saudistem

بشفافية.. لماذا يقلق طلاب اللغات الأجنبية ؟

بشفافية.. لماذا يقلق طلاب اللغات الأجنبية ؟
أنس بن حسينباحث دكتوراه في اللغويات التطبيقية، ومدرب لغة إنجليزية

بشفافية.. لماذا يقلق طلاب اللغات الأجنبية ؟

“أنا قلق” هي عبارة من المتوقع أن تسمعها بكثرة هذه الأيام وخصوصاً من فم طالب علم. فضغوطات الدراسة، التفكير في المستقبل، الخوف من فقدان الدرجات وكثرة الواجبات المنزلية تجعل من الدراسة أحد مصادر القلق. أضف إلى ذلك أن طلاب اللغات الأجنبية يواجهون ضغطاً نفسياً إضافية تتسبب فيه طبيعة تعلم اللغات الأجنبية. بحسب كلام الباحث Horwitz (2001)، المتخصص في القلق التربوي، أن واحد من كل ثلاثة طلاب يواجهون صعوبات شديدة في تعلم لغة أجنبية بسبب القلق. بينما تهتم كثير من الدراسات بالقلق الناتج من ضغط الاختبارات والتحصيل الدراسي، أجد كمعلم قضى 20 عاماً في تدريس مادة اللغة الإنجليزية لطلاب عرب، أن أحد أهم مصادر القلق لطلاب اللغة هو شخصية الطالب وتجاربه السابقة مع اللغة واستخدامها في المجتمع.

كان ضرورياً أن تبدأ معظم هذه الدراسات بتعريف واضح لمفهوم القلق وذلك لتجنب الخلط بينه وبين الاكتئاب، اليأس، الهلع (الفوبيا). تكدست التعاريف الخاصة بهذا المفهوم واتفقت بأنها الشعور بعدم الراحة، التخوف، والصعوبة في تقبل الوضع الراهن (Rachman 1998). أما تعريف القلق داخل صفوف تعلم اللغات الأجنبية فقد كان أكثر تفصيلاً، حيث تم تعريفه على أنه شعور بالتوتر والتخوف مرتبط بسياق تعلم لغة ثانية، وبالخصوص في المهارات الأساسية التحدث والاستماع Maclntyre and Gardner, 1994)) ويتسبب في منع الطلاب من الوصول لأهدافهم الاكاديمية والتواصل باللغة الهدف (Horwitz, 1986).

قسم الباحث Horwitz 1986 الدراسات الخاصة بالقلق في مقاعد دراسة اللغات الأجنبية إلى 3 أقسام :

1. التخوف من الاتصال باللغة الهدف والتي تظهر عادة بسبب عدم قدرة الطالب من التعبير عن أفكاره بوضوح.

2. الخوف من الاختبارات والتقييم الدراسي (الحصول على درجات منخفضة في المادة).

3. قلق من التقييم السلبي للناس تجاه لغة الطالب وعدم قدرته على ترك أثر إيجابي في نفس المستمع.

يهمنا في هذا المقال مناقشة النوع الأول والثالث: التخوف من الاتصال بالآخرين وقلق تقييم الناس السلبي. غير خفي على الجميع أن مهارتي التحدث والاستماع باللغة الهدف، كاللغة الإنجليزية، هي أصعب من المهارتين الأخرتين: القراءة والكتابة. ليست الصعوبة فقط في إيصال رسالة إلى شخص آخر باستخدام اللغة الإنجليزية، بل أيضاً قد نشعر بإحراج من عدم قدرتنا على فك شيفرة قطعة مسموعة أو حديث موجه إلينا باللغة الإنجليزية. يتعاظم خطر هذه المشكلة خاصة مع طبيعة الطالب وشخصيته. فالطالب “رفيع الجلد” أو قليل القدرة على التعامل مع النقد، يجد صعوبة أكبر في تجاوز عقبة التحدث والاستماع باللغة الهدف. لذلك نستطيع القول بأن هناك ترابط من نوع خاص بين مهارات الاتصال باللغة الهدف وبين تقييم الناس لهذه المهارات.

أجد من خلال مشاهداتي وملاحظاتي ومحاوراتي مع المهتمين بتعلم اللغات وتعليمها، أن محيط تعلم اللغات الأجنبية يلفه الكثير من المعتقدات والمسلمات التي يجب أن تبحث وبشكل دقيق. فمن المعتقدات التي تؤثر في نفسية الطالب هو اعتقاده في طبيعة تعلم اللغة. فيعتقد البعض أن فترة سنة أو سنتين كافية لإتقان اللغة وبطلاقة. فينما تمر الشهور والطالب لا يجد تحسن عملي في مستواه، يبدأ في التشكك في قدراته ويجنح للاعتقاد الثاني الخاطئ وهو ان للغة “أهلها” وأنه لم يُخلق ليتعلم لغة جديدة. تتضاعف المشكلة عندما يتبادل الناس مقولة أن اللغة لا يمكن تعلمها إلا من بلد المنشأ وأن أية محاولة لتعلم اللغة الأجنبية في بلد غير البلد الأصلي لها هو مجرد “خدعة كبرى”.

مثل هذه المشكلات النفسية تتطلب حلول جريئة وشفافة. أبرزها الحوار بين المتعلم والطالب بخصوص طبيعة اللغة وتعلمها. مهم جداً أن يتناقش طرفا عملية التعلم الفكرة المغلوطة بخصوص قدرة الطلاب على تعلم اللغة في شهر أو شهرين وإلا فإن الطالب يفتقد للذكاء، القدرة، الإمكانيات اللازمة لتعلم اللغات. جلسات حوارية على شكل FOCUS GROUP قد تجعل الجميع يشارك تجاربه في تعلم اللغات ويعبر عن الجهد الهائل والوقت الطويل الذي تستلزمه اللغة الجديدة كي يتم اتقانها. الحل الثاني العملي هو فتح الباب لمختصي تدريس اللغات كي يترجمون مقالات مبنية على المنهج النقدي والذي يشكك في ضرورة السفر لبلد منشأ اللغة من أجل تعلمها. مئات الرسائل والأبحاث والدراسات ردت على النظرية الطبيعية في اللغة (نعومي تشومسكي) والتي تضع الانغماس في ثقافة ولغة البلد الهدف كشرط أوحد لتعلم اللغة بشكل صحيح. إن مناقشة مثل هذه القضايا بشفافية مع المتعلم سيسهم بلا شك في إعاد تشكيل شخصية الطالب ورفع ثقته بنفسه وبنظام التعليم في بلده، كما سيسهم في كسر صورة نمطية حتمية طالما ما سببت له قلقاً ونقص ثقة في إمكانياته.

 في الختام نقول، حاولت هذه المادة القصيرة ملامسة قضية هامة وهي القلق في التعليم، وتعليم اللغات بالأخص. كما ركزت على العامل النفسي المسبب للقلق وضيقت الخناق على هذا العامل لنصل إلى فرضية تقول أن المقولات المغلوطة التي يعتبرها الكثيرون حقائق مسلمة قد تكون سبباً رئيسياً لقلق معظم متعلمي اللغات. والحل من وجهة نظري ومن واقع خبرة، قد يبدأ من فتح باب النقاش في هذه المسلمات على مصراعيه وتوجيه دفته إلى حقيقة أكثر أماناً وموضوعية مما كنا نقرأه في كتب طرق تدريس اللغات الأجنبية.

1 تعليق

مواضيع مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

1 التعليق

آخر المواضيع

قائمة المحررين

الأكثر تعليقاً

فيديو