مرشد سياحي
Ipsef

أدرس أقل وتعلم أكثر – المنهجية السنغافورية في تطوير التعليم

أدرس أقل وتعلم أكثر – المنهجية السنغافورية في تطوير التعليم
كتابة: د. مشاعل مريح القحطاني

تعد التجربة التنموية السنغافورية أحد أفضل نماذج التنمية والنماء المادي والبشري على مستوى العالم في عصرنا الحالي، وكل من يقوم على تحليل هذا النموذج يدرك جيداً أن سنغافورة لم تصل لذا المستوى إلا بعد أن أحسنت الاستثمار في العنصر البشري من خلال بناء نظام تعليمي واضح المعالم ومحدد الأهداف يتماشى مع توجه ورغبة الحكومة في تحقيق نهضة شاملة للبلد.

 

وذلك بعد أن أدركت أن المجتمع لن يصل إلى ما تطمح إليه سوى بتطوير النظام التعليمي بشكل كامل دون تجزئة وهذا ما ساعدها في تحقيق نهضة متوازنة جعلت منها دولة ذات ريادة وسيادة علمية ومعرفية عالمية، عقب الليالي المظلمة والحروب الطاحنة والاستعمار الغاشم الذي نهب ممتلكات البلد وترك سكانها في دون هوية قومية وموارد مالية.

 

وفي يومنا هذا يعد النظام التعليمي السنغافوري أحد أفضل أنظمة التعليم في العالم، حيث يقوم على مرتكزات أساسية ضمن منظومة تطوير ورؤية متجددة أطلقتها الحكومة السنغافورية مؤخراً عام ٢٠٠٢ وهي مبنية على خطط تطويرية للبلاد قبل هذا التاريخ. حيث قامت وزارة التعليم بدراسة الكيفية التي يمكن أن يستجيب بها التعليم للاحتياجات المتغيرة التي طرأت نتيجة الاقتصاد القائم على المعرفة، وكانت الاستجابة هي في إنشاء عدد من المدراس المستقلة والمتمتعة بإدارة ذاتية وقد عرفت هذه المرحلة باسم “النموذج المرتكز على القدرة” التي ُأطلقت فيها مبادرات عديدة منها مبادرة مدارس التفكير ومبادرة أدرس أقل وتعلم أكثر TLLM.

 

حرصت الحكومة السنغافورية على بناء مجتمع نموذجي ومثالي يتحدث عنه العالم في شتى أنحاء المعمورة وعن إنجازاته وتحقيقه للمراكز المتقدمة في مجال العلوم والمعرفة والتكنلوجيا وهذا الأمر أصبح واضحاً وجلياً أمام المجتمع العالمي.

 

سي يو جوا هو أحد أطفال سنغافورة وهو تلميذ في المدرسة الأميرالية، وهي مدرسة ثانوية حكومية في الضواحي الشمالية لسنغافورة وافتتحت في عام 2002 ابتسم حينما سُئِل عن كيفية ردة فعل والديه إذا ما حصل على نتيجة اختبار متدنية، وقال: “أهلي ليسوا صارمين ولكن لديهم توقعات عالية مني، لا بد لي من التفوق بنحوٍ جيّد في دراستي، هذا ما يتوقعونه مني”. (عيسان، ٢٠١٠)

 

إن نجاح سنغافورة في نظامها التعليمي لا يعتمد على المال، إذ تنفق الدولة نحو 3 – 5 % من الناتج المحلي الإجمالي على التعليم، مقارنةً مع نحو ستة في المئة في المملكة المتحدة، ونحو ثمانية في المئة في السويد، ولكن النظام السنغافوري فعّال بنحوٍ ملحوظ في تقديم الحرية للمعلمين لتحسين ممارساتهم التعليمية، إذ يتم إعطاء المعلمين وقتاً في اليوم الدراسي لتقييم عملهم، ومراقبة دروس بعضهم بعضاً، ولا يتم دفع المعلم الناجح نحو الإدارة، كما هو الحال في كثير من الأحيان في أماكن أخرى، ولكن يتم إعطاؤهم الفرص ليكونوا معلمين أو من المشاركين في تصميم المناهج. يقول الباحث الألماني أندرياس شلايشر -من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في أنظمة المدارس الأخرى، يمكننا أن نحول أفضل معلم إلى مسؤول ضعيف (فرج، ٢٠١٠).

 

وقد ركزت الحكومة على العديد من الزوايا التي انطلقت منها لتطوير منظومة التعليم يمكن عرضها فيما يلي: (باشيوه والبرواري، ٢٠٠٩)

أولاً: توفير المناخ اللازم لتحفيز الاطفال وتشجيعهم على الاكتشاف والاستكشاف والتعلم من خلال التجربة والاستنتاج والتدريب على التعلم الدائم طوال الحياة والعمل بشكل قوي على بناء الشخصية المتوازنة للطالب وهذا الأمر هو أحد محاور رؤية تطوير البلد.

 

ثانياً: التركيز على المرحلة الابتدائية كونها ركيزة أساسية للمعرفة وموطن جيد لصهر الاختلافات العرقية والدينية لينعم الجميع بالسلام والتعايش فيه وهذه المرحلة يتم فيها زراعة الشغف بالمعرفة والعلم والاعتماد على الذات في الحصول عليها حيث يتم توجيه هذا الشغف في المراحل اللاحقة.

– على سبيل المثال مادة الرياضيات تم تحويلها من مادة جافة إلى مادة ممتعة من خلال إحيائها بالأنشطة الحية التي تحقق الهدف التعليمي في بيئة محببة للجميع، وكذلك مادة الالكترونيات وبرمجة الروبوتات تم إدراجها ضمن مناهج المرحلة الابتدائية بهدف تقريب البرمجة والالكترونيات في خيال الطالب ومحاولة التعامل مع الالكترونيات وبرمجة الروبوتات منذ وقت مبكر.

 

ثالثاً: الاهتمام بمنظومة التعليم كاملة (طالب، معلم، ومنهج) حيث تم تأهيل المعلمين كبرنامج متكامل ضمن حزمة تطوير التعليم ويتضمن هذا البرنامج التأكيد على التخصصية العلمية ورفع مستوى المهارات المكتسبة لدى المعلم ليتمكن من تقديم المعرفة وفق نموذج حديث، كما تضمن ذلك رفع مستوى المرتب الشهري للمعلم. وكذلك كأحد برامج تطوير التعليم تم تطوير المناهج لتتناسب مع توجه الرؤية التطويرية الشاملة للدولة واستحداث مناهج قائمة على عمليات الاستكشاف والتجريب واستخلاص النتائج عن طريق المنهجية المتبعة في بناء المناهج الدراسية التي لا تركز على كمية المعارف بقدر ما تركز على كيفية الوصول إليها وهذا يسير وفق رؤية تطوير النظام التعليمي في كيفية تعليم الطالب لا كمية تعليمه. وتم اعتماد اللغة الانجليزية كلغة رسمية للبلاد كونها اللغة الاكثر والأسرع انتشاراً حول العالم وهذا ما يساعد الطالب على سرعة التعلم وإمكانية الاستفادة من معرفته وانتاجه على نطاق جغرافي واسع.

 

رابعاً: إعطاء المدارس حرية كاملة في ممارسة أنشطتها وأعمالها بما يتناسب مع ظروفها وبيئتها والفئات الملتحقة بها بعيداً عن المركزية التي تفرض نظام موحد على الجميع مما ساعد على ظهور مواهب فريدة ومختلفة في مجالات متنوعة تم دعمها من قبل النظام التعليمي المرن حتى أصبحت تشكل ثروة قومية للبلاد بشكل كامل.

 

خامساً: جعل النظام التعليمي متوافقاً من طبيعة ومهاراتهم واحتياجاتهم وميولهم الطالب وليس العكس.

 

نقاط على هامش المقال:

– قبل عقود قليلة كانت سنغافورة من أفقر دول العالم

– مساحة سنغافورة ١٠٠٠ كم مربع فقط

– يعيش في سنغافورة عدد كبير من الديانات والثقافات والعرقيات.

– ارتفع الناتج المحلي السنغافوري إلى ٧٪؜ كأحد أعلى الاقتصادات العالمية نمواً.

– تعد سنغافورة من أفضل دول العالم في جودة التعليم حيث تحتل المركز الثالث.

– حسب تقارير البنك الدولي تعد سنغافورة أفضل دول العالم في تطوير الموارد البشرية حيث يصبح كل طفل يولد في سنغافورة يولد هناك سيكون قادر على الانتاج وممارسة عمل فني بنسبة ٨٨٪؜.

– تحتضن سنغافورة العديد من الصناعات المتقدمة المعروفة حول العالم كصناعة الطائرات والسيارات والالكترونيات.

– ٤٠ ٪؜ من سكان على أرض سنغافورة هم من غير السنغافوريين الأصليين.

– ثلاث من الجامعات السنغافورية تعتبر من أقوى الجامعات العالمية حيث تحتل جامعتي سنغافورية الوطنية وNTU على المرتبة ١١ و١١ مكرر على مستوى العالم.

– جامعة سنغافورة للإدارة ضمن أفضل ٥٠٠ جامعة في العالم.

 

المراجع:

-عيسان، صالحة عبد الله. (2010). الاستراتيجية الحديثة في تدريب المعلمين أثناء الخدمة: تجربة سنغافورة. رسالة التربية، سلطنة عمان، العدد 23.

-باشيوه، لحسن. البرواري، نزار. (2009) . نماذج الإدارة التعليمية المعاصرة بين متطلبات الجودة الشاملة والتحولات العالمية “دراسة مقارنة”. المجلة العربية لضمان جودة التعليم الجامعي. المجلد الثاني، العدد الثالث.

-فرج، عبداللطيف حسن.(2010) . نظم التربة والتعليم في العالم. عمان. دار المسيرة.

 

Image from: @MOEsg

 

كتابة:

د. مشاعل مريح القحطاني

دكتوراه الإدارة والإشراف التربوي

مواضيع مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

آخر المواضيع

قائمة المحررين

الأكثر تعليقاً

فيديو