تعددت مفاهيم الدافعية بتعدد المدارس والنظريات والعلوم التي تنطلق منها، ففي المجال التربوي نجد أن القطامي يعرف الدافعية بكونها الحالات الداخلية التي تحرك الفرد نحو تحقيق هدف أو غرض معين وتحافظ على استمراريته حتى يتحقق ذلك الهدف.
وتعّد استثارة هذه الدافعية وحفز المتعلم لبذل جهده إحدى المهام التي يقوم بها المعلم داخل الفصل، ولكن السؤال هل طرائق استثارة الدافعية لدى المتعلمين في التعليم التقليدي أو مانسميه “وجها لوجه” هي نفسها المستخدمة عندما يكون التعلم “إلكترونيا”؟
على عكس الفصول الدراسية التقليدية القائمة وجها لوجه، يستخدم التعليم الإلكتروني تقنية المعلومات والاتصالات باعتبارها الوسيلة الوحيدة لتقديم الدروس والمصادر والتفاعل والتعاون والمشاركة مع المتعلمين الآخرين، بالتالي فإننا نلحظ انكماش التفاعل الاجتماعي مما يجعل المتعلمين يشعرون بالعزلة. وفي مثل هذه الحالة ستكون عملية التعلم أكثر تحديا ، وخاصة فيما يتعلق بفقدان حافز المتعلمين. (بوليقر، سبناكورن، بوقز، 2010).
وقبل أن نعرج على نظريات الدافعية التي يحتاجها المصمم التعليمي أو المعلم في التعليم الإلكتروني، نذكّر القراء التربويين بأهمية الدافعية ودورها في عملية التعلم كما وردت في الدراسات والكتب التربوية حيث يمكنني اختصار أهميتها في دورها الكبير في تحسين الأداء العام للمتعلم، كما أنها تحفّز المتعلم نحو المبادرة للتعلم بالإضافة إلى دورها في تطوير مهارات المتعلمين وحثّهم نحو المثابرة والجد والاجتهاد.
ولأهمية الدافعية في العملية التعليمية فإن التربويين وممارسي التدريس يحرصون دائما على أن تكون هذه الدافعية موجودة لدى المتعلم ومستمرة، لذلك سوف نستعرض بالبداية ثلاث نظريات للدافعية كما وردت في مدونة شيفت التربوية والتي يمكن توظيفها في التعليم الإلكتروني لتصميم بيئة تعلم آمنة ومشجعة ومؤثرة إيجابا على شخصية الطالب وتدفعه نحو بذل الجهد والسعي للتطوّر المعرفي والمهاري.
لقد طور العلماء والمتخصصين بعلم النفس ثلاث نظريات لتوضيح كيف يعمل العقل البشري، مما يدعو متخصصي التعليم الإلكتروني لتوظيف هذه النظريات لإنشاء المحتوى التعليمي الالكتروني ودفع المتعلمين للمضي قدما في هذا المحتوى التعليمي وإنجاز المهام المطلوبة.
أولاً: نظرية مسار الهدف لروبرت هاوس عام 1971م:
تعتمد نظرية مسار الهدف على النزعة الإنسانية الأساسية لمحاكاة وتقليد القائد. جميعنا لدينا نجوم مفضلين من مختلف المجالات مثل الرياضة أو الفن أو المجتمع، لدينا قدوتنا التي نحاول تقليد شجاعتها ومثابرتها. في بيئة التعلم من سيكون أفضل من المعلم / المدرب/ أو مصمم التعلم الإلكتروني ليكون الدافع الذي يرغب المتعلمون في التعلم منه؟ هذه النظرية التي طورها عالم النفس روبرت هاوس في عام 1971 وصقلها لاحقًا في عام 1996م، ترسي مبادئ كيفية تحفيز القادة للمرؤسين على العمل. أي أن المدير يستطيع أن يدفع العاملين لفعل مايريده عن طريق توضيح المسار الضروري للوصول إلى الأهداف، وتقليل الغموض في العمل عن طريق زيادة المعلومات والمشاركة في صنع القرار وإزالة الحواجز التنظيمية. و أساس ذلك هو الاعتقاد بأن دافع المتعلم وأداءه يتأثر بشكل كبير بسلوك بشكل المدرب/المعلم. ويمكننا ربط هذه النظرية عند تصميم بيئة التعليم الإلكتروني من خلال تبني المعلم لأربعة سلوكيات وهي: الدعم والتوجيه والتشاركية وأن يكون المعلم موجّها نحو الإنجاز.
ثانياً: نظرية التدفق لصاحبها ميهالي عام 1975م:
التدفق من المفاهيم السيكولوجية ذات المضمون الإيجابي المرتبط بعلم النفس الإيجابي. وأهم أدوات دراسة “علم السعادة” و يعد التدفق الذهني حالة من التوحد يعيشها الإنسان بعد تخطيه لمراحل مختلفة فتصل به إلى نقطة ينعزل بها عن كل ماحوله ماديا أو معنويا ليعيش في حالة توحد تام مع مايقوم به، عمله كان أو فنّه أو رياضته. وهي تمثل الخبرة الإنسانية المثلى optimal human experience المجسدة لأعلى تجليات الصحة النفسية الإيجابية. في التعلم الإلكتروني يحدث الانخراط عندما يٌقبل المتعلم بشكل كامل وطوعي للمحتوى التعليمي، ويمكنه التحكم في وتيرة وتدفق التعلم وفقًا لاحتياجاته ورغباته. بقاء المتعلم في حالة تدفق يزيد من فعالية كل نشاط تدريبي. تساعد مستويات الاندماج المرتفعة على الحفظ والفهم والاستدعاء والنقل. عندما يتمكن المتعلمون من فقدان أنفسهم في التعلم، يمكنهم التغلب بسهولة على التحديات وإنجاز المهام وإتقان المهارات الرئيسية.
ولكي يضع المعلم المتعلم في حالة تدفق ينبغي له:
أ. تحديد المهام بوضوح.
ب. أن تكون المهام متزنة ومناسبة لقدرات المتعلم ومهاراته.
ج. أن يكون المحتوى التعليمي متسقا.
د. تقديم التغذية الراجعة feedback.
هـ. منح المتعلم التحكم بالعملية التعليمية.
و. التقليل من عوامل التشتيت.
ثالثاً: نظرية التحديد الذاتي لريتشارد رايان و إدوارد ديسي عام 1985م:
تركز نظرية التحديد الذاتي على الميول الطبيعية للإنسان واحتياجاته النفسية. وتتعامل مع ثلاث احتياجات نفسية أساسية هي: الاستقلالية والكفاءة والارتباط. وتعد هذه الاحتياجات النفسية ضرورية وفطرية وموجودة في البشرية باختلاف الثقافة والجنس والزمن والمهنة. وتلبية هذه الاحتياجات يسهّل النمو الذاتي ويعزز الرفاهية. هذه النظرية تسلط الضوء على الدوافع الداخلية للأفراد وتركز على وصف ما يحدث لدى الإنسان في داخله، دون النظر إلى أي عوامل أخرى خارجية فهي تعتمد على المحفّزات الداخلية للأفراد فقط.
يمكن للمعلم تطبيق مبادئ هذه النظرية لإنشاء محتوى إلكتروني يروق للاحتياجات الأساسية للمتعلمين والسماح لهم بالاستجابة وفقًا لاتجاهاتهم الفطرية. ولتوظيف هذه النظرية في التعليم عن بعد لابد أن يقوم المعلم أو المصمم التعليمي بتصميم محتوى إلكتروني يعزز “الاحتياج للاستقلالية” وذلك يكون من خلال قدرة المتعلم على الإبحار داخل المحتوى بحرية وتمكينه من اختيار الدروس التي يرغب بتعلمها، بالإضافة إلى توافر خاصية “إعادة الوصول” للمحتوى التعليمي، وأن يكون التعلم إثرائيا. أما بالنسبة لتعزيز “الكفاءة” يتم ذلك من خلال تبني نمط التعلم بالسقالات instructional scaffolding وتقديم الدعم للمتعلم، وتصميم تحديات ومهام مناسبة للمتعلمين مع تقديم التغذية الراجعة، واستخدام استراتيجية show and do بحيث يقوم المعلم أولا بعرض النموذج الصحيح ومن ثم يقوم الطلاب بتنفيذه بنفس الطريقة مما يساعدهم على تنمية الكفاءة. وبالنسبة لاحتياج المتعلم إلى “الشعور بالارتباط” فإننا نقصد بذلك تقوية الروابط بين المتعلم والمحتوى الذي يدرسه والبيئة التعليمية ومع زملائه والمعلمين، حيث يُنصح المعلم دائما بقول كلمة “نحن” بدلا من “أنا أو أنت”، إضافة إلى توفير الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي، واستخدام الصور الرمزية ، وأخيرا تصميم أنشطة تعليمية تفاعلية تعزز التفاعل بين الأقران.
وبعد استعراض كل هذه المعلومات، يرى المعلم حاجته لاستراتيجيات و وسائل لإثارة تلك الدافعية لدى الطلاب في مرحلتنا الحالية ونحن نقوم بممارسة التعليم والتعلم عن بعد. لذا وبعد الاطلاع على بعض من المقالات التربوية يمكننا إيجاز هذه الأساليب بالتالي:
-خلق جو إيجابي ومفتوح: يكون ذلك من خلال استيعاب أسئلة الطلاب وعدم التأخر بالرد عليها خلال 24 ساعة، التجاوب معهم بلطف والتواصل معهم بفترات منتظمة.
-منح الخيارات: ويقصد بذلك منح الطالب حرية اختيار المهام ومصادر التعلم واختيار شركاء التعلم وعمل عقد تعلم توضح فيه حقوق وواجبات كلا من المعلم والمتعلم.
-اختيار المصادر: أي اختيار فيديوهات في صلب المحتوى العلمي، اختيار موارد تعليمية مناسبة لقدرات الطلاب ومعارفهم، وأن تكون تلك المصادر صالحة وصحيحة، بالإضافة إلى تنوع المصادر إن كانت المادة العلمية صعبة على الطلاب.
-مهام متوازنة: أي مهام غير موحدة أو متشابهة، تعزز من قوة الطالب وتعالج مكامن الضعف. وتكون واقعية ومرتبطة بالحياة وأهداف التعلم.
-تغذية راجعة فردية وبناءة: أي تكون لكل طالب بحسب مستواه وأدائه، وبعبارات لطيفة. تبرز مكمن القوة والإخفاق لدى الطالب. والأهم منتظمة وباستمرار.
-التواصل: أن يكون التواصل مع المتعلمين بانتظام من خلال إرسال رسالة أسبوعية تحديثية للطلاب عبر الوسيلة المناسبة بريد إلكتروني مثلا أو غيره، إضافة إلى تفعيل غرف النقاش والتعليقات بشكل منتظم ومتنوع.
-مكافأة الطلاب: فالطالب إنسان وليس روبوت والمكافأة ترفع الثقة بالنفس والرضا الذاتي كما أنها تحفّز الطالب للتقدم نحو المستوى التالي. وينصح بمشاركة إنجاز الطلاب عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ستساعد هذه الاستراتيجيات والأساليب التي أوردناها أعلاه في استثارة دافعية الطلاب للتعلم خاصة وأننا نواجه اليوم بوصفنا معلمين وأولياء أمور كذلك تحديا حقيقيا في خلق الاستعداد المعنوي للتعلم لدى الطلاب. مع إيماني المطلق بضرورة أنسنة المحتوى التعليمي الإلكتروني حتى لايفقد لطالب دافعيته وشغفه ورغبته في التعلم.
المراجع:
قطامي، يوسف وقطامي، نايفة. (2000). سيكولوجية التعلم الصفي، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمّان
Shif. (2020). Designing for Motivation: Three Theories eLearning Designers Can Use. https://www.shiftelearning.com/blog/bid/340354/designing-for-motivation-three-theories-elearning-designers-can-use.
MCVICKER, Daniela. (2019). Tips to increase motivation in e-learning. https://blog.neolms.com/tips-to-increase-motivation-in-e-learning/
Morrison, Debbie. (2021). How to Motivate Students in the Online Learning Environment. https://onlinelearninginsights.wordpress.com/2012/08/31/how-to-motivate-students-in-the-online-learning-environment/
Image by Luisella Planeta Leoni from Pixabay
كتابة:
نورا خالد العتيبي
اترك تعليقاً
لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *