ما نشاهده اليوم من تطور هائل وسريع في شتى مجالات الحياة، وفي مجال التكنولوجيا على وجه التحديد، يدعونا إلى مواكبة هذا التطور والتقدم، واختيار أفضل الطرق والسبل التي تساعدنا في جودة أساليب الحياة المعاصرة، والانتقال إلى التميز والكفاءة في الأعمال، وتحقيق الأهداف المأمولة بجهد وتكلفة أقل، واختصار أكثر للوقت.
فالعصر الحالي يشهد ثورة رقمية أحدثت تغيرات جذرية واسعة ومتسارعة سياسياً، واقتصادياً واجتماعياً وتعليمياً، ولعل من أبرز مظاهرها ذلك الاندماج الذي حدث بين ظاهرتي ثورة الاتصال وتفجر المعلومات ونتج عنهما ما يسمى بالعصر الرقمي الذي يمتاز بسيطرة الوسائل والأدوات الرقمية الحديثة على غيرها في مجال الاتصال والتكنولوجيا ومعالجة وتبادل المعلومات (1).
يعرف العصر الرقمي بأنه ذلك العصر الذي يقوم أساسا على نشر المعرفة وانتاجها وتوظيفها من خلال القدرة على تحويل كل أشكال المعلومات والرسومات، والنصوص والصورة والصوت لتصبح في صورة رقمية، وتلك المعلومات يتم انتقالها بين أفراد المجتمع من خلال الشبكة العنكبوتية وبواسطة أجهزة الكترونية متنوعة، وساعد ذلك على تحول البيئة التفاعلية الاتصالية بين الأفراد والمجتمعات إلى بيئة افتراضية تختلف تماما عن البيئة التقليدية (2).
غير أن السيطرة والتقدم الهائل في مجالات تكنولوجيا التعليم وتكنولوجيا الاتصالات الذي يشهده هذا العصر، فرض عدد من التحديات على النظم التعليمية محلياً ودولياً، وفي مراحلها المختلفة، مما تطلب معه إحداث العديد من التغيرات على مستوى النظم التعليمية عامة والمؤسسات التربوية خاصة (3)، ومن هذا المنطلق يتوجب علينا الإجابة على السؤال التالي: ماهي النواحي التي يجب تغييرها في النظم التعليمية والاهتمام بها لمواكبة هذا العصر؟
يتطلب من النظم التعليمية الاهتمام بالمنظومة التعليمية شاملة وذلك من عدة نواحي وهي، المنهج الدراسي بما يحتويه من معارف ومهارات، والمعلم، والمتعلم، والبيئة التعليمية وما تشمله من أدوات ووسائل تكنولوجية. إن إصلاح المناهج الدراسية، يُلزمنا بإدراج وتكثيف مهارات العصر الرقمي الذي نعيشه اليوم، تلك المهارات التي ترتبط بمهارات القرن الحادي والعشرين، حيث يشير مصطلح مهارات القرن الحادي والعشرين إلى مجموعة واسعة من المعارف التأسيسية، والمعارف الإنسانية، وإدراك المعارف، والتي أجمع فريق من الباحثين في جامعة ميتشيقن على اختيارها ومراجعتها وتحليلها وتتمثل بالإطار التالي:
شكل (1): إطار جامع لمهارات التعلم في القرن الحادي والعشرين (4)
ومن الملاحظ في هذا الإطار أن المعارف والمهارات المعترف بها هي امتداد لمهارات القرن العشرين وما قبله باستثناء مهارة محو الأمية الرقمية التي أصبحت أكثر إلحاحاً في هذا العصر، وهذا عائد إلى التغير المتسارع في شتى مجالات الحياة نتيجة الانتشار الهائل لتكنولوجيا المعلومات والاتصال بين شعوب العالم (5).
لذلك من الأهمية أن تركز أنظمة التعليم في مناهجها على إدراج هذه المهارات وتطويرها وتطبيقها في حياة المتعلم اليومية ومنها على سبيل المثال لا الحصر: مهارات التفكير الناقد، وحل المشكلات والتحليل، والإبداع، والابتكار، والتعلم الذاتي، والاتصال الشفوي والكتابي، والتعاون والعمل الجماعي ومحو الأمية الرقمية، والوعي الأخلاقي.
ونصل إلى دور معلم اليوم في إكساب الطلاب وتدريبهم على المهارات الجديدة المطلوبة في عصر المعلومات والمعرفة، وما يحتاجه هذا المعلم من تدريب وتأهيل بشكل مستمر ليتمكن من المهارات اللازمة لاستخدام التكنولوجيا الرقمية، وتطوير وتجديد هذه المهارات بصفة مستمرة استجابةً لمتطلبات العصر الرقمي، ولتلبية الاحتياجات المتنوعة للمتعلمين، كما يتحتم على المعلمين تغيير ممارساتهم التعليمية والتربوية واستخدام الطرق والاستراتيجيات الحديثة التي تلبي هذه المتطلبات.
أما بالنسبة للمتعلم في هذا العصر والذي نستطيع أن نطلق عليه مصطلح Digital Native ويعني المواطن الرقمي الذي نشأ في عصر التقنية ويعتبر التكنولوجيا جزء مهم وضروري، ولا يستطيع الاستغناء عنها، كما أنه قادر على التعامل مع الأدوات التكنولوجية واستخدامها بكل سهولة وفي وقت مبكر من حياته، هذا المتعلم يجب ألا يكون متلقي ومستهلك للمعلومات بل أن يكون منتج للمعرفة، ويوظفها في تطبيقات حياتية مفيدة، كما عليه أن يكون ذو إدراك وفهم لثقافة العالم الرقمي، وأن يتعامل بشكل إيجابي مع الأجهزة الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، ويشارك بإيجابية في التطوير والبناء والتفاعل الرقمي.
ويعتبر توفير الأجهزة والأدوات والوسائل التكنولوجية في البيئة التعليمية مطلب أساسي لمواكبة التحول الرقمي في مجال التعليم، حيث أن عملية الرقمنة لا تتم بدون وجود أجهزة الحاسبات الآلية، والبرمجيات، والعديد من التقنيات الحديثة، كالفيديو التفاعلي، والواقع المعزز والواقع الافتراضي وغيرها (6). بالإضافة إلى أن المقررات الالكترونية التي يصممها المعلم بما تتضمنه من محتوى الكتروني وأنشطة تعليمية تفاعلية واختبارات الكترونية تلعب دوراً هاماً في الانتقال من البيئة التعليمية التقليدية إلى البيئة التقليدية الرقمية، كما أن التعليم الالكتروني أتاح دمج الممارسات التعليمية باستغلال المستحدثات التكنولوجية، والتعلم عبر الانترنت لتعزيز التعلم عند الطلبة، وتعزيز مهارات التفكير العليا لديهم.
وأخيراً، لا يخفى علينا أن التطور التكنولوجي الحاصل اليوم، قد ادخل قفزة نوعية ايجابية كبيرة في بيئة العملية التعليمية بمختلف أنواعها، وساعد على إيصال المعلومات والمعارف العلمية، والتربوية وحتى السلوكية للمتعلم، الأمر الذي أدى بدوره إلى تحقيق مجموعة كبيرة من الأهداف والغايات التعليمية المنشودة (7).
غير أننا نؤكد من خلال استعرضنا السابق للنواحي الواجب تطويرها وتجديدها وأحياناً تغييرها في النظام التعليمي، أنه علينا التمعن في الوضع الراهن للمنظومة التعليمية، ونتساءل ونجيب في أذهاننا دوماً على التساؤلات التالية: هل نحتاج إلى هذا التغيير؟ ولماذا نحتاج إلى هذا التغيير؟ ومتى وكيف نقوم بهذا التغيير؟
المراجع:
(1) الطائي، جعفر حسن جاسم. (2012). الأسرة العربية وتحديات العصر الرقمي. مجلة الفتح، 1(51)، 275- 290.
(2) بدوي، محمود فوزي أحمد، ومحمد سماح السيد. (2019). تحديات التربية الوجدانية في العصر الرقمي من وجهة نظر بعض أعضاء هيئة التدريس بكلية التربية. المجلة التربوية، 1(60)، 218- 316.
(3) خليفة، زينب محمد حسن. (2008، أغسطس 13-14). أثر طريقتي التعلم بالوسائط المتعددة التفاعلية والتعلم الإلكتروني التشاركي عبر الإنترنت في إكساب مهارات استخدام أجهزة العروض الضوئية للطالبات المنتسبات بكلية التربية للبنات جامعة الملك فيصل بالإحساء [عرض ورقة]. مؤتمر تكنولوجيا التربية وتعليم الطفل العربي، الجمعية العربية لتكنولوجيا التربية، القاهرة، مصر.
(4) Kereluik, K., Mishra, P., Fahnoe, C., & Terry, L. (2013). What knowledge is of most worth: Teacher knowledge for 21st century learning? Journal of Digital Learning in Teacher Education, 29(4), 127-140.
(5) سعد، ميلاد. (2016، أكتوبر 25-26). تحديات إعداد المعلمين على مهارات العصر الرقمي في المجتمعات العربية ما بعد الصراع [ورقة علمية]. مؤتمر قضايا التربية والتعليم: أية منظومة ثقافية لمرحلة ما بعد الصراع؟- مجتمعات ما بعد الصراع وجودة التعليم، الجزائر.
(6) حفيظي، سليمة، و عباسي، يزيد. (2021). التحول نحو التعليم الالكتروني لتفعيل الموقف التعليمي في ظل أزمة كورونا. مجلة علوم الانسان والمجتمع، 10(1)، 63-89.
(7) خليفاتي، وهيبة الجوزي، ومغراني سليم. (2019). التعليم الرقمي في ظل التحديات المعاصرة. المجلة العربية للإعلام وثقافة الطفل، (5)، 109 – 122.
Image from: techrepublic.com
كتابة: نرجس سالم الرحيلي
باحثة دكتوراة في المناهج وتقنيات التعليم
اترك تعليقاً
لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *