المفهوم والأهمية ودور القيادة الابتكارية في المؤسسة التربوية
أولاً: مفهومُ القيادة الابتكاريّة وأهميّتها:
لقد عُرِّفت القيادة الإبداعيّة/ الابتكاريّة، بأنها: “النمطُ القياديُ الذي يتّصفُ بالبصيرة الابتكاريّة، والثِقة بالنفس والآخرين، والقُدرة على التعامل مع مُقتضيات التغيير، والميل إلى التجريب والتجديد في إبداء الآراء والمُقترحات، ومُخالفة النمط التقليدي في العمل والتفكير” (عماد الدين، 2003، ص 15).
وعرَّف (قنديل، 2010) القيادة الابتكاريّة، بأنها: “القُدرةُ على جمعِ الأفكارِ الجديدةِ سواءً عن طريقها أوعن طريق العاملين/ات أومن مصادر خارجيّة، وتحليل هذه الأفكار وتبنّي المُفيد منها وترويجها داخل المؤسسة وتنفيذها، والبحث عن المصادر التي تجعل هذه الفكرة ذات نتاجٍ مُفيدٍ اجتماعيًا وتنظيميًا وماديًا وتستخدم في ذلك قُدراتها الاستكشافيّةِ والاستطلاعيّةِ وأصالتها الفكريّة وقُدرتها التأثيريّة في إثارة حماس الآخرين للإبداع والابتكار”. كما يرى (قنديل) أنّ القادة والقائدات الابتكاريون هم؛ مُفكرون ومُستقلون ومِثاليون ومُلهمون وموجهون من خلال رؤىً مُحفّزةٍ وأهدافٍ طويلة المدى، ويصنعون التغيير الحقيقي ولديهم نظرة واضحة لما يُريدون تحقيقه، وبيَّن أن القادة والقائدات الابتكاريين على اختلاف أنماطهم وأدوارهم ومهامهم ينبغي أن يكونوا على أحد ثلاث حالات، هي:
-أن يكونوا مُبتكرين/ات في أفكارهم وأساليبهم ومُمارساتهم.
-أن تكون لديهم مساحة إداريّة تحفيزيّة يستطيع العاملون/ات معهم من خلالها القيام بالابتكار والإبداع.
-السعيُ المُتواصلُ لجذب العناصر المُبتكِرة والمُتميّزة وتعبئة المؤسسة بها ودعمها وتشجيعها (الحراحشة، 2018، ص 52).
أما دليلُ مُصطلحات هارفارد بزنس ريفيو ( (Harvard Business Reviewفقد عرَّف القيادة الابتكاريّة (المُبتكِرة)، بأنها: “أنموذجٌ قياديٌ يقوم على المزجِ بين عدةِ أساليب قياديّة للتأثير في الموظفين/ات ودفعهم لإنتاج أفكارٍ أو مُنتجاتٍ أو خدماتٍ مُبتكَرة”.
وفي ظل التطوّرات التكنولوجيّة المُتسارعة التي تشهدها بيئة المؤسسات اليوم، بات لزامًا على المُديرين/ات والقادة والقائدات التفكير في طُرقٍ مُبتكَرة للقيادة تضمن استجابة الموظفين/ات والعاملين/ات بما يُحقق أكبر فائدةٍ مُمكنةٍ للمؤسسة ويُعطي قيمةً مُضافة، بالإضافة إلى مَعرِفة كيفيّة تعزيز مجموعات المهارات الفريدة التي يمتلكها الفريق من أجل خلق بيئةٍ مُلائمةٍ للحريّة الإبداعيّة والابتكار.
أما فيما يتعلّق بأبعاد القيادة الابتكاريّة (المُبتكِرة) فهي عبارة عن خمسة أبعاد رئيسة على النحو الآتي: التفكيرُ الإبداعي، ترابطُ الإرادةِ بالابتكار، التسامحُ مع الآراء والمخاطر المُختلفة، إنشاءُ آلياتٍ مُناسبةٍ للابتكار، وتنفيذُ أفكارٍ ابتكاريّة (/11/201920 ,Harvard Business Review).
ثانيأ: المُسوِّغاتُ المنطقيّة لظهور القيادة الابتكاريّة:
هنالك مسوغاتٌ منطقيّةٌ عدة تُسهم في ظهور القيادة الابتكاريّة، أبرزها:
-أن قائد القرن الحادي والعشرين ينبغي إن يضع باعتباره حاجات البيئة الداخليّة والخارجيّة للمؤسسة التربويّة، إذ أن أي تغيير في البيئة الداخليّة للمُؤسسة لابد أن ينسجم مع التغييرات في البيئة الخارجيّة (المُجتمع).
-أن التغيير والتطوير التكنولوجي المُتسارع يُصاحب العديد من التغييرات التي تطرأ على مُستوى المؤسسات أو المُجتمع.
-أن الاستراتيجيّات والبيئة والهياكل التنظيميّة لابد أن تتوافق مع التغيّرات التقنيّة والرقميّة السريعة.
-أن التفكير الابتكاري لابد أن يقود إلى التغيير الإيجابي انسجامًا مع المُتطلبات الإنسانيّة والتقنيّة واستجابةً لحاجات سوق العمل.
-كل هذه التغيّرات تتطلّب قيادةً ذات رؤية استشرافيّة تنسجمُ مع التفكير الابتكاري والإبداعي الخلّاق الذي يقود المؤسسة إلى النجاح والنمو المُستمرّين وتحقيق حاجات العاملين/ات فيها وزبائنها.
-للمُستفيد/ة من الخدمات التربويّة المُقدّمة أهميّة كبيرة في وجود المؤسسة واستمراريتها ونموها.
-لابد من قيادة بخصائص وسِمات مُعيّنة لمواجهة تحديات البيئة الداخليّة والخارجيّة، وتلبية مُتطلبات المُستفيد/ة من الخدمات التربويّة، وضمان تحقيق الأهداف التنظيميّة والتربويّة والوطنيّة.
-إن القيادة عمليّةُ تفاعلٍ وتواصلٍ مُستمرّين، مثلما هي عمليّة ديناميكيّة حسب المواقف والظروف.
-القيادةُ تُسهم في تنمية القُدرة على تفهّم احتياجات الآخرين وحفزهم للعمل معًا، وتمكينهم وحشد طاقاتهم واستثمارها لأقصى حدٍ لتحقيق أهداف المؤسسة وطُموحاتها.
-إنّ الخطط التي وضِعت والأهداف التي صُممت تحتاج إلى تنفيذ، وهذا التنفيذ يقوم به أناس تتباين خلفياتهم العلميّة والمِهنيّة وقيمهم وشخصيّاتهم وتوقّعاتهم وأنماط سلوكهم، والقيادة التربويّة جوهريّة وأساسيّة لتأليف العاملين/ات وتنسيق جهودهم في اتجاه تحقيق الأهداف.
-إن إدارة الأداء عمليّة استراتيجيّة مُستمرّة تُعنى بتحسين وتطوير فُرص وجودة إسهامات الأفراد وفِرق العمل في التحسين المُستمر، وإدارة الأداء هي جوهرُ عمل القائد/ة كما أنّها عمليّة استراتيجيّة ضمن أدوار القادة والقائدات في أيّ مؤسسة تربويّة.
-تواجه المؤسسات التربويّة تحدّياتٍ كبيرةٍ بفعل العولمة وعالميّة المعرفة والتغيّرات المُستمرّة في مُتطلبات المُجتمع، لذا؛ ينبغي أن تختلف أساليب إعداد واختيار القادة والقائدات بهدف إعادة تشكيل قُدرات وتوجّهات ورؤى المُديرين/ات ليصبحوا قادةً وقائداتٍ مُبتكرين ومُلهمين (حؤبشه، 2025).
ثالثاً: من هو القائد/ة الناجح المُبتكر؟
القائد/ة الناجح المُبتكر هو من تتوفّر فيه العناصر الآتية:
-يصوغ الرؤى للمُستقبل آخذًا بالاعتبار المصالح المشروعة البعيدة المدى لجميع الأطراف.
-يضع استراتيجية رشيدة للتحرّك في اتجاه تلك الرؤى.
-يضمن دعم مراكز القوى الرئيسة له، والتي يُعد تعاونها أو توافقها أو العمل معها أمرًا ضروريًا لإنجاز التطوير المطلوب.
– يستنهض همم نواة مجموعة العاملين/ات الرئيسة، والتي يُعد تحرّكها أساسيًا لتحقيق استراتيجية التطوير.
رابعاً: أدوارُ القائد/ة الابتكاري:
المُخططُ/ة الاستراتيجي: يُعنى بصياغة الرؤية المُستقبليّة طويلة الأمد، وتحديد رسالة المؤسسة في ضوء دراسة البيئة الداخليّة والخارجيّة والفُرص والتهديدات ونقاط القوّة والضعف.
وكيلُ/ة التغيير: يوظف التغيير كمفتاح للتطوير والتقدّم، ويُركز على إبراز المُبادرات والنشاطات الجديدة، وقيادة التغيير وتشجيع توالد الأفكار.
الخبيرُ/ة: يمتلك فهمًا عميقًا في مجال عمله وإدارته، ويسعى للوصول إلى أقصى أداءٍ مُمكنٍ من خلال المُثابرة والمَعرِفة المُكتسبة في حقل التخصص، ومُتابعة التطورات التقنيّة.
المُنظمُ/ة: يؤكّد على انسيابيّة العمليّات في الوحدات والأقسام لضمان التنسيق بينها، ويُحدد الأنظمة والقيم والقواعد اللازمة لضمان الرقابة على النشاطات.
رجلُ/ سيدةُ العلاقات الإنسانيّة: يؤكّد على خلق مُناخٍ تنظيميٍ مُنفتح، ويُركز على تلبية احتياجات العاملين/ات وتطويرهم وإشراكهم في تحمّل المسؤوليّة، انطلاقًا من أن نجاح القائد/ة الابتكاري ينبعُ من نجاح العاملين/ات معه (عماد الدين، 2005، عرض تقديمي: مهارات الابتكار والإبداع).
خامساً: دورُ القيادة الابتكاريّة في تجذير الإبداع التنظيمي في المؤسسة التربويّة:
تُساهم القيادة الابتكاريّة بالتعاون مع الموهوبين/ات والمُتميّزيين/ات في دمج عمليّات الابتكار لتغيير مُناخ المؤسسة التربويّة، وتُجنّد الموظفين/ات للقيام بمهمة تسهيل الابتكار في المؤسسة من خلال سلوكاتٍ قياديّةٍ مُختلفة. وينبغي أن يتمتّع القائد/ القائدة المُبتكِر/ة بجودة التواصل والمهارات المُختلفة التي تُمكّنه من المُناورة داخل المؤسسة وخلق مُناخٍ مُلائمٍ للابتكار وإلهام وتحفيز الآخرين. كما أنه من واجب القائد/ة المُبتكِر تحديد التأثير المُحتمل والسيناريوهات التي يُمكن أن يخلقها التغيير لضمان ألا تكون القرارات المُتّخذة مُتسرِّعةً أو غير فعّالة، والحفاظ على مُرونة الخطط التنفيذيّة عبر إنشاء استراتيجيّات تنفيذيّة ومسارات عملٍ احتياطيّة لكل مرحلة من مراحل التغيير.
ويُساهم القائد/ة الابتكاري/ة في تنمية وتطوير الابتكار والإبداع في المؤسسة التربويّة عن طريق:
-انتهاجُ قيادةٍ إداريّةٍ واعيةٍ تسعى إلى قيادة المؤسسة للبحث والتحليل والتكيّف مع المُتغيّرات: المعرفيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة والبيئيّة …
-زيادةُ الوعي ببيئةِ العمل بحيث يُنظر للمؤسسة التربويّة باعتبارها جزءً لا يتجزأ من البيئة: الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة والقانونيّة … وغيرها، مما يؤدي إلى شموليّة التفكير واتساع مدى الرؤية.
-وضعُ هيكلٍ تنظيميٍ يدعمُ حريّة التفكير ويُشجع ديمُقراطيّة العمل، ويُنمي روح التعاون والمُشاركة والنقد البناء واحترام أفكار الآخرين، ويُشجّع استمطار الأفكار الخلّاقة والتفكير الاستراتيجي لإيجاد أهدافٍ وقيمٍ مُشتركةٍ بين الإدارة والعاملين/ات.
-وضعُ الفردِ المُناسب في المكان المُناسب.
-التخلّصُ من الأفكارِ والإجراءاتِ الروتينيّةِ التي تحول دون انطلاق الأفكار والإبداع.
-العملُ بمبدأ التجديد والابتكار.
-الاعترافُ بوجودِ الفروق الفرديّة والذكاءات المُتعددة وأنماط التعلم المختلفة داخل المؤسسات التربويّة، ومُراعاتها في تصميم وتطبيق البرامج والمشاريع والمناهج التربويّة.
-إدراكُ نقاطِ القوّة والتميّز لدى العاملين/ات واستحداث وسائل تفعيلها واستثمارها، واكتشاف نقاط الضعف التي تُعيق التطوّر في المؤسسة وابتكار أساليبٍ مُتنوّعةٍ لغرض التغلّب عليها.
-دعمُ العاملين/ات وتشجيعهم على الحوارِ وطرحِ آرائهم وأفكارهم، وطرح الأسئلة المُتنوّعة حتى وإن كانت أسئلةً غريبة.
-تهيئةُ المُناخ الداعم للابتكار والأداء الإبداعي وتشجيع المُبتكِرين وتبنّي أفكارهم والعمل على إتاحة الفُرصة لهذه الابتكارات أن تتحقق على أرض الواقع.
-الربطُ بين التعليم النظري والعملي (التطبيقي) في المؤسسات التربويّة، وبخاصة في المعاهد والكليّات الجامعيّة على جميع مُستوياتها وتخصصاتها، فالتفكير مهارة تنمو من خلال التطبيق والتدريب.
-مواجهةُ التحدّيات والتعاون من خلال تسخير العمل الجماعي الذي يُعتبر مُحركًا من مُحركات الابتكار، حيث يتضمّن فريق العمل تخصصاتٍ مُختلفةٍ ومهاراتٍ مُتنوّعةٍ تُفيدهم في عمليّة الابتكار والعمل نحو هدفٍ مُشترك.
-العمل على إنشاء ما يُسمى “بنك الأفكار” (حؤبشه، 2025).
سادساً: ملامح المؤسسة التربويّة المُبدعة أو المُبتكِرة:
تتصف المؤسسة التربويّة المُبدعة أو المُبتكِرة بأنها مؤسسة:
-مُنطلقة من السياسات التربويّة.
-مُرسخة للقيم العربية والإسلامية والإنسانية.
-ذات موازنة مالية مناسبة، ومعايير جودة وإنتاجية عالية.
-ذاتية الإدارة.
-تعاونيّة تعمل بروح الفريق الجماعي.
-ذات مُجتمع معلوماتي رقمي.
-ذات قيادة رقميّة وقيادة ابتكاريّة.
-ذات مسؤولية تعاقديّة.
-توفّر رعاية شاملة للمتعلمين/ات.
-تعمل وفق معايير تربوية مُتطوّرة.
-مؤسسة تعلم دائم.
-ذات برامج إثرائيّة.
-تعمل على تكامل البرامج بالدمج.
-تُعنى بتنويع مصادر التعلّم.
-تتصف بالانفتاح والشراكة الفاعلة مع المجتمع.
-تُعدُ مركز إشعاع تربوي وثقافي.
-تُقدم تعليمًا لتعزيز تعّلم مُستمر.
-تُعنى بتجويد التعلم والتعليم.
-ذات منهجٍ شاملٍ مُتكامل.
-تتضمن بيئةً وثقافةً مؤسسية ترعى الإبداع والابتكار.
-ذات بيئةٍ مُرحبةٍ ومُمتعةٍ ومُحببةٍ ومُحفّزة وآمنة.
-تُعتبر مؤسسة جامعة وشاملة للجميع (عماد الدين، 2005، عرض تقديمي: مهارات الابتكار والإبداع).
المراجع:
الحراحشة، محمد عبود موسى. (2018 تشرين الأول 9 و10). درجة مُمارسة القيادة الابتكاريّة لدى مُديري المدارس في وزارة التربية والتعليم الأردنيّة: ورقة عمل مقدّمة إلى: ندوة “الابتكار التربوي ودينامية الإصلاح بالمغرب”، ص 49 – 67، المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي. المملكة المغربية.
حؤبشه، منى مؤتمن. (2025). نحو نقلةٍ نوعيّة لأنماط القيادة التربويّة في البلاد العربيّة. دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع. عمان. الأردن.
دليلُ مُصطلحات هارفارد بزنس ريفيو () .(Harvard Business Review2019 تشرين الثاني 20(.
عماد الدين، منى مؤتمن. (2003). إعداد مُدير المدرسة لقيادة التغيير (النمط القيادي المنشود لتحقيق التعايش الفاعل في القرن 21). مركز الكتاب الأكاديمي. عمان. الأردن.
عماد الدين، منى مؤتمن. (2005، تشرين الثاني). عرض تقديمي/ المادة التدريبيّة: مهارات الابتكار والإبداع. ورشة عمل “القيادة الابتكاريّة لتطوير وتجويد التعليم”، وزارة التربية والتعليم، المنامة، مملكة البحرين.
قنديل، علاء محمد سيد. (2010). القيادة الإداريّة وإدارة الابتكار. دار الفكر. عمان.
Image from: freepik.com
كتابة: د. منى مؤتمن حؤبشه
اترك تعليقاً
لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *