يعيش العالم اليوم في عصر رقمي تتسارع فيه وتيرة الابتكارات التكنولوجية وإنتاج التقنيات في مختلف المجالات بدءًا من المستويات الشخصية والتنظيمية واتخاذ القرارات، وتتعدى ذلك إلى الصناعة، والطب، والتعليم. وما نشهده اليوم من سيطرة مصطلحات الذكاء الاصطناعي وعملياته وقدراته وتحدياته وفوائده على أحاديث أفراد المجتمع وصفحات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، والسباق المحموم نحو إنتاج تقنيات
يعيش العالم اليوم في عصر رقمي تتسارع فيه وتيرة الابتكارات التكنولوجية وإنتاج التقنيات في مختلف المجالات بدءًا من المستويات الشخصية والتنظيمية واتخاذ القرارات، وتتعدى ذلك إلى الصناعة، والطب، والتعليم. وما نشهده اليوم من سيطرة مصطلحات الذكاء الاصطناعي وعملياته وقدراته وتحدياته وفوائده على أحاديث أفراد المجتمع وصفحات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، والسباق المحموم نحو إنتاج تقنيات ذكية، ودعم الأدوات والتطبيقات والأنظمة غير الذكية سابقاً بخوارزميات تكسبها التعلم الآلي والتحليل العميق والتنبؤ؛ لتصبح ذكية، كل ذلك ينذر بأننا فعلياً دخلنا عصر الذكاء الاصطناعي التطبيقي الذي يتطلب مواكبة في جوانب معرفية وأدائية؛ لكيلا يأتي علينا زمان يتطلب محو الأمية في هذا المجال. ربما هي الفرصة الأخيرة التي يجب أن نستغلها للانطلاق معاً (الغرب والشرق) ونقلص الفجوات الكثيرة السابقة بيننا..
الذكاء الاصطناعي بمحتوياته لا يختلف اثنان فيه بأنه داعم للإنتاج الفردي والمجتمعي في مختلف المجالات. أما في مجال التعليم يمكن أن يكون حلاً واعداً لتحسين جودة التعليم وفعاليته، وتخطي الكثير من المشكلات والتحديات التي يعاني منها سواء على مستوى المعلم أو الطالب أو المناهج، والأدوات، والوسائل، والإستراتيجيات، والطرائق، لكن ذلك لا يأتي من خلال جهد فردي، ولا يمكن أن يتأتى من قراءة مقالات منشورة وأخبار متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي؛ فالسماع عن المطر يختلف كثيراً عن الرقص تحت قطراته، والسماع عن المحطة الفضائية الدولية يختلف كثيراً عن العيش فيها في وسط هندستها، واستخدامها للرؤية، والدراسة، والبحث.
ويشهد العالم اليوم زيادة في عدد الأدوات والتطبيقات القائمة على الذكاء الاصطناعي، والتي لديها القدرة على تحسين مختلف جوانب الحياة البشرية، مثل الصحة، والتعليم، والترفيه، والأمن. ومع ذلك؛ يطرح الذكاء الاصطناعي أيضاً بعض التحديات الأخلاقية والاجتماعية والقانونية التي يجب معالجتها من قبل صانعي السياسات والمطورين والمستخدمين، كما يطرح في جانب موازٍ تحديًا عميقًا نوعاً ما، وهو الحصول على التقنيات الجديدة القائمة على الذكاء الاصطناعي، وكيفية العمل عليها واستخدامها للأغراض الشخصية والمهنية.
السؤال العريض الذي يمكن أن نناقشه في هذا المقال، أين يقع المعلم من كل ذلك؟
ما نراه ونقرأه في واقع أنظمة وأدوات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي أنها تنمو سريعاً في جغرافيا محددة، فوادي السيلكون في أمريكا أصبح جارفاً وصدى جرفه يصم الآذان في أنحاء المعمورة. فالنمو والسيطرة في هذا المجال ترتب عليهما احتكاراً وأسعاراً عالية، وتحيزاً لغوياً متمثلًا في لغة واحدة لتلك المنتجات، وتحيزاً جغرافياً في توزيعها، وتزايداً مخيفاً حول أمن البيانات للمستخدمين. ومن ذلك؛ تظهر تحديات في وجه المعلم وفي حقيقتها تحديات عامة لمجتمعاتنا، ولكن هنا نختزلها في المعلم لكي نضيق المسار ونناقشها من جانب واحد فقط.
إن سرعة أحداث الذكاء الاصطناعي والمعرفة الناتجة، ومنتجاته البرمجية التي يمكن استخدامها في العملية التعليمة والتطوير المهني للأفراد إذا لم تتم مواكبتها معرفياً وأدائياً سوف تتراكم وتصبح كتلًا ضخمة ترتص فيها المعلومات والأدوات والتطبيقات والأنظمة وبها نصل إلى الاستحالة في متابعتها لاحقاً. فالمعلم اليوم واقع بين قرارات الخوف من استخدام الذكاء الاصطناعي، والعجز عن استخدام تلك المنتجات نتيجة حواجز اللغة والاحتكار الجغرافي، والأسعار، وغياب الوقت الذي يمكن من خلاله الاندفاع نحو التعلم الذاتي، واللحاق بما يمكن اللحاق به في هذا المجال.
ربما يتساءل البعض، هل يجب على المؤسسات المسؤولة عن التعليم تثقيف المعلمين حول الذكاء الاصطناعي؟ أليست تلك مسؤولية المعلم وحده في تطوير كفاءته في هذا الجانب؟
عندما نتيقن بأن العصر القادم هو عصر الذكاء الاصطناعي القادر على توفير التعلم التكيفي، والقادر على توفير أدوات تعلم غير مسبوقة من حيث توفير وسائل التعليم والتعلم، والبيانات وتحليلها حول المعرفة والمتعلم والمعلم، وأن وجه التعليم قسراً سوف يتغير نحو التفريد في التعليم والتعلم، والدفع نحو التعلم الذاتي، وأن دور المعلم لن يكون كدوره اليوم، وأن الإستراتيجيات والطرائق وأدوات التقييم لن تكون فعالة لاحقاً، عندها نقول أن على المؤسسات أخذ زمام القيادة في هذا المجال، وأخذه عنوةً وبخاصة أننا لا نمتلك الذكاء الاصطناعي كمنتجين، ولا نستطيع توفير الأنظمة المتكاملة منه للجميع. وأن الفوائد التي يمكن أن نحصل عليها من تدريب المعلمين وتثقيفهم في هذا المجال سوف تحقق شيئا من المسايرة والمجاراة للركب، وترتقي بالمعلم والعملية التعليمية لمستوى يجعل كليهما داعماً للآخر، فثقافة المعلم حول الذكاء الاصطناعي من حيث تحدياته وفوائده ومحذوراته وأخلاقياته ومقتضيات الأمان والسرية للبيانات سوف تنتقل بصورة مباشرة أو غير مباشرة للطلبة. كما سوف تفتح الأفق للمعلمين لاستغلال الأدوات المتاحة للاستخدام الحر في العملية التعليمية، مثل: ChatGPT لتنمية مهارات التفكير له ولطلبته، وتنمية المفاهيم وإكسابها لطلبتهم، والتخطيط للدروس والمبادرات وجميع المهام.
كما يمكن أن يستخدم أداة ChatPDF التي تسمح للمستخدم برفع ملف أو كتابة نصوص والبحث فيها وطرح الأسئلة والتي يمكن أن يخصصها المعلم للطلاب حسب مستوياتهم كخطط علاجية أو إثرائية. كذلك يمكن أن يستخدم أدوات مثل Character.io لإنشاء قصص تعليمية صوتية، وCanva Magic Design وTome و storyd.ai و gamma.app لإنشاء العروض التقديمية وتوليد الأفكار الإبداعية.
في الختام، يوفر الذكاء الاصطناعي للمعلمين فرصة لتحليل البيانات التي تجمع من أداء الطلاب وفهم قدراتهم ونقاط ضعفهم، ومن خلال هذا التحليل يمكن تخصيص البرامج التعليمية والنهج الأكثر فاعلية للتعليم. كما يمكن استخدامه لتطوير إستراتيجيات التدريس المختلفة وتحسين جودة المواد التعليمية المستخدمة في الفصول الدراسية، وتحسين تجربة التعلم الفردية للطلاب.
تقنيات الذكاء الاصطناعي ستتوفر في المستقبل القريب وسوف يتاح كثير منها؛ ولذلك يجب الاستثمار في تعليم المعلمين على هذه التقنيات كاستثمار متسلسل متناقل من المعلمين للمعلمين والطلبة في المستقبل. فالتعليم المستمر والتدريب على التقنيات الجديدة هو جزء أساسي من تطوير المهارات المهنية والنجاح في أي مجال، ويمكن أن يساعد تعليم المعلمين تقنيات الذكاء الاصطناعي في تطوير مهاراتهم الخاصة وزيادة خبرتهم في مجال التعليم، وتحسين تجربة التعلم للطلاب وتمكين المعلمين من تطوير مهاراتهم وزيادة فعاليتهم في الفصل الدراسي.
علينا اليوم قبل الغدِ تشجيع السعي الذاتي من الأفراد، والسعي المخطط له من قبل المؤسسات المسؤولة عن المعلمين والعملية التعليمية للتثقيف المباشر وغير المباشر، بتكوين الملخصات والنشرات وعقد الورش والجلسات النقاشية، والبرامج التثقيفية والحوارية حول كل ما يرتبط بالذكاء الاصطناعي والعملية التعليمية والتطوير المهني.
كتابة: سعيد محمد راشد الكلباني
باحث دكتوراة – سلطنة عمان
Image by Gerd Altmann from Pixabay
اترك تعليقاً
لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *