saudistem
EDGEx

الذكاء الاصطناعي ورهانات العصر

الذكاء الاصطناعي ورهانات العصر
كتابة: نسيم الدوسري

في ظلّ التحولات الجذرية التي يشهدها القرن الحادي والعشرون، يصبح الاستعداد لمستقبل دائم التغير أمرًا ضروريًا؛

هذا الاستعداد يتطلب الارتقاء بمعايير جودة التعليم إلى أعلى المستويات، مع التركيز على إعداد جيل يتمتع بالقدرة على التكيف واتخاذ القرارات، مزودًا بمهارات التفكير والتعلم. على حين أن اكتساب مهارات تقنية إضافية تُعد من الركائز الأساسية التي تشكّل ملامح المستقبل، نحو: الذكاء الاصطناعي، حيث تعتمد هذه التقنيّة في قدرتها للأنظمة الحاسوبية على محاكاة الذكاء البشري في التعلم ومعالجة بعض القرارات عند اتخاذها، حيث تحمل في طياتها فرصًا غير مسبوقة.

 

بيد أن هذا التطور يواجه رهانات وتحديات يفرض الحاجة إلى بناء منظومة رقمية تعليمية مبتكرة تسهم في تطوير النظام التعليميّ لتوظيف أنظمة الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المتطورة والأجهزة؛ لإمكانية استخدامها في التعليم.

 

من هنا تبرز مجموعة تساؤلات مهمة، منها:

س/ إذا كان الذكاء الاصطناعي يُعتمد عليه في أداء العديد من المهام التعليميّة، فما هو دور المعلّم المستقبلي؟

س/ هل يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في جميع جوانب العمليّة التعليميّة؟

س/ هل نحن بحاجة إلى إعادة صياغة سياسات التعليم؛ كي تواكب العَالم في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي؟

س/ كيف يمكن للجيل القادم أن يستفيد من الذكاء الاصطناعي دون أن يفقد هُويته البشرية؟

 

الذكاء الاصطناعي ومستقبل المهارات

إن المهارات اللّازمة لسوق العمل والتغيّرات التقنيّة، ودخول الذكاء الاصطناعي في جميع المجالات، لم تعد المهارات التقليدية كافيةً في ظلّ ما شهدته السنوات الأخيرة من تطورات، حيث أصبح التفكير النقدي، والإبداع، والابتكار، من المهارات الأساسية لمواكبة التطورات الجديدة التي أحدثتها الخوارزميّات والروبوتات في تنفيذ مهام متقدمة بكفاءة عالية، معلنةً تفوقها على القدرات البشرية.

 

لذا أصبح من الضروري تطوير الأنظمة التعليميّة، فبعد أن كانت تركز على تحصيل المعلومات والمعارف، ومهارات البشر البسيطة؛ باتت تركز على المهارات التقنيّة للذكاء الاصطناعي بجانب مهارات الحياة المهنية، والتفكير، والتعلم، في حين يكون الإلمام والوعي بإيجابيات الذكاء الاصطناعي وسلبياته، بالإضافة إلى تطبيقاته في التعليم لدى المعلمين والمتعلمين، كذلك التدريب على كيفية توظيفه لتحقيق الأهداف المرجوة.

 

من خلال ذلك تنشط العديد من الدول، بما فيها المملكة العربية السعودية؛ لتطوير أنظمتها التعليميّة؛ لتتواءم مع رؤية ٢٠٣٠ لمستقبل يُسهم فيه الذكاء الاصطناعي في بناء اقتصاد معرفيّ متقدّم.

 

فقد بذلت وزارة التعليم في المملكة العربية السعودية جهودٍ مخلصةٍ، ومساعٍ حثيثة؛ لتعزيز التعليم المستقبلي، وتطوير الكفاءات الوطنية في مجال الذكاء الاصطناعي، وذلك ضمن رؤية تهدف إلى مواكبة التطورات المتسارعة.

 

حيث أكدت البحوث التربويّة على وجود اختلافات في أنماط التعلم بين المتعلمين، إلى جانب قصورٍ في تضمين بعض المهارات الأساسيّة في المناهج التقليديّة، مما يستدعي تطوير المهارات التعليميّة ودمج تقنيات الذكاء الاصطناعي فيها. هذا وبدوره يفرض إعادة تقييم المهارات التي نُعلّمها، والتأكد من توافقها مع احتياجات المستقبل؛ لضمان إعداد جيلٍ قادرٍ على التكيّف مع المتغيرات السريعة في سوق العمل والتكنولوجيا.

 

المهارات البشرية التي لا يمكن استبدالها

بالرغم من التطورات الهائلة التي يشهدها الذكاء الاصطناعي، تبقى هناك مهارات بشرية فريدة يصعب تقليدها أو استبدالها، من أبرزها:

-التفكير الأخلاقي واتّخاذ القرار: تزداد الحاجة إلى مهارات تمكن الأفراد من التعامل مع القضايا الأخلاقية التي يطرحها الذكاء الاصطناعي، مما يجعل امتلاك القدرة على اتخاذ قرارات أخلاقية أمرًا ضروريًا، خاصة فيما يتعلق بالخصوصية، والمساواة، وتأثيرات هذه التقنيات على المجتمعات. لذا يجب أن يتعلّم الطلاب كيفية تقييم الآثار الأخلاقيّة للتكنولوجيا؛ بما يضمن تصرفهم بطريقة مسؤولة.

 

-الذكاء العاطفي: مع قدرة الروبوتات على تقليد السلوك البشري، تظلّ المشاعر الحقيقية والتعاطف مهارات لا غنى عنها في القيادة والتواصل.

 

-الإبداع والابتكار: يظلّ الإنسان المصدر الأساسي للأفكار الجديدة التي تدفع التكنولوجيا إلى الأمام، فلا يكفي أن يكون الفرد ملائمًا للمهام الحالية فقط، بل يجب أن يمتلك القدرة على التفكير خارج الصندوق، واكتشاف حلول مبتكرة لمشكلات معقدة.

 

-التعلم المستمر: مع التغيرات السريعة يصبح التعلم مدى الحياة ضرورة دائمة، فمن المهم غرس ثقافة التعلم المستمر في الطلاب؛ من أجل أن يصيروا قادرين على التكيّف مع أي تغييرات تكنولوجية جديدة.

تحديث النظام التعليميّ لمواجهة التحدّيات

يتطلب مواكبة العصر ورهاناته تطويرًا جذريًّا في النظام التعليميّ، يشمل عدة محاور منها:

أ. تطوير المناهج: بحيث تتضمن مواد تعليمية تُركّز على البرمجة، وتحليل البيانات، والأمن السيبراني.

ب. استخدام التكنولوجيا في التعليم؛ من أجل تعزيز الواقع التعليميّ، بالإضافة إلى التعليم التكيفي؛ لتلبية احتياجات كل طالب.

ج. دور المعلّم: حيث يتغير دوره من ناقلٍ للمعلومات إلى مرشدٍ ومطورٍ للإبداع.

ختاماً، في ظلّ ما يشهده العَالم من تسارعٍ تكنولوجيٍّ، يفرض الذكاء الاصطناعي رهاناتٍ حقيقية على المجتمعات في إعداد الأجيال القادمة، حيث يتطلب الأمر إلى أنظمة تعليميّة مرنة ومبتكرة تُركز على تطوير المهارات البشريّة الفريدة التي لا يمكن استبدالها بالآلات.

وبينما نتقدم في هذا السباق، يظلّ السؤال: هل نحن مستعدون لتحقيق التوازن بين الاستفادة من الذكاء الاصطناعي والحفاظ على تفوق الإنسان؟

 

المراجع:

-OECD. (2022). The Future of Education and Skills: Education 2030 Framework. OECD Publishing.

-World Economic Forum. (2023). AI and the Future of Jobs: Preparing the Workforce for the Fourth Industrial Revolution. Retrieved from https://www.weforum.org

-Harvard Graduate School of Education. (2023). Enhancing Critical Thinking and Ethical Reasoning in the AI Era. Retrieved from https://mepli.gse.harvard.edu

 

كتابة: نسيم الدوسري

مواضيع مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

آخر المواضيع

قائمة المحررين

الأكثر تعليقاً

فيديو