aisc
saudistem

مهارات التعلم الاجتماعي العاطفي وتعزيزها في التعليم عن بعد

مهارات التعلم الاجتماعي العاطفي وتعزيزها في التعليم عن بعد
نورا خالد العتيبي

قدمت منظمة (CASEL) مصطلح التعلم الاجتماعي العاطفي منذ ما يقارب الستة وعشرين عاما، ومنذ ذلك الوقت ما فتئ المعلمون يطبقون هذا المفهوم ويجربون استراتيجياته لدمجه داخل الفصول الدراسية وتنمية مهاراته لدى التلاميذ. فما هو التعلم الاجتماعي العاطفي؟

 

مع توسّع تعريف هذا المصطلح دعت حاجة المنظمة لتوضيحه والكشف عن الخطوات المثلى لتطبيقه داخل العملية التعليمية، لذلك نرى أن أحدث تعريف من المنظمة لعام (2020) يصف التعلم العاطفي الاجتماعي بأنه دمج جزءا من التعليم بالتنمية البشرية، وهي العملية التي يستطيع الناس من خلالها -صغارا وكبارا- تطبيق المعرفة والمهارات والاتجاهات التي اكتسبوها لتنمية هُويّة إنسانية صحيّة تتمثل في قدرة الفرد على إدارة العواطف وتحقيق الأهداف الشخصية والجماعية وإظهار مشاعر التعاطف للآخرين، وتأسيس وإدارة علاقات داعمة سليمة واتخاذ قرارات صحيحة ومسؤولة.

يعمل التعليم الاجتماعي العاطفي على دعم العدالة والكفاية التعليمية من خلال تعزيز شراكة أصيلة بين العائلة والمدرسة والمجتمع المحلي لخلق بيئات تعلم وخبرات إنسانية تتميز بطابع تعاوني وموثوق، بالإضافة لمقررات دراسية هادفة وخبرات ذات معنى. ويقوم التعلم الاجتماعي العاطفي على خمس مهارات وهي:

أولاً: الوعي بالذات: وهي قدرة الفرد على فهم العواطف والأفكار والقيم وتأثير كل ذلك على السلوك. ويتضمن ذلك إدراك الفرد لمواطن القوة والضعف مع شعور قوي وراسخ بالثقة والغاية. ويتجلى في ذلك إدراكه لمشاعره والتحلي بالصدق والنزاهة وقدرته على ربط المشاعر والقيم والأفكار، وإدراك التحيزات والأحكام المسبقة، وامتلاك الفرد لعقلية النمو.

 

ثانياً: إدارة الذات: وهي قدرة الفرد على إدارة العواطف والأفكار والسلوكيات بفاعلية في مختلف المواقف، وتحقيق الأهداف والتطلعات، وقدرته كذلك على إدارة الضغط والشعور بالدافعية نحو الإنجاز وتحديد الأهداف الشخصية والجماعية وتحقيقها. بالإضافة إلى تمكنه من استخدام مهارات التخطيط والتنظيم.

 

ثالثاً: الوعي الاجتماعي: وهي القدرة على فهم وجهات نظر الآخرين والتعاطف معهم بمن فيهم أولئك اللائي يحملون خلفيات ثقافية مختلفة ومتنوعة. ويتضمن ذلك فهم الأعراف الثقافية والتاريخية لسلوكيات البشر في المجتمعات المختلفة. ويتضح هذا الوعي في الفرد من خلال احترامه لوجهات نظر الآخرين والأخذ بها، إدراكه لنقاط القوة فيهم، إظهار مشاعر التعاطف والاهتمام بالآخرين، التعبير عن الامتنان، فهم الآعراف الاجتماعية المختلفة، وتمييز تلك التي تتسم بعدم العدالة، معرفة المتطلبات الحالية والفرص المتاحة، وأخيرا فهم تأثير النظم المختلفة على سلوكيات الأفراد.

 

رابعاً: مهارة إدارة العلاقات: قدرة الفرد على إقامة علاقات صحية وداعمة، وتأسيس علاقات مع أشخاص ومجموعات متنوعة. وهذا يعني القدرة على التواصل بوضوح والإنصات الجيد للآخرين والتعاون معهم لحل المشكلات، وامتلاكه لمهارات التفاوض وإدارة النزاعات بطريقة فعالة. بالإضافة إلى قدرة الفرد على طلب المساعدة وتقديمها عند الحاجة. وتتجلى هذه المهارة المهمة بصور مختلفة مثل التواصل الفعال، وبناء علاقات إيجابية مع الآخرين، القدرة على العمل ضمن فريق، الوقوف مع حقوق الآخرين، ومقاومة الضغوط الجماعية السلبية.

 

خامساً: اتخاذ قرارات مسؤولة: وهي القدرة على اتخاذ قرارت فردية واجتماعية مسؤولة وبنّاءة في مواقف وسياقات متنوعة. وهذا يشمل قدرة الفرد على مراعاة المعايير الأخلاقية وإجراءات السلامة عند اتخاذ القرار. وتقييم مزايا ومساوئ الإجراءات والقرارات المتخذة سواء على الصعيد الشخصي أو الاجتماعي.

 

وباستعراض هذه المهارات والقيم يترائى لنا سؤال: كيف نقوم بتضمينها داخل الفصول الدراسية؟ وكيف لنا أن نكسبها للطلاب؟ وكيف يستطيع الطلاب تحويل تلك القيم إلى ممارسات عملية؟ فكما نعرف أن الطالب جزء لا يتجزأ من منظومة ثقافية واجتماعية كاملة تربط بينهما علاقات معقدة ومتداخلة ومؤثرة، خاصة وأن التعليم الاجتماعي العاطفي يستند على مجموعة من الدعائم كي يتحقق هذا النوع من التعلم بالفعل، بدءا من داخل الفصل مع ممارسات المعلم مرورا بمحيط المدرسة ومن ثم العائلة وأخيرا المجتمع.

 

سأتطرق بصفتي معلمة وتربوية إلى الجزء الخاص بالفصول الدراسية ودورها الهام في تعزيز التعلم الاجتماعي العاطفي لدى الطلاب وتوظيفه في حياتهم والاستثمار فيه لأجل تعلمٍ مدى الحياة. لقد أظهرت الأبحاث إمكانية تعزيز الكفاءة الاجتماعية العاطفية باستخدام مجموعة متنوعة من طرق التدريس مثل التعليم التعاوني، والتعليم القائم على المشاريع ومنهج ستيم STEAM   وغيرها، وتطبيق أساليب وأنشطة تعليمية متنوعة بما يناسب الطلاب. وفي الوضع العالمي الراهن ومع استمرار التعليم عن بعد والتعليم الإلكتروني في مدارس كثيرة، يبدو أن تطبيق التعلم الاجتماعي العاطفي بات يمثل تحديا للمعلمين. كما أن فرصة الطالب في اكتساب المهارات الاجتماعية العاطفية تضاءلت نوعا ما بحكم البعد المادي عن المجتمع المدرسي وانحصار المواقف التعليمية بقالب إلكتروني. ولتجاوز تلك العقبات يمكن للمعلمين توظيف أنشطة متنوعة تعزز المهارات الاجتماعية العاطفية لدى الطلاب في التعليم عن بعد، حيث تحوي كثير من المصادر التربوية التي قرأت بها مجموعة من الأنشطة اخترت منها المناسب:

 

أ. نشاط مزاجك اليوم:

في هذا النشاط الإلكتروني يطلب المعلم من التلاميذ في بداية الحصة الافتراضية أن يعبروا عن مشاعرهم ومزاجهم هذه اللحظة من خلال إرسال الطالب emoji  أو صورة متحركة gif  في صندوق المحادثة، أو عمل استفتاء قصير عن مزاجهم لهذا اليوم. يمنح هذا النشاط المعلم فرصة لكي يتحدث لاحقا مع الطلاب الذين أبدوا مشاعر سيئة أو مزاج غير جيد نظرا لحاجتهم للدعم النفسي، كما أنه طريقة لتعليم الطلاب التعبير عن مشاعرهم وتصويرها.

المهارة المستهدفة: الوعي بالذات – إدارة الذات – الوعي الاجتماعي.

 

ب. الإطراء والتوكيدات اليومية:

تعمل التوكيدات اليومية على بناء الثقة في النفس والاستحقاق وتساعد الطلاب على التحدث عن أنفسهم وعن الآخرين بشكل إيجابي. يمكن للمعلم أن يختار توكيدات ويطلب من التلاميذ ترديدها سويا أو أن يقوم كل طالب باختيار التوكيد المناسب لحالته. الجميل في هذا النشاط أنه يحفز الطلاب على استخدام المزيد من الحديث الذاتي الإيجابي في أدمغتهم وقد يبدؤون بمدح الآخرين كنتيجة للتأكيدات اليومية. ويستطيع المعلم تفعيل التوكيد في أي درس من خلال عرض توكيدات على الشاشة ليرددها الطلاب، أو يقوم بتكليف كل طالب لاختيار “توكيد اليوم” ويمكن تضمينها في فقرة قبل الدرس أو في الختام إما تحدثا أو كتابة. ويمكن للمعلم  كذلك أن يأمر الطلاب بمدح بعضهم البعض في مواقف مختلفة، على سبيل المثال بعد أن يشارك طالب ما فكرته أو إجابته مع الفصل، أو يمكن تخصيص يوم للإطراء على طالب معين. كما يجب على المعلم تذكير الطلاب بقول تأكيدات إيجابية لأنفسهم عندما يشعرون بمشاعر سلبية تجاه أنفسهم.

المهارة  المستهدفة: إدارة الذات – الوعي الاجتماعي – مهارة إدارة العلاقات

 

ج. نشاط أعرض لنا وتحدث:

يستخدم المعلمون هذا النشاط بهدف زرع الثقة والاعتزاز في نفوس الطلاب، كما أنه يساعد في بناء العلاقات من خلال إيجاد روابط مع الآخرين. ويعتبر هذا النشاط مثالي جدا في البيئة الافتراضية لأنه يمكن للطلاب مشاركة أمور كثيرة من المنزل عن بعد، مثل صور ولقطات من غرفهم الخاصة، مكانهم المفضل، حيواناتهم الأليفة، لعبتهم المفضلة، والمزيد من الأشياء الشخصية التي لا يمكن إحضارها للمدرسة بشكل واقعي. في هذا النشاط يختار المعلم شيء ما ليعرضه الطلاب ويتحدثون عنه وبما يعني لهم عاطفيا ونفسيا.

المهارة المستهدفة: الوعي الاجتماعي – مهارة إدارة العلاقات

 

د. نشاط البحث عن الكنز:

يقوم المعلم بعرض قائمة من أشياء متنوعة على الشاشة ثم يطلب من التلاميذ البحث عنها داخل المنزل مع تحديد وقت لإحضارها، والفائز من يحضرها أولا. يستطيع المعلم ربط النشاط بموضوع الدرس مثلا إحضار أشياء تبدأ بحرف معيّن أو أشياء لهما ألوان مختلفة أو أحجام مختلفة، أو حالات المادة في العلوم أو مجموعات الحيوانات وغيرها. يمكن للمعلم بعد ذلك إجراء حوار بين الطلاب ورسوم بيانية للأشياء التي عثر عليها الطلاب.

المهارة المستهدفة: إدارة الذات – مهارة إدارة العلاقات

 

هـ. تمارين التنفس:

نشاط سهل جداً تنفيذه في البيئة الافتراضية وأفضل مايتم بدء الحصة به هو نشاط التنفس حيث يساعد التنفس العميق على تقليص الضغط والتوتر بإرسال إشارات لأدمغتنا لتهدأ. كثير من المعلمين قد لا يدركون مايعانيه الطلاب في منازلهم أو مايواجهونه في حياتهم الشخصية، لذا فإن التنفس العميق يساعد الطلاب على الهدوء وتخفيف الضغط واستعادة النشاط قبل بداية الدرس. فمن المتوقع بعد التنفس العميق أن يشعر الطلاب بالهدوء والأمان والاستعداد النفسي للتعلم.

المهارة المستهدفة: الوعي بالذات – إدارة الذات

 

و. تحفيز عقلية النمو:

يتيح استخدام عقلية النمو للطلاب توسيع مداركهم وتعلم أشياء جديدة، ويساعدهم كذلك على رؤية الصعوبات والعوائق التي تواجههم كفرص للنمو والتطور. يمكن للمعلم عرض فيديوهات على الطلاب حول ماهية عقلية النمو وأساليب لاكتسابها.

المهارات المستهدفة: الوعي بالذات – إدارة الذات

 

 ز. الألعاب الإلكترونية:

توجد العديد من المصادر والأدوات لتصميم وإنشاء ومشاركة الألعاب الإلكترونية مع الطلاب في الفصول الافتراضية لتنمية كفايات التعلم الاجتماعي العاطفي. يمكن أن تستهدف الألعاب السريعة مهارات اتخاذ القرار وحل المشكلات ومهارات التعاون والتشارك مع الآخرين. من الممكن للمعلم أن يسمح للطلاب بأن يلعبوا سوية خلال الفصل الافتراضي أو تخصيص ألعاب ليلعبها الطلاب بشكل فردي ومناقشة الدروس المستفادة بعد ذلك في الحصة القادمة.

المهارة المستهدفة: الوعي بالذات – إدارة الذات – الوعي الاجتماعي – مهارة إدارة العلاقات – مهارات اتخاذ القرارات المسؤولة

 

ح. مهارات التكيّف:

وهي الطرق التي يستخدمها الفرد للتعامل مع المواقف الصعبة وتساعده على مواجهة المصاعب واتخاذ ردة الفعل المناسبة وحل المشكلات بمرونة واستدامة. يحتوي الإنترنت على مصادر مختلفة مثل الفيديوهات والأغاني والقصص والكتب والأنشطة التي تعلّم مهارات التأقلم لدى الطلاب بما يتناسب مع مرحلتهم العمرية والدراسية. يختار المعلم مهارة ويقوم بتعزيزها لدى الطلاب من خلال الأنشطة المختلفة مثل التلوين، الحديث الإيجابي مع الذات، التنفس العميق، التمارين الرياضية، الحديث مع شخص ثقة، العد إلى العشرة وغيرها من الأساليب التي تساعد الشخص على الاسترخاء عند تعرضه للضغوط.

 

ط. تنفيذ مشروع يدعم روح التعاون:

تسهم المشاريع في خفض القلق والاكتئاب جراء الانقطاع عن الحضور للمدرسة. من الممكن أن تكون هذه المشاريع داخل المنزل أو خارجها وتستهدف مختلف فئات المجتمع من أطفال وكبار سن. ومن أمثلة المشاريع البسيطة خاصة للصغار:

-قراءة القصص للأشقاء الصغار أو مساعدتهم في العمل المدرسي.

-إنتاج مقطع فيديو يساعد الأطفال على قضاء وقت ممتع وهم في الحجر الصحي مثلاً.

-المساعدة في طهي الوجبات والعمل الزراعي.

-إرسال بطاقات شكر أو دعم أو مواساة أو غيرها لمن يحتاجها.

-إنتاج مقطع فيديو تعليمي يساعد الطلاب في موضوع دراسي.

-التبرع بالكتب والألعاب والأدوات لمن يحتاجها.

-اقتراح وتصميم لعبة عائلية تستخدمها العائلة وقت الفراغ وأثناء الجلوس مع بعضهم، ومن ثم عمل تقرير حول هذه اللعبة ورأي أفراد العائلة بها.

المهارة المستهدفة: الوعي الاجتماعي – مهارة إدارة العلاقات

 

ي. القراءة:

يمكن للمعلم أن يقرأ كتاب قصير بشكل صوتي عن طريق الفصول الافتراضية أو إرسال الكتاب للطلاب لقراءته بأنفسهم. ثم يطلب منهم أن يكتبوا أحداث القصة؟ وما الذي جرى؟ وكيف تشعر الشخصيات نتيجة لذلك؟ من خلال مشاركتهم آرائهم إما صوتيا أو الكتابة في صندوق المحادثة. هذه الطريقة ستعطي المعلم الفرصة لمناقشة المشاعر المختلفة مع الأطفال والتحدث عن الاستجابات وردات الفعل المناسبة للمشاعر المختلفة. ممكن الاستعاضة بالتدوينات اليومية في مجلة الفصل الإلكترونية أو الحائط الإلكتروني أو أي وسيلة أخرى. كما يتم إرشاد الطلاب لثقافة كتابة اليوميات ومشاركتها مع المقربين منهم.

المهارة المستهدفة: الوعي بالذات – إدارة الذات

 

أخيراً، فإن التعلم الاجتماعي العاطفي لا يقتصر على مادة دون أخرى، بل يستطيع المعلم أن يدمج تلك المهارات في الحصة الدراسية أيا كان التخصص. ومع تعدد أساليب وأنشطة دمج التعلم الاجتماعي العاطفي داخل الفصول الدراسية، يمكن للمعلم اختيار مايناسب الطلاب وبما يتوائم مع الظروف المحيطة. وجدير بنا نحن أولا أن نعزز تلك المهارات لدينا حتى نتمكن من إكسابها لتلاميذنا. فلا يخفى علينا قسوة العالم الافتراضي والتسارع التقني الهائل والذي يكاد يطغى على الجوانب الإنسانية لدينا.

 

 

المراجع:

CASEL. (2020). What Are the Core Competence Areas and Where are they Promoted?. https://casel.org/sel-framework/

Kristen, Foght. (2020). 10 virtual social emotional learning activities for students at home. https://www.kickboardforschools.com/blog/post/distance-remote-learning/10-virtual-social-emotional-learning-activities-for-students-at-home/

Trynia, Kufman. Five tips for supporting students socially and emotionally during distance learning. https://www.understood.org/en/school-learning/for-educators/empathy/5-tips-for-supporting-students-socially-and-emotionally-during-distance

National University, (2020). Seven emotional learning strategies for remote teaching. https://www.nu.edu/resources/7-social-emotional-learning-strategies-for-remote-teaching/

Niemi, Karen. (2020). CASEL Is Updating the Most Widely Recognized Definition of Social-Emotional Learning, Here’s Why. https://www.the74million.org/article/niemi-casel-is-updating-the-most-widely-recognized-definition-of-social-emotional-learning- heres-why/

 

Photo by Andrea Piacquadio from Pexels
 

 

كتابة:

نورا خالد العتيبي

1 تعليق

مواضيع مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

1 التعليق

  • يحيى حيدر
    يوليو 15, 2024, 5:32 م

    جميل جدا

    الرد

آخر المواضيع

قائمة المحررين

الأكثر تعليقاً

فيديو

ltexpo