مرشد سياحي
ltespo

التحصيل الدراسي بين الواقع والمأمول

التحصيل الدراسي بين الواقع والمأمول
كتابة: فاطمة إبراهيم السفري

لطالما حض الإسلام على طلب العلم ومواصلته وسخرت الدول الجهود لطلب العلم. فإننا نجد بالمقابل معاناة بعض المؤسسات التربوية من مشكلة التحصيل الدراسي، باعتباره محكاً أساسيا للحكم على مدى ما يمكن أن يحصله الطالب من معارف ومهارات وقيم. لأنه متغيّر يظهر استعدادات الطالب المختلفة.

 

ومن منطلق قول رسول صل الله عليه وسلم “إنه ستأتيكم أقوام من بعدي يطلبون العلم فرحبوا بهم وحيّوهم، وعلموهم” وفي ضوء هذا ركزت سياسة تعليم المملكة العربية السعودية على التعليم، وعليه فإن التحصيل الدراسي مؤشر من المؤشرات المهمة في تقويم تعلم الطالب في كافة المستويات التعليمية المختلفة. والذي يحظى بالاهتمام المتزايد من التربويين، أما الوالدين فاهتمامهم بالتحصيل؛ يعود إلى أنه مؤثر على الرقي والتقدم المعرفي لأبنائهم، وإن عدم اقتناع الوالدين بمستوى تحصيل أبنائهم يعود إلى أسباب عدة منها: مركزهم ومستواهم الاجتماعي، وعدم وضوح آليات التقويم لولي الأمر.

 

إن للمركز الاجتماعي للوالدين دور في مستوى تحصيل الأبناء الدراسي إيجاباً فكلما كان مستوى الوالدين عالٍ كلما كان تحصيل أبنائهم عالياً؛ وذلك لما يوفره الآباء للأبناء من وسائل واهتمام عالياً بمستوى أبنائهم العلمي والصحي والنفسي، إذ يعتبر مستوى الوالدين من العوامل المؤثرة تجاه أدوارهم في عملية التنشئة الاجتماعية. وتؤكد دراسة الجابري (2021) دور الأسرة المتعلمة على مستوى تحصيل أبنائها وتنشئتهم الاجتماعية، ويمكن تفسير هذه النتيجة بخوف الوالدين على أبنائهم من السمعة تجاه تحصيلهم الدراسي وتأثير ذلك على مكانة الوالدين ومركزهم الاجتماعي، ومن ثم يعمل الوالدين حثيثاً على متابعة أبنائهم دراسياً مع المدرسة من أجل أن يكون أبنائهم نموذجاً مميزاً في المجتمع.

 

وقد أظهرت دراسة (الحبيشي،2020؛ المجيدل واليافعي،2009) عن احتلال آلية التقويم والبيئات والمؤسسات المرتبة الأولى في أسباب ضعف التحصيل الدراسي للطلاب؛ وذلك بسبب ضعف وقلة تعاون الأسرة لحل المشكلات التعليمية لأبنائهم وغياب الشراكة المجتمعية وضعف الدور للأعلام التربوي وضعف الجانب التوجيهي في المدرسة وخلل آلية التقويم المستمر وضعف بناء الاختبارات وفق المعايير المطلوبة وضعف تنويع التقويم والتصنيف الإنشائي للمباني حكومية أو مستأجرة؛ وهذا يعود إلى احتياج الوالدين للتذكير بآليات التقويم من قبل المدرسة من خلال إقامة مجالس الآباء واللقاءات المباشرة معهم وإعادة النظر في ظروف المناخ المدرسي؛ وهنا يتجلى دور المدارس في تعزيز مشاركات أولياء الطلاب في مجال الأنشطة المدرسية وردم الفجوة.

 

وسنتحدث في هذا المقال عن عدة محاور تندرج تحت أهم مسببات ضعف التحصيل الدراسي عند الطلاب، وسوف نتناول بعض هذه الأسباب بشيء من التفصيل.

 

لا يخفَ على الجميع أهمية تحصيل أبناءنا الطلاب حيث يساعد التحصيل على تحديد أهدافهم التي يريدون الوصول إليها. كما يساعدهم على تطوير مهاراتهم الذاتية وتوسيع معارفهم، ويحرص الوالدين دائما على أن يكون أبناؤهم متفوقين، وتعدد الأسباب التي تؤدي للضعف الدراسي وتدني التحصيل العلمي تبعاً لأمور مختلفة منها:

البيئة المدرسية فإذا كانت غير مريحة ولّدت نفور الطلاب وإحجامهم عن الاقبال على التحصيل.

 

قلة التواصل بين الأسرة والطالب والمدرسة فإن عدم اكتراث الآباء بأبنائهم وعدم متابعتهم بشكل أفضل؛ سيؤدي لضعف الطالب دراسياً.

 

اللهو والالعاب الإلكترونية؛ لها تأثير سلبي على أداء الطالب حيث يمكث على الألعاب والأجهزة اللوحية فترات طويلة؛ مما يؤدي لعدد من المشتتات والآثار السلبية كضعف مستواه التحصيلي وبطء نموه العلمي والاجتماعي (الحبيشي،2020؛ بلمهدي وبكير،2014).

 

انشغال الوالدين باهتماماتهم الأخرى وهذا يناقض دورهم المناط بهم في المهمة التعليمية وحث أبنائهم ومتابعة مستوى تحصيلهم حيث يؤدي عدم الاهتمام بأبنائهم إلى أضعاف الدافعية للتعلم وتقليلها وإلى صعوبات في التعلم (أحمد علي،2014) وينبغي على المدرسة إشراك الأسرة في أي قرارات تخص أبناءهم، ودعوتهم إلى مشاركة أبنائهم في الرحلات المدرسية، والمناسبات، والحفلات التي تقام في المدرسة. وتوفير جميع الوسائط الثقافية من كتب، ومجلات، وغيرها للوالدين لتساعدهم على تنمية مواهب أبنائهم، وتساعدهم على التقدم العلمي. وعلى الوالدين التواصل باستمرار مع المدرسة، والمرشد الطلابي، والمعلمين، وحضور مجالس أولياء الطلاب، والرد على أي استفسار من الإدارة. فالعملية التعليمية تتجلى بالدعم المستمر من الوالدين وتواصلهم مع المعلم، والمدرسة من خلال اللقاءات، ووسائل الاتصال المختلفة (نور الدين،2013).

 

وعلى الوالدين مساعدة المدرسة في معالجة أي مشاكل نفسية، أو سلوكية، أو تدني المستوى التعليمي بموضوعية تامة وعدم توجيه اللوم على المدرسة، والمعلم، ومساعدة أبنائهم بتوفير المكان، والوقت المناسب؛ للاستماع إلى مشاكلهم التي تتعلق بنجاحهم المدرسي، ومحاولة حلها، وعدم إلقاء اللوم على أحد، وإشعار أبنائهم بأهمية المدرسة، والنجاح المدرسي، وأثره في بناء المجتمعات.

 

انفصال الوالدين بسبب طلاق أو وفاة وغيرها إذ يسهم تفكك الأسرة في عدم استقرار الأبناء في دراستهم وتأخيرهم دراسياً وحدوث العديد من الاضطرابات السلوكية والتأثير على التحصيل الدراسي (مباركة وآخرون،2021؛ الحبيشي،2020) ويحدث الخلل عند الأبناء عندما يجدون أنفسهم في عالم مشحون بالكراهية والحرمان والعاطفة والرعاية والاهتمام والتوجيه؛ مما يؤدي إلى معاناة الطالب من الشرود الذهني والعزلة والرغبة في ترك المدرسة.

 

وظيفة المرآة خارج البيت قد تسبب الإهمال وشعور الطالب بعدم المراقبة من الوالدين.

 

الرفاهية الزائدة لدى بعض طلبة المدارس (علي أحمد،2014) من جانب الأسرة قد تؤدي إلى بطء عملية التحصيل وفقدانها؛ مما يسلب الطلاب الشعور بالمتعة والجودة النفسية داخل المدرسة وخارجها(العبيد ومتولي،2018).

 

عدم التأسيس في المرحلة الدنيا الأساسية؛ وعليه فإن افتقار الطالب لمهارات التأسيس يشكل عائق نحو تعلم مهارات مرحلته وسبب لتأخيره دراسياً؛ وقد يرجع السبب للغياب وعدم المواظبة والنجاح التلقائي في الصفوف الدنيا الأساسية أو لاكتظاظ وازدحام الطلبة في الصف الواحد مما يقلل تركيزه وانتباه.

 

وتعقيباً على ما سبق، أشارت أغلب الدراسات إلى أن تدخل الأسرة في تعليم أبنائهم أثراً كبيراً في تحصيلهم الدراسي، وأن العلاقة بين أفراد الأسرة مهمة، حيث أن علاقة التعاون، والتفاهم بين أفرادها تؤثر إيجابياً على الأفراد. فالعوامل الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية تؤثر بشكل إيجابي أو سلبي على أداء الأبناء في تحصيلهم الدراسي.

 

وخلاصة القول ينبغي على إدارة المدرسة تعزيز العلاقات مع المجتمع المحلي وأولياء الأمور وإعطاء اعتبار كبير لدورهم وحاجاتهم وتكريم أولياء الأمور المتعاونين والتفاعل مع شكواهم واقتراحاتهم بشكل فعال (السوسي والتكروني،2022)؛ لتعزز تحصيل الأبناء. وهناك عدد من الدراسات أثبتت دور وتأثير المشاركة من قبل الوالدين مع المدرسة ومن ذلك دراسةLara&Saracostti(2019)  إن مشاركة الوالدين بشكل أو بآخر لها تأثير إيجابي على التحصيل الدراسي للطفل، وأظهرت نتيجة الدارسة أن تحصيل أبناء أولئك غير المشاركين مع المدرسة أقل من تحصيل الأبناء المشاركين آبائهم أو أوصياءهم.

 

كما تم إثبات العلاقة القوية بين مشاركة الوالدين في التعليم والتحصيل الأكاديمي بشكل إيجابي. وتظهر نتائج بعض الدراسات الأثر الإيجابي لمشاركة الأسرة على التحصيل الدراسي للطالب. علاوة على ذلك تعمل هذه المشاركة على تحسين تقدير الطلاب لذاتهم، وتعزز أدائهم الأكاديمي، وكذلك تقلل نسبة التغيب عن المدرسة (1975,Wilson). وتتخذ مشاركة الوالدين مجموعة متنوعة من الأشكال منها التواصل بين الأسرة والمدرسة، ودعم أنشطة التعلم في المنزل، والمشاركة في الأنشطة المدرسية.

 

وعليه فإنه ينبغي على المدرسة ترجمة رؤيتها إلى واقع ابتداء من اللقاء الأول الذي يجمع مجلس الآباء في المدرسة، ويلزم استغلال هذه الفرصة وتخصيص الوقت الكافي لها بالتعريف بالرؤية التي تتبنّاها المؤسسة التربوية اتجاه الوالدين فيما يخص التواصل، ومدى أهمية التعاون بين الطرفين من أجل مساعدة الطالب على النجاح الدراسي، وتشجيع الوالدين على المشاركة وتحمل المسؤولية.

 

ونجد أن وزارة التعليم في المملكة العربية السعودية تتطلع من خلال برنامج ارتقاء (الشراكة المجتمعية) إلى استثمار اقتراحات ومناقشات الوالدين في قضايا التي تمس تعليم أبنائهم والعمل مع القطاع الحكومي والخاص في تقديم المزيد من البرامج والفعاليات والتقنيات واستثمارها في التعليم والتدريب المساند لتزويد الانباء بالمهارات والمعارف لوظائف المستقبل.

 

المراجع:

-نور الدين (2013). زمام الأسرة والمدرسة، رؤية نظرية تتبعية، دفاتر مخبر المسألة التربوية، كلية العلوم والإنسانية والاجتماعية، جامعة بسكرة.

 

-الحبيشي،عبدالواحد بن رجاء الله عطيوى (2020).أسباب ضعف التحصيل الدراسي لطلاب المرحلة الابتدائية من وجهة نظر قادة ومشرفي التعليم بمدينة ينبع. مجلة كلية التربية، جامعة كفر الشيخ20 (1)48-55.

 

-سياطة، مباركة وبعزيز، نورية وعبدالملك بن ضورة (2021). التفكك الاسري وأثره على التحصيل الدراسي لدى الأبناء المتمدرسين (الطور المتوسط) كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية والعلوم الإسلامية قسم العلوم الاجتماعية.

 

-نافز أيوب محمد “علي أحمد” (2014). أسباب تدني التحصيل لدى طلبة المدارس من وجهة نظر المشرفين التربويين والمرشدين التربويين في مديريتي التربية والتعليم في سلفيت وجنوب نابلس. مجلة دراسات في التعليم العالي (9).

 

-الجابري، سليمان سعود يونس (2021). المستوى التعليمي للآباء وعلاقته بالمستوى التحصيلي للأبناء. مجلة العلوم التربوية والنفسية. 5(6)152-171.

 

-بوجمعة، عمارة (2019). المركز الاجتماعي للوالدين وأثره في التحصيل الدراسي للأبناء. مجلة الأسرة والمجتمع 7(2)118-138.

 

-بلمهدي، فتحية وبكير، مليكه (2014). علاقة التحصيل الدراسي واستعمال الألعاب الالكترونية لدى عينة الأطفال. مجلة الحكمة للدراسات التربوية والنفسية. 2(3).

 

 

-السوسي، زينب عمر و التكروني، ابتسام ميلاد (2022). واقع المناخ المدرسي في مدارس التعليم الأساسي في ظل جائحة كورونا من وجهة نظر عينة من الأخصائيين الاجتماعيين. مجلة كلية التربية، جامعة سرت 1(خاص).

 

-المجيدل، عبدالله شمت، و اليافعي، فاطمة عبدالله (2009). صعوبات تعلم الرياضيات لدى تلاميذ الحلقة الأولى من التعليم الأساسي في ظفار من وجهة نظر معلمات الرياضيات: دراسة ميدانية. مجلة جامعة دمشق للعلوم التربوية والنفسية. 25،(3)4 ، 135 – 177.http://search.mandumah.com/Record/75272

 

-العبيد، محمد سعد، ومتولي، فكري لطيف (2018). جودة الحياة النفسية لدى التلاميذ صعوبات التعلم وعلاقتها بالتحصيل الأكاديمي. المجلة العربية لعلوم الإعاقة والموهبة(4)، 47 – 88.

 

-Wilson, K, (1975). The Educational Attainment Process. American -journal of sociology.

 

-Lara, L., & Saracostti, M. (2019). Effect of Parental Involvement on Children’s Academic Achievement in Chile. Frontiers in psychology 10, 1464. https://doi.org/10.3389/fpsyg.2019.01464.

 

-الصورة من حساب وزارة التعليم – عام على تويتر

 

 

كتابة: فاطمة إبراهيم السفري

ماجستير سياسات وتقويم تربوي

 

مواضيع مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

آخر المواضيع

قائمة المحررين

الأكثر تعليقاً

فيديو