مرشد سياحي
Ipsef

رعاية الموهوبين من منظور إسلامي

رعاية الموهوبين من منظور إسلامي

تعد رعاية الموهوب واكتشاف المواهب فكرة عظيمة ينتج عنها خير للمجتمع والأمة البشرية كافة وبالنظر في عالمنا الإسلامي والعربي نجد أن أمتنا أمة حافلة بموكب كبير من المبدعين والموهوبين وممن كانت لهم أدوار في تطور الحياة الإنسانية وتحويل مسارها نحو المجد والفلاح.

فالصحابة والأنبياء عليهم السلام كان لهم الدور الأعظم في بناء الحياة وتحسينها وتعديل مسارات المجتمعات ولقد استطاع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ان يتلمس المواهب المكنونة في جميع الصحابة رضوان الله عليهم ونجد ان الناظر لا يكاد يجد أَحَد منهم الا وقد برز في مجال ما من مجالات الدين أو الدنيا فهل ياترى لا نستطيع أن نراعي مواهب أبنائنا ونكتشفها وننميها حتى يعود بالنفع على الأمة والنهوض بها حضارياً فالأمة في هذا العصر أحوج ما تكون الى قدرات أبنائها الفكرية والإبداعية لاسيما الوضع العالمي القائم الذي لم يترك مكاناً لضعفاء والمقلدة وإنما الساحة برمتها للمبدعين والمجددين والمتفوقين ضمن تنافس علمي شديد وتنازع سلطوي محموم بالموهوبون والمبدعون هم رأس المال الاجتماعي الذي يمثل ذخيرة الأمة لمستقبل واعد متفوق (مدحت 2000م:232)

 

من هذا المنطق نطرح أسئلة جوهرية يدور حولها حديثنا

معاملة الإسلام مع فئة الموهوبين بدءا من اكتشافها ؟

أهم الطرق التي استخدمتها التربية الإسلامية في رعاية الموهوبين من النواحي العقلية ، النفسية ، الجسمية.؟ 

صور من الموهوبون المعاقون في الإسلام؟

هذا ما سنحاول أن نجيب عليه والتي سندعمها بأمثلة تاريخية تبين كيف اهتم واعتنى المنهج الإسلامي بهؤلاء الفئة من ذوي المواهب بدء من عناية القرانَ الكريم ثم بذكر تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع المواهب التي رأها بين صحابته رضوان الله عليهم

 نماذج اكتشاف الهدي القرآني للمواهب وتشجيعها.

اكتشاف المواهب ليست بفكرة جديدة ووليدة وإنما هي متواجدة عبر الزمان وقصص القران الكريم حينما نتعمق فيها ونتأملها نجد إن هناك نماذج متنوعة من الذين يمتلكون المواهب العظيمة وفيما يلي رصد لمثل هذه النماذج ..عندما نقرأ ونتأمل قصة نبينا موسى وأخيه هارون عليهما السلام قوله تعالى على لسان موسى عليه السلام حينما أمره الله بالذهاب إلى فرعون قال الله تعالى ( وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي رداءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون ) (القصص:34) ادرك موسى عليه السلام الموهبة الكامنة في أخيه هارون وأنه لدي القدرة على توصيل الكلام بأسلوب أوضح وأبلغ منه يقول ابن كثير شارحاً للآية( أي أجعله معيناً ورداء وزيراً يساعدني ويعينني على أداء رسالتك إليهم فإنه أفصح لساناً مني),(ابن الكثير , البداية والنهاية,481/1)

نفهم ان موسى أراد ان يجعل موهبة أخيه هارون لخدمة الدين ورفعة الحق فهذا حقاً مانعني به عند قولنا ان الموهبة فيها خير للدين والمجتمع ..

 ⁃ يوسف عليه السلام من خلال قصة نبينا يوسف عليه السلام يظهر لنا ان صاحب الأمانة والولاية يولى على أمور الرعية ومن يكون عنده قدرات ومهارات بارزة ومميزة يحظى بالاهتمام ونكرمه بالفرصة لكي يثبت لنا مثل هذه المهارات نرجع لقصة نبينا يوسف عليه السلام حين عبر الرؤيا لملك مصر ما كان من الملك الا ان يستخلصه لنفسه لما رأى فيه من خير للبلاد والعباد وأنه ليس كأقرانه ( وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين )( يوسف:54)

 

 نماذج اكتشاف الهدي النبوي لمواهب الصحابة رضوان الله عليهم.

رسولنا الكريم هو القدوة الحسنة في طريقتنا لتعامل مع من  نرى في هذه المواهب والقدرات ومن يقرأ في السنة النوية يجد العديد من النماذج كانوا يشجعون هذه المواهب ويصقلونها نورد منها ما يلي:

*ظهور موهبة على بن أبي طالب رضي الله عنه مبكرًا، حيث أسلم وهو ابن عشر سنين، وامتاز بشجاعة فائقة وهو في سن الشباب، عندما نام مكان النبي صلى الله عليه وسلم ولبس ثوبه رضي الله عنه ، فقربه النبي صلى الله عليه وسلم منه، وأحاطه برعاية خاصة، وزوجه ابنته فاطمة، وكان شجاعًا مقدامًا، عندما كبر، فعن أَبِي بُرَيْدَةُ رضي الله عنه قَالَ: حَاصَرْنَا خَيْبَرَ فَأَخَذَ اللِّوَاءَ أَبُو بَكْرٍ، فَانْصَرَفَ وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ، ثُمَّ أَخَذَهُ مِنْ الْغَدِ، فَخَرَجَ فَرَجَعَ وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ، وَأَصَابَ النَّاسَ يَوْمَئِذٍ شِدَّةٌ وَجَهْدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إِنِّي دَافِعٌ اللِّوَاءَ غَدًا إِلَى رَجُلٍ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، لا يَرْجِعُ حَتَّى يُفْتَحَ لَهُ، فَبِتْنَا طَيِّبَةٌ أَنْفُسُنَا أَنَّ الْفَتْحَ غَدًا، فَلَمَّا أَنْ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الْغَدَاةَ، ثُمَّ قَامَ قَائِمًا، فَدَعَا بِاللِّوَاءِ وَالنَّاسُ عَلَى مَصَافِّهِمْ، فَدَعَا عَلِيًّا وَهُوَ أَرْمَدُ فَتَفَلَ فِي عَيْنَيْهِ، وَدَفَعَ إِلَيْهِ اللِّوَاءَ، وَفُتِحَ لَهُ )) رواه أحمد رقم / 21915.

* زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري من  أخوال رسول الله صلى الله عليه وسلم, يحكي زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَدَم المدينة، وهو زيد ابن إحدى عشرة سنة، فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم أن زيدا قرأ مما أُنزل على النبي سبع عشرة سورة ثم قرأ على النبي مما حفظه فأعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم بقراءة زيد. لم يتوقَّف الإعجاب عند هذا الحد، بل أدرك الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام ما تنطوي عليه شخصية زيد الفتى من قدرات فائقة يمكن أن توجه توجيها سليما يخدم الدعوة الإسلامية.(سير أعلام النبلاء,428/3)

التربية الإسلامية في رعاية الموهوبين من الناحية العقلية .(خالد  القرشي, تربية النبي لأصحابه في ضوء السنة والكتاب)

اعتنى الإسلام بالعقل اعتناء بالغا وجعله من الضروريات الخمس فالعقل يعتبر أساسا المعرفة عن الانسان فهو وسيلة إدراكه واقتضت حكمة الله عزوجل في ان يفاضل بين خلقة في نعمه فكما جعل الله التفاوت بين عباده في المال جعله بينهم في العقل والعلم والفهم وقوة البدن فكذلك أَصحاب العقول العالمة والآراء العبقرية الرشيدة نفعوا أنفسهم بما وهبهم الله من عَقل وموهبة لذا حرصت التربية الاسلامية على رعاية اصحاب الطاقات العقلية والمواهب العلمية وتجاوزت مرحلة الاكتشاف الى المتابعة فكان التشجيع سمة بارزة لمنهج التربية الإسلامية.

التربية الإسلامية في رعاية الموهوبين من الناحية الجسمية

 قامت التربية الإسلامية بتوفير كافة السبل لحفظ الجسم وتقويته وكان ذلك الحث والتوجيه لعامة المسلمين فالجسم هو قاعدة يرتكز عليها العقل والنفس لان هناك اتصال قوياً بين الجسم والنفس والعقل ويؤثر كل منهما بالآخر على هذا خصوا بتلك العناية الموهوبين منهم حيث برزت العناية في الحث على النشاط العقلي .

فهي الوسيلة لحفظ الجسم ورفع طاقته وزيادة كفاءته على الإنتاج فكان عليه الصلاة والسلام يحَدث اصحابه بالاهتمام بهذا الجانب فقال : الا أن القوة الرمي ، الا ان القوة الرمي ، الا ان القوة الرمي .. ( مسلم القشيري, حديث رقم 1104)

 

وضع القواعد العامة لحفظ الصحة

العناية بالصحة نهج عَام انتهجته التربية الإسلامية وتربي أتباعها عليه الا ان فئة الموهوبين من أوائل المنتفعين بهذا المنهج وان الطريق الى بناء العقول الرشيدة يكون عن طريق الأجسام الصحيحة المعافاة من ذألك التغذية المتوازنة فقد قال الله : ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف:31)

 

                        

  التربية الإسلامية في رعاية الموهوبين من الناحية النفسية

أولى القران الكريم عناية خاصة بالنفس الإنسانية واعتبر صلاح النفس الإنسانية طريقًا لسعادتها في الدنيا والآخرة فأقسم الله عزو جل بأحد عشر قسمًا في سورة واحدة على فلاح من زكى نفسه وطهرها وعلى خيبة وخسران من دس نفسه بالمعاصي والذنوب فقال تعالى وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ۱ وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا ۲ وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا ۳ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ٤ وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا ٥ وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا ٦ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ٧ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ۸ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ۹ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ),(الشمس:10)

 ومن صور الموهوبون المعاقون في الاسلام من كان لهم مكانة بالإسلام وحظوا باهتمام كبير وتم تشجيعهم من المجتمع الإسلامي وجعلهم شخصيات مشهورة

*أبو العلاء المعرّي، كفيف أيضاً درس فلسفة اليونان ونال من العلم والثقافات المختلفة وقرض الشعر وسمي رهين المحبسين، وله مؤلفات عديدة أثرت الفكر والثقافة العربية.

*أبو الأسود الدؤلي وكان أعرج وأصلع وبخيل، ومع ذلك كان شجاعاً وذكياً جداً، نعم بالرخاء على يد علي بن أبي طالب وأصبح قاضياً للبصرة ثم أميراً عليها وجعل وسيطاً بين علي ومعاوية ـ رضي الله عنهما ـ في معركة الجمل، وشارك في معركة صفين.

* أبان بن عثمان بن عفان كان أصم وأحول وأبرص ثم أصيب بالفالج، وكان من الفقهاء التابعين، وعيّن والياً على المدينة المنورة عام 76هـ.

 

ختاماً، إنه لا يوجد مصدر معرفي حث على استلهام المعرفة وتنمية المواهب ورعايتها أكثر مما جاء القرآن الكريم، ومما جاء في السنة النبوية الشريفة الرعاية القرآنية للموهوبين كان من أهم ميزاتها ربانية من حيث المصدر والهدف، فالله سبحانه هو من وضع في الناس الطاقات والمواهب والقدرات، فكل شخص له قدرة وطاقة في مجال من مجالات الحياة، كما وضع المنهج القرآني الداعم لهذه الطاقات فيمكن  للأمة الإسلامية اليوم العودة إلى الريادة، من خلال استلهام منهج القرآن الكريم والسنة النبوية في رعاية الموهوبين وتطبيقه، لحل مشكلاتها بالكامل في مختلف مناحي الحياة,فالإسلام تبنى الموهوبين ومواهبهم وقام بتوجيههم لما فيه خير لدين والدنيا وانا تشجيع المواهب ليس حكراً على القائد او الحاكم او اَي شخص له مكانه بالمجتمع يمكن لأي فرد ان يقدم الاهتمام والعناية والتشجيع لهم اذا رأي منه ما يستحق ذلك فلا بد من رعاية العقول واستغلالها إيجابًياً لصالح الفرد والعباد.

 

بقلم: نورة راشد العدوان

طالبة ماجستير موهبة

 

 

10 تعليقات

مواضيع مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

10 التعليقات

  • شروق السعيد
    ديسمبر 17, 2019, 2:55 م

    مقاله جميله جداً

    الرد
  • ابرار
    ديسمبر 17, 2019, 3:02 م

    ابدعتي استمررري
    ربي يوفقك

    الرد
  • عايشة السعيد
    ديسمبر 17, 2019, 3:08 م

    مقالة رائعة ومُمتعة جدًا، لديكِ تميز في الأداء والإلقاء وفقك الله وزادك من فضله 💕

    الرد
  • فجر
    ديسمبر 17, 2019, 3:53 م

    معلومات مفيده وررااائعه😍

    الرد
  • لولو
    ديسمبر 17, 2019, 4:15 م

    ماشاءالله .. بالتوفيق

    الرد

آخر المواضيع

قائمة المحررين

الأكثر تعليقاً

فيديو