع طريقك وتعود.

Image from: pixabay.com

بقلم: منيرة القحطاني

14 تعليقات