مرشد سياحي
ltespo

استثمار الهبة الديموغرافية في المملكة في المواءمة مع مهارات القرن الحادي والعشرين

استثمار الهبة الديموغرافية في المملكة في المواءمة مع مهارات القرن الحادي والعشرين
كتابة: مها الفوزان

ذكر جيرلاد (2009)‏ في كتابه (تعريف التعليم في القرن الحادي والعشرين) عدد من التوجهات المؤثرة بشكل جوهري في  متطلبات المهارات للقرن الواحد والعشرين، بدأها موضحاً دور الأتمتة في تغيير مهارات العمل الملائمة للقرن الحالي حيث أدى التحول التقني واستخدام الحاسبات الالية في بيئات العمل لتقليص عدد من الوظائف ذات الاعمال الروتينية، ورغم ذلك تزايد الطلب

ذكر جيرلاد (2009)‏ في كتابه (تعريف التعليم في القرن الحادي والعشرين) عدد من التوجهات المؤثرة بشكل جوهري في  متطلبات المهارات للقرن الواحد والعشرين، بدأها موضحاً دور الأتمتة في تغيير مهارات العمل الملائمة للقرن الحالي حيث أدى التحول التقني واستخدام الحاسبات الالية في بيئات العمل لتقليص عدد من الوظائف ذات الاعمال الروتينية، ورغم ذلك تزايد الطلب نحو المهارات التي تتطلب أداء مهام تفكير أكثر تعقيدًا ولا يمكن برمجة الحاسبات على أدائها نظرا لمواجهتها مشاكل غير متوقعة أو تضمنها تفاعلات معقدة مع البشر الآخرين مثل التسويق والاقناع وحل المشكلات.

كما يذكر جيرلاد (2009) أن للعولمة أثراً كبيرا في تغيير المهارات حيث أن الانفتاح على الأسواق العالمية وسهولة الوصول لها رفع سقف المعايير المتطلبة للوظائف وتجاوز متطلب الشهادة المهنية والأكاديمية إلى مدى الجودة في الكفاءة واستمرارية التطوير حسب معايير السوق العالمي وما تتطلبه الوظائف ذات المهارات العالية.

وكنتيجة حتمية للتحول التقني، والعولمة، والعوامل التنافسية الأخرى، ظهر التأثير جلياً في الهيكلة الوظيفية داخل المنظمات وآلية القيام بالأعمال الوظيفية وكيفية تحديد الوظائف وأدائها والانتقال إلى اقتصاد المعرفة والخدمات. حيث تغيرت الوظائف خاصة في الشركات التنافسية عالميا من عدة نواحي منها تسطيح الهيكلية التنظيمية بشكل أفقي، وبالتالي رفع مستوى المسؤولية الذاتية نحو التطوير مما يستدعي التعاون والسعي نحو حل المشكلات وتحديد الفرص وهذا يستلزم الاستمرار في تعلم واكتساب مهارات شخصية ومهنية.

وأخيراً يؤثر التغير الديموغرافي في طبيعة الوظائف ويظهر ذلك بوضوح محلياً  حيث تعيش المملكة العربية السعودية في العقد الأخير الهبة الديموغرافية أو النفاذ الديموغرافي، وهو الزيادة الكبيرة في عدد السكان في سن العمل (15 – 64 سنة) والنقصان في عدد المعالين من الأطفال أقل من 15سنة( وكبار السن ) 65 سنة فأكثر الشكل (1)، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض نسبة الاعالة وإتاحة فرصة حقيقية للدفع بعجلة النمو وتحسين المستوى الاقتصادي نظراً لأن زيادة العرض في القوى العاملة تقود إلى زيادة الإنتاج  كما ان انخفاض نسبة الاعالة يؤدي لرفع مستوى الادخار المحلي وفي المقابل فإنها تؤدي للعديد من التحديات في مواجهة البطالة ومشكلات التأهيل والتدريب ومجابهتها في ظل التطورات الاقتصادية على المستوى المحلي والإقليمي (الحضري،2019).

وقد عزز من هذا الاتجاه انخفاض نسبة الخصوبة في المملكة العربية السعودية حيث انخفضت معدلات الخصوبة الكلية من 7.22 في عام 1960 إلى 2.80 في عام 2022 (تقرير المرأة السعودية 2022، 2023).   والتدفقات السكانية الكبيرة التي شهدتها المملكة بسبب الطفرة الاقتصادية والاجتماعية منذ سبعينيات القرن الميلادي الماضي والتي أدت إلى زيادة نسبة الفئة العمرية العاملة (15-65).

 

شكل (1): النسبة المئوية حسب الفئة العمرية للسكان في المملكة العربية السعودية من الجنسية السعودية.

ويتجلى الأثر الديموغرافي في المملكة العربية السعودية بشكل جلي في السنوات الأخيرة من حيث تزايد نسبة الشباب من الجنسية السعودية، والذين هم في سن العمل بواقع 61% الشكل (1) حسب آخر الاحصائيات من الموقع الرسمي تعداد السعودية. بالإضافة لظهور تأثير تمكين المرأة كأحد أهم أهداف رؤية المملكة العربية السعودية 2030 حيث ترتفع نسبة الخريجات إلى أكثر من 50% من خريجي الجامعات السعودية بالإضافة لارتفاع معدل مشاركة السعوديات في سوق العمل حيث أن أهم أهداف رؤية المملكة 2030 هو رفع  نسبة مشاركة المرأة في العمل من 20% إلى 30% (رؤية 2030 المملكة العربية السعودية.2023)، والذي ما زال يسجل  تزايداً سنويا كما جاء في آخر الإحصاءات حيث بين تزايد ارتفاع  نسبة المشاركة ما بين عامي 2021 و 2022 بزيادة قدرها 20% الشكل (2).

 

كما تم تخصيص نسبة 20% مخصصة للنساء في مجلس الشورى بموجب الأمر الملكي ابتداء من دورته السادسة عام 1434هـ/2011م (وكالة الأنباء السعودية، 1442) وما تلا ذلك القرار من توالي تكليف عدد من النساء في مناصب قيادية مثل رئاسة الجامعات والمناصب الوزارية والتي لم تتح لهن من قبل مما زاد من مدى تنافسية التأهيل للمناصب العليا في الدولة.

 

شكل (2): تزايد نسبة العاملات من السعوديات بين عامي 2021 وعام 2022

 

هذا الحراك في زيادة نسبة الملتحقين في سوق العمل من النساء والشباب ذوو الكفاءات العلمية في دولة تمنح حق التعليم العالي مجانا لكل المواطنين أدى إلى احتدام المنافسة وبالتالي الاحتياج إلى تأهيل الفرد بالعديد من المهارات التي تتجاوز المهارات الأكاديمية والمؤهلات العلمية إلى التنافس في المهارات المتغيرة التي يتطلبها سوق العمل الذي تجاوز في معاييره الإطار المحلي إلى العالمي عبر شبكات التواصل العالمية والتقنية ودخول الذكاء الاصطناعي.

 

واستجابة لهذا التغيرات الديموغرافية  كان سعي رؤية المملكة العربية السعودية 2030  لاستغلال التحول الديموغرافي من خلال عدد من الإصلاحات على مستوى السياسات الاقتصادية والاجتماعية خاصة وأن الهبة الديموغرافية ترتبط بمدة زمنية معينة تتراوح من 30 إلى 40 عاما (الحضري، 2019)، ومن ذلك سعت المملكة لتمكين المرأة خاصة و للمواءمة بين مخرجات النظام التعليمي في المملكة مع احتياجات سوق العمل حيث تم انشاء البوابة الوطنية للعمل “طاقات” بالإضافة لتأسيس مجالس مهنية خاصة بكل قطاع تنموي تهتم بتحديد ما يحتاجه من المهارات والمعارف. كما يسعى برنامج رؤية المملكة العربية السعودية 2030 إلى التوسع في التدريب المهني لدفع عجلة التنمية الاقتصادية مع التخصيص لفرص الابتعاث على المجالات التي تخدم الاقتصاد الوطني وفي التخصصات النوعية في الجامعات العالمية المرموقة، بالإضافة إلى التركيز على الابتكار في التقنيات المتطورة وفي ريادة الأعمال. ودعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة والأسر المنتجة لدفع عجلة النمو الاقتصادي، وخلق الوظائف ودعم الابتكار وتعزيز الصادرات. ورفع اسهام المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي الإجمالي للدولة حيث أن أهم أهداف الرؤية هو رفع نسبة مساهمته من 5% إلى 20% بحلول عام 2030. بالإضافة للسعي لخلق فرص توظيف مناسبة للمواطنين عن طريق دعم ريادة الأعمال وبرامج الخصخصة والاستثمار في الصناعات الجديدة. حيث أنشئت الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة وتيسير عمل الأسر المنتجة من خلال تيسير الإجراءات القانونية وأتمتتها بما يتلاءم مع وجودها الالكتروني عبر فضاء الانترنت، وتحفيز القطاع غير الربحي على بناء قدرات هذه الأسر وتمويل مبادراتها (رؤية المملكة العربية السعودية، 2023).

 

ولاستثمار الطبيعة الديموغرافية في مجال التعليم بما يتواءم مع المهارات اللازمة للتعايش مع القرن الواحد والعشرين يقدم جيرلاد عدة توصيات أبرزها:

– التركيز على التطبيق وليس الاسترجاع فقط من خلال تجاوز الاكتفاء بالاختبارات، بل تعليم الطلاب كيفية استخدام المعرفة والمهارات في سياقات واقعية.

– دمج الكفاءات الأوسع مثل التفكير النقدي وحل المشكلات داخل المواد التقليدية.

– التركيز على عمق التناول وليس تعدد المواضيع.

– تعزيز الأنشطة اللامنهجية لتطوير المهارات الشخصية.

– تعزيز التعلم الذاتي من خلال خلق بيئة تعليمية تشجع على الفضول والإبداع والمسؤولية الشخصية.

– تطوير تقييمات لقياس اكتساب مهارات القرن الحادي والعشرين.

– توعية أصحاب المصلحة من المعلمين وصانعي السياسات وأولياء الأمور والمجتمع عامة بأهمية مهارات القرن الحادي والعشرين وكيفية تنميتها بشكل فعال.

المراجع:

الحضري، يسين بن عبدالله الطيب. (2019). الهبة الديموغرافية في المملكة العربية السعودية: الفرص والتحديات. مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية, ع52, 97–154.

رؤية 2030 المملكة العربية السعودية.(2023). وثيقة السعودية 2030. تم استرجاعه منhttps://www.vision2030.gov.sa/media/z1dl01gy/%D9%88%D8%AB%D9%8A%D9%82%D8%A9-%D8%B1%D8%A4%D9%8A%D8%A9-2030-4.pdf

وكالة الانباء السعودية .( 1442). عام / مجلس الشورى .. قرارات تدعم المرأة في مختلف مجالات الحياة. مسترجع من https://www.spa.gov.sa/2155388

Jerald, C. D. (2009). Defining a 21st century education. Center for Public Education.

 

 

الصورة من حساب وزارة التعليم – عام

 

كتابة: مها الفوزان

مواضيع مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

آخر المواضيع

قائمة المحررين

الأكثر تعليقاً

فيديو