Organizational Alienation
يعد المورد البشري من أثمن وأغلى الموارد داخل أي منظمة وأساس لاستمراريتها في عالم متغير كل يوم مما أثر على عادات وتقاليد المجتمعات بأكملها وأجبر المنظمات على العمل المستمر على تنمية مهارات الموارد البشرية والعمل على تدريبهم وتلبية احتياجاتهم المادية والمعنوية وتنمية روح الانتماء والولاء للمنظمة بما يحفزهم على العمل بجد واجتهاد لتحقيق أهداف المنظمة وتنمية سلوكيات المواطنة التنظيمية لديهم بما يحفز الشعور لديهم بأن المنظمة وطنهم الخاص، وحيث أن سلوك المواطنة التنظيمية يمثل سلوكاً تطوعياً، اجتهادياً تختلف عن أداء الدور الرسمي، الذي يعتبر سلوكاً إجبارياً ، إلزامياً، يعاقب العامل أدائه، كما أنه لا يندرج تحت نظام المكافآت التنظيمية الرسمية ، وهو سلوك إيجابي غرضه النهائي تحقيق الفعالية التنظيمية .
على النقيض من ذلك تعتبر ظاهرة الاغتراب من أهم الظواهر السلبية في العالم الحديث والمعاصر، وقد تبلورت هذه الظاهرة على مدى سنوات عديدة، واتخذت مظاهر تختلف في شدتها بين الماضي وبين ما هي عليه في الوقت الحاضر، ولكن المشاهد أنها كانت منذ ذلك التاريخ تزداد اشتداداً وحدة تبعاً للتطور الحضاري المادي في هذا القرن وبصورة عكسية مع انتماءات الإنسان، خصوصاً الانتماء الديني والتاريخي.
يعتبر العمل في التنظيمات الإدارية مصدراً للضغوط والتوترات التي يشعر بها العاملون في مختلف المستويات الإدارية، إذ يشعر الكثير من العاملين بعدم التوازن النفسي والجسمي مما له الأثر في مستوى أدائهم بشكل سلبي، بالإضافة الي أن هذه الضغوط جعلت العامل يعيش في حالة قلق وتوتر وانفعال مما يؤثر على مهامه وواجباته الوظيفية وعلى علاقته بالآخرين ويؤثر على صحته وجسده، ومن ناحية أخرى يعد الاغتراب الوظيفي أحد الظواهر التنظيمية التي تحد من تقدم الأفراد وتطورهم مما يؤثر بشكل سلبي في أدائهم الوظيفي وهذا بدوره يؤثر على أداء المنظمة
ومن منطلق أن الأداء التنظيمي في المنظمات يتصف بالديناميكية نظراً لتكيفه مع البيئة المحيطة وظروف العمل السائدة، فإنه يتعين على الإدارة الاهتمام بمتابعة هذا الأداء بصفة مستمرة ومحاولة التحكم فيه من خلال التقييم المستمر حتى يتم التعرف على أوجه القوة فيه ومن ثم تطويرها وتنميتها، وأوجه القصور فيه ومن ثم تصحيحها في الوقت المناسب. وتأسيسا على ما سبق فان هذه التقرير يأتي للتعرف على مفهوم الاغتراب الوظيفي وأبعاده ومراحله وأسبابه ومصادره ومن ثم تقترح الباحثة بعضا من الحلول له وطرق التغلب على وجوده بالمنظمات .
يعتبر الاغتراب التنظيمي أحد العوامل النفسية والسلوكية والاجتماعية التي تؤثر سلبا على أداء العاملين في المؤسسة وتعكس درجة الرضا الوظيفي عن مؤسستهم، والاغتراب التنظيمي في مفهومه البسيط يعني شعور الفرد العامل بالغربة في موقع عمله وعدم مقدرته على التواصل مع نفسه وانفصاله عما يرغب أن يكون عليه، إذ يفقد الانتماء الوظيفي وإلى التفاعل الاجتماعي داخل محيط العمل، وهذا يؤدي إلى التأثير على الأداء وقد يصل إلى أن يمس علاقته بالولاء التنظيمي لمؤسسته.
يعتبر الاغتراب التنظيمي (Organizational Alienation) أحد أنواع الاغتراب التي نالت اهتمام الباحثين في مجال الإدارة بشكل عام والسلوك التنظيمي بشكل خاص لما له من تأثير على أداء المؤسسات والعاملين، ومصطلح الاغتراب لا يمكن التعامل معه على أنه مفهوم مطلق وواضح إذ لا يزال في حقيقة الأمر يشوبه الكثير من الغموض والتداخلات، لذلك أستخدم هذا المصطلح بدلالات مختلفة، وفيما يلي توضيح لمفهوم الاغتراب التنظيمي: يستخدم مصطلح الاغتراب لتعريف الفعل الشخصي لفصل العامل لنفسه ليس فقط عن كيانه الخاص، ولكن أيضا عمله وبيئة المؤسسة، وهكذا يصبح العامل عاجزا ومعزولا تدريجيا نتيجة لانخفاض التكيف والسيطرة على البيئة الطبيعية والثقافية والاجتماعية للمؤسسة.
حيث يشير الاغتراب التنظيمي إلى عدم اكتراث العاملين بأهداف المؤسسة وقواعدها ومبادئ العمل، وبيئة العمل والزملاء، والأحداث التنظيمية المختلفة، وباختصار يمكن التعبير عنه على أنه اللامبالاة بفعل العمل. ويشمل الاغتراب التنظيمي شعور العامل بفقد السيطرة على العمل والعجز عن المشاركة في تحديد الأهداف الفعالة، وهذا بدوره يؤدي إلى الإهمال، حيث يقترب العامل من العمل مع القليل من الطاقة ويعمل في المقام الأول على المكافآت الخارجية بدلاً من الرضا الذاتي الداخلي وتحقيقه، ويعبر العامل المغترب عن نفسه من خلال الانسحاب السلبي من العمل، أو الدوران، أو التغيب عن العمل، أو الصراعات مع الزملاء والمشرفين وتعطيل إجراءات العمل.
التعريف الاجرائي للاغتراب التنظيمي:
الاغتراب التنظيمي بأنه تولد الشعور لدى الموظف بالوحدة والعزلة التي تجعله غريب في وظيفته وأن منظمته التي يعمل فيها لم تعد تحقق طموحاته وهذا يؤدي إلى ضعف الانتماء والولاء التنظيمي والرضا والذي ينعكس بدوره على الأداء الوظيفي وبالتالي عدم وصول المنظمة إلى تحقيق أهدافها.
وحدد “ملفن سيمان” خمسة أبعاد للاغتراب التنظيمي والتي تتمثل في
-انعدام القوة: يقصد به حالة من عدم الانسجام الناجم عن حقيقة أن العامل لا يستطيع تقييم نفسه، ويعتقد أن تصرفاته تتشكل من خلال إرادة الأفراد الآخرين. .
-فقدان المعنى: يشير عدم المعنى إلى العامل يفتقر إلى الإحساس بالكيفية التي يساهم بها عمله في الكل.
-فقدان المعايير: فقدان المعايير تتمثل في الطريقة التي يحدد بها العامل سلوكه لتحقيق غرض معين عن طريق اللجوء إلى طرق غير مقبولة اجتماعيا.
-العزلة الاجتماعية: تعني إحساس الفرد بالوحدة، ومحاولة الابتعاد عن العلاقات الاجتماعية السائدة في المؤسسة، أي أنها حالة يشعر الفرد فيها بعدم الانتماء إلى المؤسسة، وتحدث العزلة عندما يفشل العامل في إقامة علاقات اجتماعية مرضية في مكان العمل، وعدم قدرة العامل على التواصل مع الآخرين أثناء العمل، كما أن عوامل مثل البنية البيروقراطية تسبب الشعور بالعزلة لدى الأفراد العاملين .
-الاغتراب عن الذات: يقصد به فقدان الحماس للذات والانفصال عن الذات.
يمر الاغتراب الوظيفي بثلاثة مراحل شائعة:
أولاً: الاغتراب النفسي وتتميز هذه المرحلة بشعور الموظف بأن العلاقة بينه وبين المؤسسة التي يعمل بها لم تعد طبيعية، وأنه أصبح يسودها شيء من التوتر، ويعزو الموظف ذلك إلى أن المؤسسة أو من يقومون بتمثيلها أصبح لديها موقف سلبي تجاهه.
ثانياً: الاغتراب الذهني وهي في الحقيقة امتداد لمرحلة الاغتراب النفسي، ولكنها أكثر خطرا على المؤسسة والعاملين، حيث تتميز هذه المرحلة بالشرود الذهني وعدم القدرة على التركيز لدى العاملين وتبدو على بعضهم مظاهر الحزن والاكتئاب.
ثالثاً: الاغتراب الجسدي وهي المرحلة التي يصبح فيها الاغتراب الوظيفي اغترابا كليا حيث يكثر الغياب، والتأخر عن الدوام، والخروج أثناء الدوام، والانصراف قبل نهاية الدوام، وتكثر الاستقالات الجماعية في المؤسسة أو تصبح الصراعات بين العاملين المشرفين واضحة، ويفقد الرؤساء المباشرون القدرة والسيطرة على الأمور
وتتنوع الأسباب المؤدية للاغتراب بشكل عام ما بين:
أولا: أسباب خاصة.
ثانياً: أسباب اجتماعية بيئية (الوضع السياسي – الوضع الاقتصادي – أتساق المجتمع).
ثالثا: أسباب ذاتية.
حينما يخضع نظام الحوافز للمجاملات والعلاقات الشخصية وعدم الوضوح بين مستويات الإدارة الثلاثة فان ذلك من العوامل المؤدية الى الاغتراب التنظيمي فلكي ينجح نظام الحوافز لابد من الموضوعية. هناك آثار سلبية عديدة على العاملين جراء كبر حجم المنظمة منها تشتيت جهود المدراء بين عملهم الإداري وأشرافهم على الشؤون الفنية مما يسبب الإحساس لدى العامل بضعف الرقابة فيتساوى عمله مع عمل المهمل فيشعر بعدم العدل ويتسبب ذلك انتشار حالات الإهمال واللامبالاة وعدم الإهمال وعدم الرضا عن العمل. (الدوسري، ۲۰۱۱: 59). قد يتعرض العامل الى تهديدا حقيقيا لوجوده وسعادته المادية والمعنوية معا يؤدي الى اتخاذ موقف سلبي وذلك حينما يشعران دوره في المنظمة يتم تعتيمه من قبل البعض الآخر سواء كان مقصودا أو غير مقصود ولا يظهر دوره في عمله يعرضه لكثير من الانفعالية كالخوف والغضب والضيق.
ونلاحظ علاقة الاغتراب التنظيمي ببعض المتغيرات في دراسات سابقة:
حيث هدفت دراسة (الحمل،2020) التعرف على درجة ممارسة القيادة التحويلية وعلاقتها بالاغتراب التنظيمي من وجهة نظر رؤساء الأقسام في مديريات التربية والتعليم العالي في محافظة الخليل، وتبين أن للقيادة التحويلية دوراً منخفضاً في الحد من الاغتراب التنظيمي، كما تبين أن المسؤول يعطي معنى للعمل من خلال تحفيزه وتشجيعه للمرؤوسين، كما يراعي الفروق الفردية بين العاملين في مجال الاحتياجات والرغبات، ويعمل على جعل أفراد الفريق يشعرون بالانتماء له ولأفكاره، وبينت النتائج أن درجة الاغتراب التنظيمي جاءت متوسطة حيث تبين أنه يتم السماح باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتقليل الملل والتعب، كما يتم السماح بإجراء المكالمات الهاتفية الخاصة عند الضرورة، ويتم مشاركة العاملين في المناسبات الخاصة، كما يتم أخذ الإجراءات العقابية بحق المخالفين إلا بعد التحقق من المخالفة ودوافعها. وخرجت الدراسة بعدد من التوصيات منها: حث الرؤساء والمسؤولين على ممارسة القيادة التحويلية لما لها من أثر في تعزيز الانتماء والشعور بالرضا الوظيفي، وكذلك إثارة التحدي والثبات لدى المرؤوسين، والعمل قدر المستطاع على الحد من الاغتراب التنظيمي
كما جاءت دراسة (حياة وكريمة،2020) للوقوف على أثر أبعاد الثقة التنظيمية المتمثلة في ( الثقة بالزملاء، الثقة بالمشرفين، الثقة بالإدارة العليا) على تفادي ظاهرة الاغتراب التنظيمي لدى العاملين بالمعمل الجزائري الجديد للمصبرات”NCA كانت ابرز النتائج التي تم التوصل إليها تمثلت بوجود ارتباط معنوي عكسي بين أبعاد الثقة التنظيمية والاغتراب التنظيمي. ووجود تأثير معنوي لجميع أبعاد الثقة التنظيمية على الاغتراب التنظيمي بأبعاده، كما تضمنت الدراسة عددا من التوصيات الهامة التي تشجع بناء الثقة تنظيمية وتدعم دورها في الحد من الاغتراب التنظيمي بالمؤسسة الجزائرية
في حين هدفت دراسة (ابو حمور وقطيشات ،٢٠٢٠) إلى التعرف على أثر الاغتراب الوظيفي على كفاءة وفاعلية الأداء التنظيمي في شركات الاتصالات الأردنية، وتبين أن مستوى الاغتراب الوظيفي كان بدرجة عالية، كما أشارت النتائج إلى وجود أثر ذو دلالة إحصائية للاغتراب الوظيفي على كفاءة وفاعلية الأداء التنظيمي. وفي ضوء ذلك قدمت الدراسة مجموعة من التوصيات أهمها: اهتمام شركات الاتصالات الأردنية بتفعيل دور الحوافز وتوفيرها بعدالة وربطها بنتائج تقييم أداء العاملين. وقيام هذه الشركات بوضع أسس عادلة يتم اتبعاها في الترقيات، سعياً لتحقيق مستويات عالية من الرضا لدى الموظفين تنعكس ايجابياً على أدائهم الوظيفي.
لذلك تحتاج المنظمات الأخذ ببعض المقترحات للتغلب على الاغتراب الوظيفي نجملها كالتالي:
-الاهتمام بتفعيل دور الحوافز ومنح العلاوات لتحقيق مستوى عال من الرضا.
-تشجيع الافراد على تقديم آرائهم ومقترحاتهم واستغلال قدراتهم وامكانياتهم في تحسين أداء العمل والاستعداد لدى العاملين للقيام بأي مهمة بغرض البقاء والاستمرار في العمل وزيادة مستوى الولاء والانتماء.
-الاحترام المتبادل وتشجيع العلاقات الاجتماعية بين الموظفين وعقد اجتماعات دورية لتحقيق الترابط والتواصل.
-تحديد وقت مناسب لراحة الموظفين وتنمية روح الفريق بين الافراد.
-وضع أسس لتقييم الأداء الجماعي لتنمية الترابط بينهم والعمل على بناء قيم إيجابية تؤكد على العدالة والمساواة وتحترم المنافسة والمشاركة والتخلص من الروتينية في العمل التي قد تولد الملل.
المراجع:
الحمل، سمير سليمان، (2020) درجة ممارسة القيادة التحويلية وعلاقتها بالاغتراب التنظيمي من وجهة نظر رؤساء الأقسام في مديريات التربية والتعليم العالي في محافظة الحليل مجلة الدراسات المستدامة، مح2, 3. 1 – 31،
اسماعيل، سماج المكاوي، دراز، عمرو مختار، وعروس، صالح عبد الحميد. (2021). أثر الصمت و الاغتراب التنظيمي على سلوك المواطنة التنظيمية للعاملين في الفنادق، مجلة كلية السياحة والفنادق، مج5، 18 . 124 – 142.
أبو حمور، حسام محمود، قطيشات، رانية، الريالات، محمد، (2020). الاغتراب الوظيفي وأثره على كفاءة وفاعلية الاداء التنظيمي في شركة الاتصالات الأردنية، مجلة جامعة البلقاء التطبيقية،94_115
حياة، سرير الحرتي، كريمة، ربحي. (2020). تأثير أبعاد الثقة التنظيمية على الاغتراب التنظيمي دراسة تحليلية لآراء العاملين في المعمل الجزائري الجديد للمصبرات، مجلة العلوم الاقتصادية والتيسير والعلوم التجارية، مج12،3. 265-282.
Image from: appa.org
كتابة: شريفة بنت حميد الطويرقي
باحثة دكتوراه في الإدارة التربوية والتخطيط
اترك تعليقاً
لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *