saudistem

المهارات الناعمة: ضرورة تدريسية في مناهج التعليم العام

المهارات الناعمة: ضرورة تدريسية في مناهج التعليم العام
كتابة: عزيزة البلادي

مما لا شك فيه أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش في عزلةٍ عن الآخرين، وهذا يؤكد أن حياة الفرد باعتباره عضوًا في جماعة أكبر وبحاجة إلى التكيف وتطوير المجتمعات، وهذا لا يتوفر له إلا من خلال امتلاكه لمهارات تجعله يتواصل مع الآخرين ويتفاعل معهم (قويدر، 2017).

كما أن العصرَ الذي نعيش فيه الآن هو عصر الاقتصاد القائم على المعرفة، مما أدى بالضرورة إلى أن يمتلكَ الأفرادُ مهاراتٍ تمكنهم من الحياة والعمل في مجتمع عصر المعرفة، كل هذا يتطلب من التربية إعادة النظر في المهارات التي يحتاج إليها المتعلمون لإعدادهم إعدادًا مناسبًا للحياة والعمل في هذا العصر؛ وهذه المهارات هي ما يطلق عليها بمصطلح المهارات الناعمة، التي أصبحت تتكرر كثيرًا في الفترات الأخيرة، ويقصد بها تلك المهارات الأساسية التي ترتبط بقدرة الشخص على التعامل مع الآخرين، وعرض أفكاره بصورة مقنعة ولبقة، وقدرته على الاتصال والتواصل (شلبي، 2014).

وأكد القرآن الكريم على أهمية التواصل اللفظي الذي هو أحد المهارات الناعمة في قوله تعالى: ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ﴾ (القرآن الكريم، القصص: 34)، وقوله تعالى: ﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾ (القرآن الكريم، طه: 25-28).

 

أولًا: مفهوم المهارات الناعمة

مفهوم المهارة

لغة:

يُعرّف عمر (2008) المهارة لغة بأنها “مصدر مَهَرَ أي القدرة على أداء عمل بحذق ومهارة” (ص.2133).

 

اصطلاحًا:

يعرف طعيمة (2004) المهارة اصطلاحًا بأنها: “درجة من الكفاءة في أداء فعل ما” (ص.31).

 

 

مفهوم المهارات الناعمة

عرّف حجاج (2014) المهارات الناعمة بأنها: “سمات وقدرات شخصية يمكن أن تٌكتسب، وتعمل على تعزيز التفاعلات مع الآخرين على السياق الشخصي والعملي، وتحفز الآفاق الوظيفية” (ص.11).

وأشار (Investopedia، كما ورد في موسى، 2019) إلى أنه يوجد نوع آخر من المهارات يُطلِق عليه العلماء اسم المهارات الصلبة، والتي تتمثل في الخبرة والمؤهلات، وتشمل مهارات العمل، مثل القراءة، والكتابة، والرياضيات، والقدرة على استخدام برامج الحاسب الآلي، وتلك المهارات تساعد على الالتحاق بالوظائف، ولكنها لا تمكن من الاستمرار بها؛ أما المهارات الناعمة فهي تقودها الشخصية، مثل آداب التعامل مع الآخرين، والاستماع، والانخراط في نقاشات صغيرة، وهي التي تساعد على النجاح والتفوق، وتمكن من أن تصبح في مكانة مرموقة فيما بعد.

وبناء على ما سبق يمكن القول بأن المهارات الناعمة ليست مجرد التأثير على الآخرين، فالقوة الصلبة أيضًا قادرة على التأثير في الآخرين، لكن هناك فرق جوهري بين هاتين القوتين يكمن في أن المهارات الناعمة هي قوة الجاذبية التي تعمل على إقناع الطرف الآخر بتبني موقفك دون أي تهديد أو الحصول على مصلحة.

 

ثانيًا: أهمية المهارات الناعمة

تعد المهارات الناعمة مهمة في الحياة العامة والعملية وفي إدارة الأعمال والمشاريع الريادية على وجه الخصوص، حيث إن امتلاك هذه المهارات يؤدي إلى النجاح في المسيرة المهنية للأشخاص والمؤسسات بشكل عام (شبير، 2016).

وذكر (Reddy & Gopi، كما ورد في العدوان والحوامدة، 2014) أن للمهارات الناعمة أهمية كبيرة يمكن إيجازها على النحو الآتي:

– تمكّن الطلاب من تطوير مهاراتهم في الاستماع.

– تؤدي دورًا مهما في تشكيلِ البنية الشخصية للأفراد.

– تمكّن الشخص من الالتزام الصارم والجاد في الوقت بشكل مناسب.

– تؤدي المهارات الناعمة دورًا حاسمًا في جعل الطلاب أكثر قدرة على الحصول على الوظائف.

– تشجع الطلاب على تبني الطرق الأخلاقية والتمسك بأخلاقيات العمل والثقافات التنظيمية.

– تساعد الأشخاص على مواجهة المواقف الصعبة، وتمكنهم من تطوير المواقف الإيجابية ومن ثم التأثير على أعضاء الفريق؛ لتحقيق المزيد من النجاح في حياتهم اليومية.

 

ثالثًا: وسائل وسبل تنمية المهارات الناعمة لدى الطلاب

من الصعب تدريس المهارات الناعمة بشكل عام، وخصوصًا في قاعات الدراسة، فالسمات الشخصية والسلوكيات في العمل والصفات الفردية يصعب تقييمها (عبد الواحد، 2016).

في حين يرى آخرون أن المهارات الناعمة من الممكن أن يتم تدريسها كدراسة شبير (2016) التي أكدت على أهمية إكساب هذه المهارات الناعمة للجميع، وخصوصًا الطلبة أصحاب الميول الريادية، حيث يجب أن تسعى المؤسسات التعليمية لإكسابها للطلبة على جميع المراحل الدراسية، من خلال دمجها ضمن المقررات الدراسية، لما لها من تأثير في تنمية توجهات الطلبة نحو العمل الريادي، ولكي تتم الموازنة بين مخرجات التعليم وسوق العمل. وأشار في دراسته (شبير، 2016) على بعض وسائل تنمية المهارات الناعمة وذلك من خلال:

أ. الحصول على تدريب رسمي في المهارات الناعمة من اتصال وتواصل وتفاوض وغيره من المهارات، عن طريق مُدرب محترف، والحصول على شهادة معتمدة.

ب. التدريب الذاتي، وهو أن يقوم الإنسان بتطوير نفسه بنفسه، فمثلًا لتطوير مهارة الاتصال والتواصل يبدأ بالتواصل الفعال مع مجموعة صغيرة من حوله، من أقاربَ أو جيرانٍ أو معارف، ثم يطورها بالممارسة شيئًا فشيئًا.

وأشارت قويدر (2017) إلى أهم وسائل تنمية وتطوير المهارات الناعمة، وهي كالآتي:

-الحافز.

-التعلم على المهارات الجديدة وممارستها.

-القراءة والاطلاع على المهارات المستهدفة.

-نشر وتعليم المهارات الجديدة للأفراد المحيطين.

-الالتحاق بالبرامج والدورات التي تنمي المهارات.

-الاحتكاك بأفراد يمتلكون هذه المهارات والاستفادة منهم.

-التركيز على المهارات الناقصة، والعمل على اكتسابها وتنميتها.

كما يمكن تنمية المهارات الناعمة عن طريق العديد من الاستراتيجيات نذكر منها على سبيل المثال لا على سبيل الحصر: استراتيجية العصف الذهني، وحل المشكلات، والمناقشة، والتعليم بالاكتشاف، ولعب الأدوار، والتعلم التعاوني، والتعلم الذاتي، والتعلم بالتعاقد، والتعلم بالتخيل، والتفكير الناقد، والكرسي الساخن، فجميع الاستراتيجيات يمكن أن تعمل على تنمية المهارات الناعمة لدى الطلاب، كما أن استراتيجية واحدة بإمكانها تنمية العديد من المهارات الناعمة.

 

رابعًا: مدى توافر المهارات الناعمة في مناهج اللغة العربية بالمملكة العربية السعودية

من خلال الاطلاع على مناهج التعليم العام وجدت أنه تزامنًا مع رؤية 2030 اسُتحدثت مقررات جديدة تسعى إلى إكساب وتنمية المهارات الناعمة لدى الطلبة مثل: (مقرر المهارات الحياتية، ومقرر المهارات الإدارية، ومقرر التربية المهنية، ومقرر التفكير الناقد). وكان للمهارات الناعمة في مناهج اللغة العربية نصيب في الطرح فقد تم التوصل إلى مجموعة من المهارات الناعمة التي تطرقت لها كتب اللغة العربية في مختلف المراحل.

فمناهجَ اللغةِ العربية تطرقت للمهارات الناعمة، بدءًا من المرحلة الابتدائية، حيث ركزت على المهارات المتعلقة بالتواصل مع الآخرين، والتعاون، والمسؤولية، ومهارات الاستماع، ومهارات الذكاء الوجداني، مثل: (التهنئة في المناسبات والمواساة في المواقف الحزينة)، وفي المرحلة المتوسطة ركزت على عرض المهارات التي تعمل على إكساب الطلاب مهارات (الحوار، وإبداء وجهات النظر، وإدارة الندوات والاجتماعات، وإلقاء الخطب، وإجراء المقابلات)، ثم تتوسع مناهج اللغة العربية في عرض المهارات الناعمة في المرحلة الثانوية، حسب احتياجات الطلاب وأهداف المجتمع، فتعرض مجموعة من المهارات، مثل: (مهارات الاستماع، الذكاء التواصلي، التواصل الإقناعي، المهارات الشخصية والاجتماعية، ومهارات التفكير، واستثمار الوقت، ومهارات تحليل المشكلات واتخاذ القرارات، ومهارات العمل والتخطيط).

فمناهج اللغة العربية تطرقت للمهارات الناعمة بشكلٍ عام في جميع المراحل الدراسية بلا استثناء، ولكن لم تتطرق لمهارات التفكير الناقد بشكل موسع، ومهارات تقدير الذات/بناء الثقة، ومهارات الوعي الذاتي، ومهارات التقييم التقديري للذات ومراقبة الذات؛ لذا فهي بحاجة إلى تضمين المزيد من المهارات الناعمة في مقرراتها بما يتوافق مع احتياجات الطلاب ومستواهم وخصائصهم الدراسية، فمن خلال اطلاعي على مقررات اللغة العربية لم أجد موضوع واحد بعنوان المهارات الناعمة، لذا من الجيد لو تم إدراج المهارات الناعمة بمسماها في المناهج؛ مما يثير دافعيته الطلبة لتعلم المزيد عن هذه المهارات.

 

المصادر والمراجع:

حجاج، علا نعيم. (2014). دور المهارات الناعمة في عملية اقتناص الوظائف الإدارية: دراسة تطبيقية على الوظائف الإدارية في قطاع غزة [رسالة ماجستير منشورة، الجامعة الإسلامية بغزة]. قاعدة بيانات دار المنظومة.

شبير، صلاح رمضان. (2016). المهارات الناعمة وعلاقتها بالتوجهات الريادة لدى طلبة الكليات التقنية في محافظات غزة [رسالة ماجستير منشورة، الجامعة الإسلامية بغزة]. قاعدة بيانات دار المنظومة.

شلبي، نوال. (2014). إطار مقترح لدمج مهارات القرن الواحد والعشرين في مناهج العلوم بالتعليم الأساسي في مصر. المجلة الدولية التربوية المتخصصة، 3(10)، 1-33.

طعيمة، رشدي أحمد. (2004).  المهارات اللغوية: مستوياتها، تدريسها، صعوباتها. دار الفكر العربي بالقاهرة.

عبد الواحد، مؤمن خلف. (2016). دور المهارات الناعمة في الحصول على الوظائف الأكاديمية (دراسة تطبيقية على وزارة التربية والتعليم العالي-قطاع غزة). مجلة جامعة فلسطين للأبحاث والدراسات، 6(2)، 304-338.

العدوان، واصف توفيق، والحوامدة، باسم علي. (2014). المهارات الناعمة لدى مديري المدارس الحكومية في مديرية التربية والتعليم في الشونة الجنوبية [رسالة ماجستير منشورة، جامعة جرش بالأردن]. قاعدة بيانات دار المنظومة.

عمر، أحمد مختار. (2008). معجم اللغة العربية المعاصرة. عالم الكتب بالقاهرة.

قويدر، أريج محمد رمضان. (2017). دور المهارات الناعمة في تحسين أداء العاملين في الوزارات الفلسطينية [رسالة ماجستير غير منشورة]. جامعة الأقصى بغزة.

موسى، سعيد عبد المعز علي. (2019). برنامج تدريبي لتنمية المهارات الناعمة لمعلمات رياض الأطفال. مجلة دراسات في الطفولة والتربية، 1(8)، 1-64.

 

 

الصورة من حساب: وزارة التعليم_عام

 

كتابة: عزيزة عوض البلادي

مواضيع مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

آخر المواضيع

قائمة المحررين

الأكثر تعليقاً

فيديو