مرشد سياحي
ltespo

رمضان .. يعني أكل؟

رمضان .. يعني أكل؟
كتابة: مها الفوزان

في أول أسبوع من رمضان سمعت نداء طفلي من وسط صناديق الألعاب مخبرا وبنبرة تعلوها الدهشة والفرح “ماما لقيت الروبوت كنت أدوّره”  شاركته الانبهار والفرح وقلت الحمدلله ..

 

– ” يمكن كريسمس رجعه وانا نايم ” 

 – “مين كريسمس؟”

فأجاب وهو يلعب:

“الجد اللي يجيب للأطفال هدايا وألعاب وهم نايمين”

 

تلاشت كل الكلمات في فمي؛ إلا من سؤال تبادر إلى ذهني مباشره فسألته (عزيز يعني أيش رمضان؟)

فأجاب ببديهية من يجيب عن اسمه (رمضان يعني أكل).

 

لم تكن إجابته صدمة بل انعكاس واقع يعيشه جيل العالم المفتوح.. رغم كل ما يبذله الآباء من جهد لصد ما لا يمكن منعه من تيار المشاهدات في الأجهزة الرقمية والتي لا نملك دونها إلا أن نبذل الجهد في تأصيل وتصحيح قيمنا الدينية في نفوس أبنائنا وتعزيز انتماءهم وترسيخ هويتهم. فالأمان القيمي والديني الذي أغمض والدينا أجفانهما عليه في دار التوحيد ومنبع الرسالة افتقدناه في بوتقة رقمية مزجت الأديان والمعتقدات والخير والشر.

 

وها هو طفلي وطفلك يواجه عالما مختلفا تنشأ فيه قيمه ومعتقداته وأفكاره في غفلة منا رغم القرب. ما أدركه أن ابني وُلد في عالم مختلف. لا يُجمع الأسرة الكبيرة بأحفادها يومياً على مائدة الإفطار، مع حديث الطنطاوي القيّم والعفوي. ولم يترقب البرامج والفوازير (الرمضانية). عزيز لم يتحلّق مع عائلته بل شعبه على ذات المسلسل بعد الإفطار ولم يلعب في ساحة المنزل وهو يسمع تلاوات مساجد الحي في التراويح، وصلاة الحرمين داخله عبر القناتين اللتين لم يكن لهن ثالث. عزيز لم يغالب النوم مللا من مسلسل تاريخي، أو يغفو على موعظة للشعراوي.

 

وعزيز ربما أدرك فقط أننا ننتظر سماع الآذان لنأكل، ونشرب قبل أن نسمع الأذان. وأننا نغيب لنصلي في المسجد، أو في غرفة مقفلة هرباً من إزعاجه. ليظل هو متشوقا لاستراق جوال ماما أو الايباد. فقنوات الأطفال المتاحة كل الوقت لم تعد برفاهية خيارات قنوات اليوتيوب أو متجر الألعاب. ولم تعد الدور تحوي أبناء العمومة وعاد حضور الضيوف بلا أطفال. فصاحَب أطفالنا صغار وكبار الشرق والغرب عبر الألعاب الالكترونية وقنوات اليوتيوب دون وعي منا.

 

إن مهمة تأسيس العقيدة وتأصيل الهوية والقيم الإسلامية والتعبدية للدين في نفوس أجيالنا القادمة أولوية   عظيمة ومؤثرة في بناء مستقبلهم والتفصيل في ذلك لا يمكن حصره ولكن المؤكد أن مسؤوليتنا كآباء ومربين  هي وجوب الالتزام بقضاء وقت (نوعي) يشغل بقراءة  القصص الهادفة أو  مشاركة اللعب ومناقشة الافكار واليوميات والأحداث يوميا مع كل طفل وبانفراد ولو ل٢٠ دقيقه فقط. فبقدر ما نكون أقرب معنويا بالمشاركة والتفهم لا بالوجود والمسافة سنربي ونؤسس المفاهيم والمعتقدات الصحيحة والسليمة. ولا شك أن لمؤسسات التعليم والإعلام الوطنية والاسلامية دورها في خلق بيئة رقمية اعلامية وإثراء المحتوى العربي والاسلامي المرئي للأطفال بشكل مشوق وجاذب ومنافس.

ولعل من أجمل ما شهدته هذا العام من الأساليب التربوية التي لمست أثرها في عيش تجربة رمضان مختلف، ما قامت به معلمة ابنتي في الصف الأول الابتدائي في بداية رمضان بالاحتفال بقدومه وتوزيع مذكرة جميلة ليوميات رمضانية تحوي كل صفحة تاريخ اليوم وتلوين سلّم الفروض الخمسة، ومقولة دينية، ومهمة أداء تصرّف ايجابي ومن ثم مشاركة كل طفلة أداء هذا الواجب بمقطع فيديو يتم مشاركته مع الأمهات عبر مجموعة الواتس اب، ومشاهدته في اليوم التالي في الفصل مع المعلمة مع النقاش في العادة الايجابية التي طبقتها الطالبة في الفيديو.

 

هذا النشاط  كان أثره فعال ومشاهد بالتركيز على إثراء التربية القيمية وتعزيز العادات الايجابية والأخلاق الإسلامية لرمضان بعيدا عن الصورة النمطية لرمضان بزينة أو ملبس أو مأكل ما؛ من خلال أداء ومشاركة المقاطع التي طبّق فيها الصغار المهام الرمضانية والتي منها؛ مكالمة الجدة للتهنئة بقدوم الشهر والاطمئنان؛ تقديم التمر للوالدين عند الافطار؛ تفطير الصائم؛ إطعام الجار، توزيع السواك؛ تعليم الأخ الأصغر أو أحد الأصدقاء أحد الاذكار؛ تعليم أحد الصغار الفاتحة؛ الذهاب مع الأم لصلاة التراويح وغيرها من العادات الحسنة حتى ختام الشهر بثلاثين عمل إيجابي. مما صنع في أذهان الصغيرات رمضان مختلف عن بقية الأشهر تعبديا وتربويا.

 

وختاما، وكما روي أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لما قدم المدينة وجدهم يحتفلون بعيدين، فقال: {كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله بهما خيرا منهما، يوم الفطر، ويوم الأضحى} [رواه أبو داود والنسائي].

 

نأمل ان تكون أيام العودة الأولى للمدرسة مخصصا للمعايدة وليحضر الأطفال بلباس العيد ولتخفض ساعات الدوام لليوم الأول فقط ليكون مخصصا للفرح ولمشاركة اصدقائهم احتفالهم وهداياهم بالعيد. فذاك من إحياء شعائر الله وتعزيز الشعور الايجابي بالاحتفال بالعيد بالمدرسة كما كان في المنزل والذي سيزاحم في أذهانهم صور احتفالات الثقافات والأديان الأخرى.

وليدرك اطفالنا أن ثمة فرحة عظمى سيعيشها كطفل (مسلم) في (عيد الفطر).

 

 

مواضيع مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

آخر المواضيع

قائمة المحررين

الأكثر تعليقاً

فيديو