يعتبر المعلم الربان الحقيقي للعملية التربوية والتعليمية داخل المؤسسات التعليمية من مدارس ومعاهد وكليات. وكل ما يُبذل من جهود إشرافية داخل المؤسسات التعليمية هدفها الرئيس تطوير وتنمية قدرات ومهارات ذلك المعلم ليعود ذلك التطوير بالنفع والفائدة على عمليتي التعليم والتعلم وبالتالي، تحسين أداء الطلاب ونتائجهم.
ويعد دور القيادة التعليمية في تحسين العملية التربوية والتعليمية مهماً للغاية، متمثلاً في تطوير أداء المعلمين وطرق تدريسهم من خلال تقديم أفضل الممارسات والبرامج التطويرية. وسنطرح في هذا المقال أحد الممارسات المهنية الحديثة المهمة والغائبة في تطوير وتنمية المعلمين في المجتمع التعليمي وهو النمو المهني من خلال مجتمعات التعلم المهنية (Professional Learning Communities)، والذي برز في العقدين الماضيين وغاب فيه دور التقنية.
وتأتي فكرة هذه المجتمعات في تكوين مجموعات من المعلمين يجتمعون بشكل منتظم للتعلم وتبادل الأفكار وطرح وحل المشكلات التربوية والتعليمية، ويجمعهم مجال الاهتمام والتخصص والممارسة المشتركة من أجل تلبية حاجة المعلمين المستمرة للتطوير المهني في سبيل تجويد العملية التعليمية. وهي فكرة مبنية على فلسفة جون ديوي John Dewey في التعلم التعاوني، وتهدف في النهاية لتحسين نتائج الطلاب وتغيير سلوكهم. ويلعب التعاون والعمل الجماعي الذي تتيحه هذه المجتمعات دوراً مهما في تطوير المعلمين من خلال طرح الموضوعات التربوية والتعليمية والتناقش حولها، وتأتي أيضاً كفرصة للمعلمين للتجريب والإبداع واقتراح البرامج الناجحة.
وينبغي أن يكون لكل مجتمع تعلم مهني رسالة ورؤية وقيم وأهداف يتشارك فيها جميع الأعضاء المنتسبين لهذا المجتمع. فالرسالة تحدد لأعضاء المجتمع سبب هذا الاجتماع؟ والرؤية تتنبأ بماذا يجب أن تكون عليه المؤسسة التعليمية؟ وتتضمن القيم الالتزامات الفردية والجماعية لتحقيق الأهداف الموضوعة.
وتتميز هذه المجتمعات بقدرتها على التحسين والتطوير، والتنبؤ وتشجيع الاستكشاف والمبادرة والمشاركة بالمعلومات. ويعتبر التعاون والعمل بروح الفريق الواحد هو جوهر مجتمع التعلم المهني، حيث تهدف مجتمعات التعلم المهني إلى تعزيز روح التعاون بين المعلمين وتنمية مهاراتهم وزيادة معارفهم وتنمية الشعور المشترك بالمسئولية، والذي يقود في النهاية إلى زيادة تحسين أداء الطلاب ونتائجهم. ومن مزايا هذه المجتمعات أيضاً استجابتها للمتغيرات والاستراتيجيات التعليمية، وبناء كيان تعليمي مهني ونوعي في حالة تطبيقها بوجود فريق يتميز جميع اعضاءه بالدافعية والمهنية ووضوح الهدف. ومن الأمثلة على ذلك: وجود مجتمع تعلم مهني منسجم مكون من مجموعة من المعلمين يجمعهم هدف وفكرة واحدة يتشاركون في صناعة محتوى او تقويم أثر وحدة دراسية او استراتيجية تعليمة مقترحة.
ومن أبرز التحديات التي قد تواجه هذه المجتمعات المهنية اعتمادها على المدير أو القائد والذي سيقود غيابه وتغييره إلى تفكك هذه المجتمعات. كما يمثل غياب الأهداف الواضحة وانعدام الثقة بين أعضاء هذه المجتمعات أحد التحديات الرئيسية التي قد تواجهها، بالإضافة إلى وجود معلمين يخالفون آراء غالبية المجتمع ومقاومين للتغيير. ونشير هنا إلى تميز مجتمعات التعلم المهنية على مواقع التواصل الاجتماعيSocial Networks)) مقارنه مع المجتمعات التقليدية في المدارس او المؤسسات التعليمية الاخرى بسبب وجود المرونة وإمكانية تبادل الأفكار والخبرات متجاوزة بذلك حدود المكان والزمان والمواجهة.
ويظهر جليا أهمية وجود مجتمعات تعلم مهنية وبشكل خاص في المدارس في ظل توجيه الإدارة التعليمية بوجودها رغم غياب ممارساتها الواقعية لعدم معرفة أهدافها واساليبها أو لعدم القناعة بها أو عدم تفرغ المعلمين للقيام بهذه المهمة.
ويمكن أن نصنف هذه المجتمعات إلى مجتمعات صغرى للحصول على مزيد من الفاعلية من خلال تصنيف المعلمين حسب التخصصات، او مستويات الطلاب، او التركيز على القضايا التربوية، أو الادارية، أو التدريب. ومن المناسب تثقيف المعلمين والإداريين بأهمية مثل هذه المجتمعات وعرض عدد من النماذج الناجحة مع أهمية توفير البيئة التعليمية الجاذبة لمثل هذه الممارسات.
ونلخص دور مجتمعات التعلم المهنية بانه بناء المعرفة المشتركة والقدرة على العمل بين المعلمين من أجل تحسين نتائج الطلاب. وعلينا التذكر دائمًا بأن مساعدة الطلاب على التعلم يحتاج مجتمعاً متعاونًا وجهداً جماعياً.
الصورة من: المعهد الوطني للتطوير المهني التعليمي
كتابة: محمد البحيري
باحث دكتوراة في المناهج وطرق التدريس
اترك تعليقاً
لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *