تعرف جودة التعليم بأنها عملية إكساب الطلاب المعارف والمهارات اللازمة بالإضافة الى سلوك عملي تطبيقي يؤهلهم لتحمل المسؤولية ومواجهة المستقبل ويعطيهم القدرة على ابتكار الحلول للمشكلات التي تواجههم,
كما يرى الخبراء أن أبرز العوامل المؤثرة في تجويد التعليم تكمن في توفر بيئة مدرسية آمنة جاذبة للطلاب والمعلمين بالإضافة الى التفاعل الايجابي بين شرائح المدرسة مع بعضها البعض ومع المجتمع المحيط بها.
وقد اطلعت عن قرب على نموذج حي من نماذج الجودة في التعليم من خلال تجربتي في برنامج (خبرات) الذي تقيمه وزارة التعليم في السعودية إلى عدة دولة متميزة، وكانت فرصة معايشتي في دولة نيوزيلندا والمعايشة بالمدارس النيوزيلندية وهي إحدى أبرز التجارب التعليمية الرائدة والتي حققت في آخر استفتاء مركزا متقدما من بين أفضل التجارب التعليمية حول العالم وسأحاول هنا أن ألقي الضوء على هذا النموذج وأبرز العناصر التي أرى من وجهة نظري أنها ساهمت في جودة التعليم في نيوزيلندا.
المدرسة والمجتمع
سأبدأ بعلاقة المجتمع النيوزيلندي بالمدرسة والتي جوهرها التكامل والترابط فالمجتمع هو صانع القرار في المدرسة لأن مجلس الأمناء الذي يسيرها ويضع خططها الاستراتيجية ويقوم بدور الإشراف على المدرسة تربويا وإداريا ينتخبه المجتمع ويمثل فيه بعضوين أو ثلاثة كما أن رؤية المدرسة التي تسعى لتحقيقها تنطلق من رغبات واحتياجات مجتمع الاهالي المحيط بها بالإضافة الى أنهم يشاركون في عملية تقييم عملها يساعد على ذلك مكاتب الخبراء التعليمية التي تساهم في تقييم خطط المدرسة وتقدم الدعم والاستشارات بصفة دورية.
بيئة مدرسية جاذبة
تساهم هذه العلاقة المتينة التي ذكرتها في رفع كفاءة البيئة المدرسية في نيوزيلندا سواء على مستوى البنية التحتية والمرافق والتي يراعى في تصميمها وتنفيذها وتأثيثها وتوفر مستلزماتها أقصى احتياجات المتعلمين وإن كان على مستوى الإطار التربوي والإداري الذي ينظم علاقة شرائح المدرسة ببعضها البعض على أساس مهني احترافي يعزز التعاطي الايجابي بين الجميع ويؤسس لمجتمع أكبر يسوده تقدير الذات واحترام الاخر والحوار الايجابي بين أطرافه ومكوناته ويندرج تحت هذا الاطار قواعد سلسة واضحة تنظم سلوك المتعلمين وتساعد في بناء شخصية الطالب المستقلة.
المناهج المرنة
ومما يزيد من كفاءة بيئة التعلم النيوزيلندية المناهج المرنة التي ترتكز أولا وآخرا على احتياجات المتعلمين وترتبط ارتباطا وثيقا بمجتمع الاهالي المحيط بالمدرسة وتتيح للمعلم والمدرسة صلاحية تخطيط المناهج التي تتناسب مع نوعية متعلميهم وفق اطار عام للمناهج بالتعليم النيوزيلندي تلتزم به جميع المدارس .هذه المناهج في غالبها مناهج عملية تطبيقية تضع الطالب في حالة بحث دائم عن المعرفة وتكسبه مهارات التفكير العليا كالتحليل والتركيب وتعزز مهارة التفكير الناقد اعتمادا على منهجية في التعلم تسمى(Teaching For Inquiry) او ما يسمى (التدريس بالاستقصاء)
مسارات دراسية متعددة
تلعب المسارات التعليمية المتعددة التي توفرها المدرسة النيوزيلندية أمام طلابها دورا هاما في زيادة جاذبية المدرسة وكفاءة بيئة التعلم, فبجانب المواد النظرية والعلمية والحسابية التي يتلقاها الطالب بالمدرسة الثانوية هنالك حزمة من المواد التطبيقية الاختيارية والتي تؤهل الطالب لسوق العمل وتدربه على مهارات كالتصميم والمونتاج والنجارة والطبخ والسياحة وكذلك الزراعة والأكاديميات الرياضية وترتبط هذه المواد بنتائج ومهارات الطلاب في المواد النظرية الاخرى كما توجد بالمدرسة كل الورش والمعامل الخاصة بهذه المواد التي تساهم في إكساب الطالب المهارات الحياتية والعملية التي تهيئه لسوق العمل بمجرد تخرجه من الثانوية.
الشراكة مع القطاع الخاص
وكرافد من روافد الدعم لعملية التعليم ينخرط القطاع الخاص بشكل كبير في المدرسة النيوزيلندية من خلال دعم بعض المشاريع الاستثمارية للمدرسة وكذلك في تجهيز ورش المواد التطبيقية والمعامل كما يشارك في عملية تدريب الطلاب واختيار المتميزين منهم لوظائفه ولعل أبرز ما رأيت في هذا المجال هي (MAGS FARM) وهي مزرعة بناها أحد البنوك بجوار مدرسة (MAGS ) الثانوية والتي تستغلها المدرسة بجانب الشأن الاستثماري في تدريس مواد تتعلق بالزراعة والبستنة تساهم في رفد المجتمع المحلي الذي يرتكز على مهنة الزراعة بالأيدي العاملة المدربة من طلاب الثانوية.
التقييم والتقويم
أنتقل الى عامل مهم أيضا وهو كفاءة عمليات التقييم والتقويم والتي تتمحور حول الطالب وتراه محور عملية التعلم وترى أن معيار الجودة في التدريس هو في الخطوات التي يمر بها المتعلم أثناء الدرس وليس المحصلة النهائية للطالب فالمهم في المدرسة النيوزيلندية هو كيف تعلم الطالب وليس ماذا تعلم.
كل هذه العوامل يرى أثرها عيانا بيانا على طلاب يتوافدون بكل شغف الى مدرستهم ويلتزمون فيها بأبسط قواعد السلوك وترى فيهم مدى التطابق بين القيم المكتوبة في خطط المدرسة والقيم المنجزة في سلوكياتهم كتقدير الذات واحترام الاخرين واحترام الوقت والحفاظ على الممتلكات العامة وثقافة الحوار وتقبل الآخر والتي يبنى عليها منهجهم الدراسي وتجدها ماثلة في تعاملهم مع الاخرين كما أنهم في نظر المدرسة مشاريع يتم إعدادها لتكون جاهزة للمستقبل بمجرد تخرجهم من الثانوية وقد اكتسبوا المهارات والمعارف اللازمة لسوق العمل والجامعات.
1 تعليق
1 التعليق
عبدالله العيافي
يوليو 7, 2020, 8:29 مجميل🤙
الرد