مرشد سياحي
Ipsef

مشكلة الرهاب الاجتماعي

مشكلة الرهاب الاجتماعي
كتابة: سميه مبارك الشريف

ما هو القلق الاجتماعي (الرهاب الاجتماعي)؟

 

خلق الله تعالى الانسان محباً للحياة الاجتماعية والتآلف مع غيره من بني البشر، فمن المستحيل أن يعيش الفرد بمفرده. فالحياة الاجتماعية هي جانب من جوانب حياة أي إنسان وتختلف من شخص لأخر، كما تختلف المواقف الاجتماعية من شخص لأخر. ومن الطبيعي أن يشعر الانسان ببعض من التوتر والقلق في حياته الاجتماعية، ولكن قد يزداد هذا الشعور بحيث يؤثر في علاقة الشخص وتفاعلاته اليومية مع الاخرين، فمن الممكن أن يؤثر القلق على حياة الفرد ودون أن يشعر بأنه مصاب بعلة اجتماعية أو نفسية. وتعد الأمراض الاجتماعية أو النفسية أخطر من الأمراض الجسمية ومن هذه الامراض اضطراب الرهاب الاجتماعي الذي انتشر بشكل كبير بين المراهقين والاطفال ومختلف الاعمار.

 

وعلى سبيل المثال دراسة أجراها ( 2017 )et al.  Alkhalifah ذكروا أن نسبة الانتشار للرهاب الاجتماعي في المملكة العربية السعودية (١١٪)، وأرى أنها لا تعتبر نسبة بسيطة لمشكلة كهذه. كما أظهرت الدراسات أن الأشخاص ذو الرهاب الاجتماعي تكون لديهم اضطرابات نفسية وسلوكية غالباً ما تعقب ظهور الرهاب الاجتماعي لديهم.  كما أن هؤلاء الاشخاص يميلون إلى تعاطي الكحول والمخدرات وقد يميلون الى الانتحار (حسين، 2009 ؛ أبو هدروس 2012).

 

ويعد الرهاب الاجتماعي نوع من انواع اضطرابات القلق و يعرف كلا من , 1995 )  Liebowitz and Schneier ؛ الحمد واخرون ،( 2016  الرهاب الاجتماعي بأنه خوف مستمر ومستديم من المواقف الاجتماعية، أو مواقف الأداء التي يتعرض فيها الأفراد إلى التفحص حيث يخشون من التصرف بطريقة تعرضهم إلى الشعور بالإحراج أو الاذلال، ويتم تجنب مواقف الأداء أو المواقف الاجتماعية التي يهابها الفرد نتيجة لذلك، أو يتم تحملها بقدر كبير من الضيق والقلق الشديد.

 

فبالتالي أرى أن مشكلة الرهاب الاجتماعي ازدادت في عصرنا الحالي، ونسبة الانتشار إزدادت في مجتمعات عديدة ولا تقتصر على مجتمع دون آخر، فلهذه المشكلة أسباب وأعراض وسلبيات سوف أعرضها لاحقاً. وبكل تأكيد للرهاب الاجتماعي آثاراً سلبية تؤثر بشكل جوهري في أنشطة الفرد الروتينية أو في أدائه لمهامه الدراسية أو الوظيفية أو في أنشطته الاجتماعية ( عيد ، 2002 ؛ المومني و جرادات ، 2011 ).

 

اتفق هنا في تعريف ووصف الرهاب الاجتماعي مع الركيبات (2015) بأنه عبارة عن استجابة انفعالية ومعرفية لموقف يُتوقع أن يكون مؤذياً، أهم مايميزه حضور الاخر أو توقع حضوره وبالتالي التأثير السلبي على عمليات التفاعل الاجتماعي، وعندما تتأثر عمليات التفاعل الاجتماعي تظهر عدة مظاهر للفرد، ومنها على سبيل المثال مشاعر القلق التي تحيط بالفرد ويشعر بالانزعاج والضيق في حال أنه كان في موقف ما أو تظهر سلوكيات نتيجة تعرض الفرد إلى موقف اجتماعي يسبب له القلق مثل قلة الحديث أو الخجل أو الارتباك.

 

أما بالنسبة لأسباب الرهاب الاجتماعي أرى أنها تختلف من شخص لآخر فممكن أن تكون أسباب وراثية تنشأ مع الفرد منذ الولادة أيضاً. ويعتبر الخلل في بعض المواد الكيميائية في الدماغ سبباً من أسباب الرهاب الاجتماعي زيادة على الظروف الأسرية التي يتعرض لها الفرد. فمن الممكن أن تبحث الاسرة عن علاج بحيث لا تدرك أنها السبب الرئيس في مصدر هذه المشكلة التي يعاني منها المصاب. ومن أسباب الرهاب الاجتماعي أيضاً، قلة الثقة بالنفس لدى المصاب وقلة الدعم له أو تجاهل المشكلة من قبل المقربين له، فالثقة بالنفس أمر مهم جداً لتخطي جميع المشاكل والحل الأنسب الذي يجب على الفرد التمتع بها.

 

كما ذكرت دراسة السوالقة والحوسني (2018) بأن المصاب بالرهاب الاجتماعي يتعرض لعدد من المشاكل والخسائر الاجتماعية والمادية والمهنية والصحية، فالرهاب الاجتماعي يرتبط بأعراض عديدة منها أعراض جسمية، معرفية، نفسية، وسلوكية. فمن الأعراض النفسية الحساسية المفرطة، الخوف، تجنب الاخرين في المواقف الاجتماعية، انخفاض في تقدير الذات لدى الفرد.

 

أما الأعراض الفسيولوجية تظهر لدى الفرد المصاب بشكل ملحوظ في المواقف الاجتماعية المسببة للقلق أو حتى مجرد التفكير في هذه المواقف مثل رعشة الأطراف، خفقان القلب، التعرق، الغثيان، التبول اللاإرادي وغيرها من الاعراض العديدة المصاحبة للرهاب الاجتماعي.

 

وترتبط الأعراض النفسية مع الأعراض الجسمية كما ذكرها المتعافي من الرهاب الاجتماعي الشاب عبدالعزيز البقيلي الذي ظهر في لقاء تلفزيوني بأنه كانت لديه الآم وتشنجات في البطن بسبب الاكتئاب والقلق والرهاب الاجتماعي.

 

ويختلف الرهاب الاجتماعي في وجود تأثير سلبي كبير على مجالات العمل والمجالات الاجتماعية والمهنية وعدة مجالات أخرى للفرد، يبدو أن مضاعفات الرهاب الاجتماعي تختلف من مصاب لآخر حسب حدة الاضطراب فلابد على المصاب أن يسارع للعلاج؛ لأن الرهاب الاجتماعي يسبب عدة أمور ومنها الانعزال، تعاطي المخدرات للمراهقين، فرط التحسس للنقد الموجه له من قبل الاخرين، ضعف المهارات الاجتماعية، الانتحار أو محالات الانتحار، فلابد من التدخل المبكر والوقاية للتقليل من الاثار التي تحصل للمصاب.

 

ومن طرق الوقاية أن يطلب المصاب المساعدة والدعم المبكر لتفادي تفاقم المشكلة ويمكن للمصاب أيضاً أن ينظم وقته بترتيب أموره ومشكلاته وحياته للحد من مشكلة القلق التي قد تكون بداية في مشكلة الرهاب الاجتماعي.

علاوة على ذلك عكس الرهاب الاجتماعي التكييف النفسي والصحة النفسية التي يشعر الفرد فيها ويتمتع بالاتزان النفسي والطمأنينة والتكيف مع الواقع وإقامة علاقات ناجحة والرضا التام عكس المصاب بالرهاب الاجتماعي.

 

أرى أن البعض يعتقد مشكلة الرهاب الاجتماعي هي صفة خجل يتسم بها الفرد فهذا غير صحيح، إذ يختلف مفهوم الخجل تماماً عن الرهاب الاجتماعي كما ذكرت دراسة (  Scheier & Goldmark , 2015 ) أن الخجل سمة شخصية ليست مرضية مثل الرهاب الاجتماعي وأن العديد من الأشخاص المصابين بالرهاب الاجتماعي يعتبرون أنفسهم خجولين.

 

قرأت في منشورة “Beyondblue” عن الرهاب الاجتماعي بأن الأبحاث أظهرت أن العلاج النفسي له فعالية أكثر في مساعدة الأشخاص الذين يعانون من الرهاب الاجتماعي، أما إذا كانت أعراض الرهاب الاجتماعي شديدة فقد يكون العلاج الطبي أنسب من العلاج النفسي مثل الأدوية المضادة للاكتئاب وغيرها. فالعلاج النفسي وخصوصاً العلاج المعرفي السلوكي يكون فعالاً في الحد من أعراض الرهاب الاجتماعي، وعلى سبيل المثال إن العلاج المعرفي السلوكي يساعد المصاب على تعلم مهارات تكسبه الثقة بالنفس في المواقف الاجتماعية والحد من نسبة القلق لدى المصاب.

 

أخيراً، صدق رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في قوله ” المسلمُ أخو المسلمِ، لا يظلِمُه ولا يُسلِمُه، من كان في حاجةِ أخيه، كان اللهُ في حاجتِه، ومن فرَّج عن مسلمٍ كُرْبةً، فرَّج اللهُ عنه بها كُرْبةً من كُرَبِ يومِ القيامةِ، ومن ستر مسلمًا، ستره اللهُ يومَ القيامةِ “. فهُنا نضع بصماتنا كمرشدين أو كمجتمع واحد أو كأخوة في مساعدة مرضى الرهاب الاجتماعي للتعافي والحد من المشكلة، فيجب علينا التشجيع والدعم النفسي والمعنوي للمصابين في علاج ومواجهة هذا الاضطراب.

 

وفي الختام، كلمة أوجهها للمصاب بالرهاب الاجتماعي لا تعتقد أن أقراص الدواء كافية لشفائك بل عليك الوقوف على قدميك للمواجهة وتحدي النفس في الشفاء، وليس عيباً أن تطلب المساعدة من الآخرين، وعليك أن تمارس حياتك بكل ما فيها، لا تُشعر نفسك بالذنب، عبّر عن مخاوفك وعّبر عن الرهاب، كافئ نفسك، تحدث واقرأ على مهلك لا تشعر نفسك بالارتباك ولا تفكر بالفشل، مارس عباداتك، صلّي لأن الصلاة طريقة للحصول على السلام الداخلي والطمأنينة والتخلص من الأفكار السلبية، تذكر أن إيمانك بالله يكتب لك الخير دائماً ويزيد من سلامك النفسي.

 

المراجع العربية :

-أبو هدروس, ياسرة محمد أيوب. ( 2012  ), فاعلية برنامج ارشاد جمعي في خفض مستوى الرهاب الاجتماعي لدى الاطفال المتضررين من الحرب الإسرائيلية في المناطق الحدودية بقطاع غزة. مجلة الزرقاء للبحوث والدراسات الانسانية, 12 ( 1 ) 27-92.

-الحمد , نايف فدعوس, العوهلي, خالد بن ناصر, و حميدات, محمود أحمد. ( 2016 ) . مستوى الرهاب الاجتماعي وعلاقته بالتكيف النفسي والاجتماعي لدى الطلبة السعوديين في الجامعات الاردنية. دراسات العلوم التربوية, 43 ( 5 ), 1886-1871 .

-الركيبات, امجد فرحان . ( 2015 ) . درجة الرهاب الاجتماعي وعلاقتها بمستوى التحصيل الدراسي والجنس لدى طلبة الصف العاشر الاساسي في الاردن. المجلة الدولية التربوية المتخصصة

 ,4 ( 2 ). DOI : 10.12816/0009851

-السوالقة, رولا عودة , الحوسني, محمد اسماعيل . ( 2019 ) . الرهاب الاجتماعي من التنظير الاجتماعي الى سبل العلاج : دراسة سوسيولوجية  إكلينيكية . مجلة الشارقة للعلوم الانسانية والاجتماعية, 16 ( 2 ), 138-112. https//:doi.org/10.36394/jhss/16/2A/6

-المومني, فواز أيوب , جرادات, عبدالكريم محمد . ( 2001 ) . الرهاب الاجتماعي لدى الطلبة الجامعيين : الانتشار والمتغيرات الاجتماعية الديمغرافية . المجلة الاردنية للعلوم الاجتماعية, 4 ( 1 ), 88-71 .

-البقيلي , عبدالعزيز . 2020 يونيو28  . تجربتي مع الرهاب الاجتماعي ( فيديو ). يوتيوب . https://youtu.be/FqWlSubefkg

 

المراجع الاجنبية:

-Alkalifah,A , Alsalameh,N , Alhomoaidhy,M and Alrwies,N.( 2017 ). Prevalence of Social phobia among Medical Students in Saudi Arabia . The Egyptian Journal of Hospital Medicine , 69 ( 5 ) , 2412 – 2416 . DOI : 10.12816/0041685

-Scheier,F and Goldmark, J . ( 2015 ). Social Anxiety Disorder. Springer International Publishing Switzerland , 6 ( 3 ) , 50-67 . ‏DOI: 10.1007/978-3-319-13060-6_3

-Social phobia, Beyondblue ( https://www.beyondblue.org.au/docs/default-source/default-document-library/bl0509-social-phobia.pdf?sfvrsn=cdc41dea_4 )

 

كتابة: سميه مبارك الشريف

باحثة ماجستير علم النفس – توجيه وإرشاد تربوي

بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة

 

Image from: pixabay.com

 

مواضيع مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

آخر المواضيع

قائمة المحررين

الأكثر تعليقاً

فيديو