تُعد المدرسة المؤسسة الاجتماعية التي تلي الأسرة مباشرة في أهميتها وتأثيرها في الصحة النفسية ودرجة توافق الطلبة نفسياً واجتماعياً. فهي ليست مجرد مكان يتم فيه تعلم المهارات الأكاديمية والعلمية.
وإنما هي مجتمع مصغر يتفاعل فيه الأعضاء ويؤثر بعضهم في البعض الآخر. وإذا كانت أسس الصحة النفسية للطلبة تبدأ في البيت خلال السنوات التكوينية الأولى لحياته مما يسهم في بناء شخصيته ونموها لكي يكون فاعلا في مجتمعه فهي تظهر في المدرسة أكثر.
وتبرز أهمية التركيز على الجوانب الوقائية لحماية أجيال الغد من الأمراض النفسية على تنوعها وتفاوت درجات خطورتها، لذلك أعلنت وزارة الصحة، عن تنفيذ مجموعة من البرامج والأنشطة التوعوية لطلبة المدارس، بالتعاون مع وزارة التعليم، باعتبارها شريكاً استراتيجياً في معظم البرامج التوعوية، مشيرة إلى أن من أبرز الأنشطة المشتركة، برامج الصحة النفسية ومكافحة السمنة وهي إحدى المبادرات الداعمة لتحقيق رؤية المملكة 2030.
إن الصحة النفسية للطلاب من أهم جوانب التنمية الاجتماعية والمعرفية، ويحتاج الطلبة أن تكون لديهم حالة صحية ونفسية جيدة ومثالية تعزز ثقتهم بأنفسهم وقدرتهم على النجاح في المدرسة والمجتمع؛ لذا من المهم تحديد المشكلات النفسية لديهم ومعالجتها مبكراً قبل أن يتطور الأمر، وتحويلهم لذوي الاختصاص بالتعاون مع الأسرة ومقدمي الرعاية الصحية الأولية لعمل تشخيص وخطة لعلاج، والفهم الكامل لطبيعة هذه الأمراض وتقديم الدعم النفسي لهم.
وتشكل مهارات الحياة إحدى وسائل تعزيز الصحة النفسية للطلبة، وهي عبارة عن مجموعة المهارات الحياتية، مثل تدريبهم على أداء الواجبات المدرسية والتفكير الناقد والإبداعي ومهارة تكوين علاقات إيجابية مع الآخرين والتكيف مع الانفعالات، والتعاطف وفهم وتقبل الآخرين والوعي وتوكيد الذات والتكيف الإيجابي، ويساعد هذا كله في بناء مفهوم جودة لحياتهم بمفهومها الشامل.
وتهدف الصحة النفسية إلى معالجة المخاوف المتعلقة بالمشاكل النفسية والاجتماعية والصحية، والتي تؤثر على التعلم، والأداء الخاص بالطلبة بشكل كبير، لذا حاول واضعي الخطط المدرسية مساعدة المعلمين في التعامل مع المشكلات التي تتداخل مع التعليم، ومن الامثلة على الحلول المُقترحة مجموعة برامج تقديم المشورة، وبرامج الخدمة النفسية والاجتماعية التي تقدمها المدارس، ويوجد لدى المدارس بعض البرامج لمعالجة مجموعة من المشكلات المتعلقة بالصحة النفسية، مثل مشاكل التكيف والحضور في المدارس، والتسرب، والإيذاء الجسدي والجنسي، وغيرها.
إن الظروف الاستثنائية التي يعيشها الطلاب في هذه المرحلة من جائحة كورونا، وما ترتب عليها من اعتماد على التعليم عن بعد؛ تجعل من الأهمية رفع درجة الوعي لدى الأسر وأولياء الأمور للحد من التأثيرات التي قد تنعكس نفسيا على الأبناء، من خلال الحرص على أن يظل الطلبة على اتصال مع أقرانهم أثناء الجائحة لتحقيق التواصل معهم، بالإضافة لمتابعة الأهالي لاحتياجات أبنائهم النفسية وتقديم الدعم لهم في حالة العزلة والانسحاب المتكرر، أو كثرة وقلة الأكل والنوم، أو سرعة الانفعال، وانخفاض المزاج من خلال التحلي بالصبر، والتعاطف، والحوار، والمناقشة معهم.
كما أن الظروف الحاصلة بسبب جائحة كورونا قادتنا بسرعة أكبر نحو التعليم الإلكتروني، مما ترك لنا مساحة لكي نفكر بشكل جدي ومختلف في العمل الإرشادي وأدواته ومناهجه وأساليب تطويره، ونقله من شكله التقليدي إلى الإلكتروني عبر الفضاء السيبراني. وبالتالي نستطيع أن نواكب مستجدات العصر ونعمل على إيجاد برامج وقائية وعلاجية ونمائية إلكترونية تسهم في تعزيز الصحة النفسية لدى طلابنا وأسرهم. وهنا نستطيع أن نقول لأبد من العمل معا في بناء صحة نفسية للجميع يتحقق معها جودة حياة شاملة.
د. جزاء العصيمي
اترك تعليقاً
لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *