مراجعة لكتاب من تأليف: جوناثان بيرجمان وآرون سامز
وترجمة أ.د. عبد الله زيد الكيلاني بتكليف من مكتب التربية العربي لدول الخليج
يشعر كثير من المعلمين بالاحتراق النفسي لتعلقهم بنظام محتوى مثقل يتوقع منهم أن يؤدوه بشكل رتيب لجميع الطلاب في نفس الوقت، وتكون معايير المحتوى مدرجة بشكل واضح على اللوح. يجلس الطلاب في مقاعد مرتبة في صفوف ويتعلم جميعهم نفس الأشياء في نفس اليوم. ولكن عندما يتمعن المعلمون بتجرد بهذه الممارسة، يتبين لهم أن الطلاب في الحقيقة لا يتعلمون في نفس الوقت، إنما هم يتعرضون لنفس المحتوى في نفس الوقت. هؤلاء المعلمون يعلّمون بالطريقة التي تعلموا فيها وهم معلقون في نمط يفترض فيهم أن يكونوا منابع المعرفة. هم يدركون أن العالم تغير، ويكافحون لمعرفة كيف يتواصلون مع هذا الجيل من الطلاب المتواصلين رقمياً والواعين بشكل عالمي. فالصعوبة في العالم اليوم لم تعد في الحصول على ما يكفي من المعلومات، بل في معرفة كيف نستخلص من الكم الهائل من المعلومات شذرات ذات صلة قابلة للاستعمال. حيث يوجه التعلم المقلوب للمعلمين أن يعملوا بأفضل أداء ممكن بمساعدة الطلاب على التعلم.
يقوم نموذج التعلم المقلوب على أن يتم التدريس خارج الصف باستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة مثل مقاطع الفيديو أو الأجهزة الكفية، أو أية وسيلة تعلم أخرى يمكن أن يستخدمها الطلاب فردياً في منازلهم قبل مجيئهم إلى غرفة الصف. ويعطي النموذج الفرصة للمعلم لكي يستثمر وقت الصف بشكل أفضل بخاصة في القيام بأعمال تتطلب اهتمام المعلم، أو عمل الطلاب في مجموعات، مما يعني أن الصف المقلوب هو تدريس مباشر يعطي للفرد خارج الصف، واستعمال استراتيجي للوقت داخل غرفة الصف.
ويهدف كتاب “التعلم المقلوب: بوابة لمشاركة الطلاب” إلى إعانة المعلمين وإرشادهم إلى كيفية تحويل الصفوف إلى التعلم المقلوب، ليشبعوا حاجات كل طالب، من خلال مجموعة أنشطة يقدمها المؤلفان حول عمل معلمين وخبراء في التكنولوجيا ومتخصصين في التعليم المهني، تصف أثر التعلم المقلوب على طلابهم وهم يتابعون مساره، وكيف وجهوا طلابهم نحو تعلُم أكثر تقدماً وتكوين علاقات إيجابية بين بعضهم بعضاً. موضحاً أن التعلم المقلوب حركة أصولية، لا يجري فيها التغير من أعلى إلى الأسفل. فهي تغير معلماً واحداً في كل مرة، وصفاً واحداً في كل مرة، ومدرسة واحدة في كل مرة. من خلال الإجابة على السؤال الجوهري: ما أفضل استخدام لوقت المواجهة مع الطلاب؟ والذي لا يقود لإجابة واحدة فقط، فأعظم قوة للتعلم المقلوب تكمن في القدرة على تفريد التعلم لكل متعلم، حيث يوجد كثير من الأجوبة لأن كل طالب مختلف ويأتي بمجموعة مختلفة من المواهب والقدرات والانفعالات والميول.
يبين المؤلفان أن التعريف الشائع للصف المقلوب يتبادر عندما يشاهد الطلاب الفيديو التعليمي في بيوتهم ويقومون بالواجبات البيتية المتعارف عليها في الصف، وهو ما يعرفه المؤلفان بـ “ الصف المقلوب 101” وهي نقطة المدخل ولكنها ليست الهدف أو المكان الذي نتوقف عنده، إذ أن الهدف هو الانتقال بالتدريس المباشر خارج مكان تعلم المجموعة إلى داخل مكان تعلم الفرد. ويتحول مكان المجموعة إلى بيئة تعلم تفاعلية يوجه فيها المربي الطلاب وهم يطبقون مفاهيم وينشغلون بجهد إبداعي في مادة التعلم. فالتعلم المقلوب في جوهره تعلم متفرد، حيث أن هناك كثير من الطرق والأشكال والأنواع من التعلم المتمركز حول الطالب-التدريس المتمايز- التعلم المستند إلى المشكلة / المشروع، الدراسة المستندة إلى الاستقصاء، وغير ذلك كثير. وعندما تدمج -هذه الطرق- بمفهوم التعلم المقلوب نحصل على استراتيجيات يمكن تطبيقها عملياً. فالتعلم المقلوب في أساسه يتمحور حول المتعلم. كما أن التعلم المقلوب ليس عملية محدودة، إذ يمكن أن يأخذ نموذجه صيغاً متعددة. لا توجد استراتيجية واحدة تنطبق في كل غرفة صف، ومع كل معلم، وكل طالب، حيث يستطيع كل معلم أن يشكل نمطاً شخصياً من التعلّم المقلوب الأكثر ملاءمة لطلابه. وفيه -أيضاً- ما يتيح للمعلمين أن يبرزوا مواطن القوة عندهم كمربيّن.
ويلخص المؤلفان مكونات البيئات الناجحة للتعلّم المقلوب من واقع تفاعل المؤلفين مع كثير من المعلمين بعض الأسباب المهمة التي جعلتهم ناجحين في التعلم المقلوب من أهمها : التعاون مع الزملاء المشاركين في تطبيق التعلم المقلوب، وأن يكون تعلم محوره الطالب فعندما ينزل المعلم عن المسرح ويأخذ دور الميسر لعملية التعلم ، وليس عارضاً لمحتوى ، يتحوّل الصف إلى مركز للتعلم حيث يكون التركيز في الصف على الطالب.بالاضافة إلى تحسين مكان التعلم عندما يطبق المعلمون التعلم المقلوب يبتكرون بيئة تعاونية ، تؤكد مركزية الطالب في الصف وتكون بيئة للتعلم وليس للتعليم .مع مراعاة الوقت المناسب للتطبيق ووجود الدعم الإداري .
كما ناقش المؤلفان بعض المفاهيم المغلوطة عن الصف المقلوب والتي من أهمها أن الصفوف المقلوبة تتسبب في وظائف بيتية لا ضرورة لها. حيث بررا بأن الطلاب يقومان ببناء قاعدة تعلّم من خلال مشاهدة الفيديو، وعندما يأتون إلى الصف يُقبلون على تعلّم أكثر عمقاً وتقدماً. كما أن التدريس الجيد بلا شك يبنى من علاقة إنسانية فلا يمكن لحاسب أو فيديو أن يأخذا مكان معلم حقيقي، ينبض بالحياة. إن العلاقة التي يطورها المعلم مع طلابه هي ما يجعل من التدريس شيئاً جيداً. فمقاطع الفيديو التي يعدها المعلمون تستخدم كأدوات لتوصيل المحتوى في أدنى طبقتين من تصنيف بلوم: أي ” التذكر ” أو ” الفهم ” وهذا يتيح للمعلمين أن يقضوا وقتهم الثمين في الصف بإشغال الطلاب بنشاطات تتطلب مهارات تفكير في الطبقات العليا من تصنيف بلوم، وبذلك يتوافر تعلّم أكثر عمقاً.
وختاما يستعرض الكتاب هذه المبادئ خلال تسعة فصول لتسعة معلمين من تخصصات ومراحل دراسية مختلفة يروون تجاربهم الشخصية في قلب الصف حيث يركز بعضهم على تعلم أكثر عمقاً، ويركز بعضهم الآخر على تعلم أوسع أفقاً وآخرون على جانب العلاقات في التعلم. لكن جميعهم يشتركون في فكرة واحدة من حيث إنهم يتفقون في نقطة تقاطع المحتوى وحب الاستطلاع وبناء العلاقات.
Image from: www.educationmarketing.it
مراجعة: مها الفوزان
اترك تعليقاً
لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *