التعلّم عن بعد الموجّه للطفل-تحديداً- فتح بصيرتنا كمعلمين وأولياء أمور على عدد من الأمور الإيجابية، على سبيل المثال: إمكانية إدارة سلوك الطفل وتعديله أو إكسابه سلوك آخر “عن بعد”، كذلك التعلّم الأمثل للطفل في كيفية استخدام التكنولوجيا إيجابياً، تعلّم أولياء الأمور كيف يعلّمون أطفالهم وإن كانوا بدون خبرة كأن يكون طفلهم الأول عبر الحضور في الفصول الافتراضية برفقة طفلهم.
أيضاً اكتشاف نقاط القوة و الضعف لدى الطفل والعمل المشترك عليها بين المدرسة و الأسرة فالجميع يلتقي بسهولة و يسر في القاعات الافتراضية، وعلى الجانب الآخر برزت قضايا أخرى مؤثرة سلباً على الطفل، فقد اتضح لي كمعلمة أطفال في الميدان أن هناك بعض من أولياء الأمور -غالباً الأم- وبعض المعلمون قد أنشأوا من الأطفال نسخاً جديدة أرى أنه من الملائم تسميتها بـ(الطفل المفلّتَر)!.
تناولت د.رينيه إنجلن DR.Renee Engeln في كتابها (مرض الجمال Beauty sick) الهوس بمظهر النساء والفتيات -تحديداً- وتأثيره على صحتهن العاطفية والجسدية والمادية والفكرية. وأشارت إلى أهمية التحرر من القوى الثقافية التي تغذّي الرغبات والسلوكيات والأفكار التي ترسم صورة معينة وتشوّه النساء. وأنا أتفق مع ما تصبو له الدكتورة رينيه. ففي مجتمعنا المحلي نلاحظ أن الأمر تمدد وتعدّى الحدود بوصوله للأطفال عبر الوالدين والكبار وطال بالتساوي الإناث والذكور كما لو كانت ثقافة جديدة -بائسة – عبر استخدام الفلاتر حيث تغيير لون العينين، البشرة، الشعر، حجم الملامح والجسم.
وهذا ما واجهه الكثير من المعلمون/ المعلمات مع الطلبة / الطالبات في مختلف المراحل الدراسية، وأولياء أمورهم الذين صمموا أشكال أطفالهم – كما يتمنون – طوال فترة التعليم عن بعد، فأنا شخصياً واجهتني مشكلة التعرّف على بعض الأطفال بصورة مختلفة عندما أصبح التعليم حضورياً لقد شعرت كما لو أنهم قد عبثوا في ذهني لمجرد أن واجهت هذا الاختلاف الكبير في صورة البعض فما بالكم بشعور الطفل وفكرته عن ذاته التي يستمدها من الكبار ومن معاملتهم له! ما الرسالة التي أُوصِلْهَا للطفل بإستخدامي للفلاتر لتغيير لون عينيه وبشرته وشعره وملامحه؟
كم مره يشاهد الطفل نفسه في المرآة بوعي ليدرك أن هذا هو؟ وكم مرة يشاهد نفسه في الصور والفيديوهات المفلترة على شاشة الجوال -التي يتعامل معها الكثير من الوقت-سواء للدراسة أو اللهو؟ ماهي الصورة الذهنية التي تكوّنت في ذهن هذا الطفل عن مظهره؟ وما هي القيم الجمالية التي تكوّنت في اللاوعي لدى هذا الطفل؟
استخدام “الفَلّتَرَه”طوال الوقت على صور الطفل هو عبث بإدراك صورة الجسم في ذهن الطفل وتعدّي على صورته الحقيقية.
لقد تسرّبت لنا معايير جمالية محدده مع كثرة استخدام برامج(الفلتره)المتاحة لإستخدام الصغير و الكبير لسهولتها و توافرها بالمجان.إن صورة أجسادنا جزء من هويتنا (من أنا؟)، وإن أقدم الكبار على اقتحام هوية الطفل بالفلترة فهذا يعرّضه للإغتراب النفسي فهناك حاجز غريب بين صورته الحقيقية وصورته الذهنية المفلترة، وهكذا نورّث الطفل القيم الجمالية التي عليه أن يكون متسماً بها ليصبح جميل/مقبول لدى الآخرين وبالتالي لدى ذاته.
وقد أشار كولنجس (Collings, 2005) إلى وجود أربع مكونات متضمنه في بنية صورة الجسم وهي: المظاهر المعرفية، والانفعالية، والسلوكية لصورة الجسم.
كذلك ناقش (ايكيدياIkedea و نورسكي Naworski 1992) تأثير التعليقات من الوالدين وأفراد الأسرة على صورة الجسم لدى الأطفال فالتعليقات السلبية حول العادات الغذائية للطفل تصبح مؤذية وتتسبب في إنشاء علاقة غير صحية مع الطعام، وأيضاً هذا النوع من التعليقات حول الوزن الزائد -خصوصاً- قد يقود لعلاقة غير صحية مع أنظمة الحمية في سن مبكر وهذا التأثير سيطال وعيهم حول أجسادهم.
أما (Davis,1999) فقد ركز على تأثير مشابه لما ذكراه (ايكيديا Ikedeaو نورسكيNaworski ) حيث أن التعليق على أجساد الآخرين والحديث السلبي للوالدين أو أحد أفراد الأسرة الذي يقوم بحمية ويستمع الطفل لتعليقاته السلبية حول جسمه وحميته فإنه يرسل للطفل رسالة مفادها أن القلق حول الوزن أمر طبيعي ومُتَوَقّع كما أنه يؤثر في جعل الطفل يضع نفسه في مقارنة و يشعر بالسلبية حول جسمه إن لم يكن يرقى للمقاييس. إن الأسر التي تحمل توقعات عالية لأطفالهم ستتسبب بإنشاء صورة سلبية حول الجسم عندما لايلبي هذه التوقعات مما قد يقود الطفل للشعور بعدم الكفاءة والاكتئاب أو الشعور بالذنب.
وهذا يعني أن الطفل الذي اعتاد على رؤية صورته المفلترة يتكوّن لديه عدم رضا عن الجسم عبر الإدراك الخاطئ والمشوّه للجسم، فقد صمّم الكبار صورة محددة في عقله وهي مختلفة عن المظهر والهيئة الحقيقية له، وهذا يدفعنا للربط بين ذلك و بين تقدير الطفل لذاته وثقته بنفسه والتقييم الذي سيحمله الطفل تجاه نفسه هل سيكون إيجابياً أم سلبياً تأثّراً بالصورة الذهنية المتكوّنه ومدى التقبّل لصورة جسمه الحقيقي.
انتبه، جسم الطفل ليس مادة للتصميم!
لنتقبّل أطفالنا كما هم ونحمي صورتهم الحقيقية من أي فِكر مشوّه ونقوي ثقتهم بأنفسهم مع كل هذا التنوع الذي خلقه الله -تعالى- لتصبح الحياة أجمل فلم نُخْلَق نسخاً مكررة بل لكل شكل جماليته الخاصة به. فالحمدلله الذي خلقنا في أحسن صورة.
المصادر:
-Collings, A. (2005): The Relationship between Body Image and Weight Maintenance in Community Woman Enrolled Weight- Loss Programs.
-Engeln, R. Beauty Sick: How the Cultural Obsession with Appearance Hurts Girls and Women.
-Davis, B. (1999). What’s real, what’s ideal: Overcoming a negative body image. New York: Rosen Publishing Group, Inc.
Image from: BBC.COM
كتابة:
أمل طاهر الأسود
1 تعليق
1 التعليق
احلام الشمراني
مارس 14, 2022, 10:00 صرائعة رائعة رائعة 👍🏻
الردتكلمتي عن موضوع دائما يشغلني واحاول اقنع الي حولي فيه 👏🏻