مرشد سياحي
Ipsef

التعلم الاجتماعي الوجداني في التعليم

التعلم الاجتماعي الوجداني في التعليم
د. رباب صالح الحربي

يعد التعليم ضرورة وركيزة من الركائز الدالة على مدى تقدم الدول وتميزها، ولقد اظهرت حكومة المملكة العربية السعودية اهتماماً كبيراً بتطوير التعليم وتعزيز فاعليته. ومع انفتاح العالم وتطوره السريع، تواجه أنظمة التعليم فيه تحديات متجددة ومستمرة.

 

لذلك تجتهد وزارة التعليم في السعودية في التقييم المستمر للنظام التعليمي للوقوف على متطلباته واحتياجاته. ويعد البحث العلمي عنصراً فعالاً مساعداً في الكشف عن متطلبات التعليم واحتياجاته، ومن المشكلات الخاصة بالتعليم التي كشفتها الاحصائيات والدراسات السابقة ما يلي:

 

– الفاقد التعليمي والذي يظهر في تدني التحصيل الدراسي، انخفاض الدافعية للتعلم والاستمرار فيه، ارتفاع معدلات الرسوب والتسرب، وعدم ملائمة المخرجات لحاجات المجتمع ومتطلباته (أخضير، ٢٠٢١; جبران، ٢٠٢١).

 

– ظاهرة التسرب الدراسي وكشفت دراسة لوزارة التعليم بالمملكة أن نسبة ٢٦٪ من اصل ١٠٠٠ طالب تركوا الدراسة دون ان يحصلوا على المتوسطة العامة، وقدرت التكلفة المهدرة بواسطة طلاب المرحلة المتوسطة بمقدار ٢٤٩ مليون ريال (أخضير، ٢٠٢١) ويتضاعف حجم الفاقد بتضاعف عدد الطلاب (الغامدي، ٢٠٠٢) لا سيما بعد تأثر المدارس بجائحة كورونا.

 

-التنمر والعنف المدرسي حيث تشير الاحصائيات الى تعرض نصف الطلاب في مرحلة ما من حياتهم المدرسية للتنمر (السهيمي وآخرون، ٢٠٢١)، وأن معدلات العنف المدرسي باختلاف اشكاله في المدارس في ازدياد (البحيران، ٢٠١٥ ; البنتان، ٢٠١٩).

 

-التنمر الإلكتروني حيث اشارت دراسة ان نسبة ممارسة التنمر الإلكتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعي لدى عينة تكونت من (٦٥٤) طالب وطالبة من طلاب المرحلة الثانوية في مدارس تبوك هي ٦٩٪ ونسبة التعرض له ٧٥٪ (العنزي، ٢٠٢١).

 

ومن التوصيات المشتركة في الدراسات السابقة لعلاج هذه المشكلات المؤثرة سلبياً على دافعية المتعلمين ضرورة:

-تعزيز منظومة القيم لدى الطلاب.

-العمل على تقوية العلاقة التربوية بين الطالب والطالب، وبين المعلم والطالب.

-الاهتمام بالصحة النفسية والتوافق النفسي والاجتماعي للطلاب.

-تحقيق رغبة الطلاب في الاهتمامات والأنشطة التي يختارونها، وتنويع الأساليب التي تجذب انتباههم.

-تعزيز الادارة الذاتية لدى الطلاب كإدارة الوقت. (السهيمي وآخرون،٢٠٢١; العنزي، ٢٠٢١ ; محمود ومحروس، ٢٠١٩).

 

والسؤال هنا: كيف ننتقل من البرامج والمبادرات المتعددة والتي تركز على حلول لمشكلات فردية كالتنمر، والفاقد تعليمي، وانخفاض التحصيل الدراسي إلى لغة مشتركة يمكن أن تكون حلقة وصل بين الطالب واحتياجاته؟

وتتجلى الإجابة في أن الاهتمام بالتعلم الاجتماعي الوجداني وتطبيقه في التعليم يعد حلقة وصل مهمة تربط بين الطالب واحتياجاته. حيث اظهرت الدراسات وجود علاقة إيجابية دالة احصائياً بين التعلم الاجتماعي الوجداني للطلاب وادائهم الأكاديمي يتمثل في ارتفاع وتحسن في التحصيل الأكاديمي مع الوقت، وارتفاع في نتائج الاختبارات التحصيلية (١١٪-١٧٪)، وتقليل الفجوة بين مخرجات الطلاب العالية والمنخفضة، عن طريق تزويد الجميع بالمهارات التي يحتاجونها للنجاح. والتعلم الاجتماعي الوجداني مهم أيضا في تحسين الكفاءة الذاتية والصحة النفسية، وتحسين مهارات التعامل مع الضغوط المدرسية، وانخفاض في معدلات العنف المدرسي والمشكلات السلوكية ((Camacho et al., 2007; Durlak et al., 2011; Zins & Elias, 2006.

 

وتعرف جمعية التعلم الأكاديمي والاجتماعي والوجداني (CASEL)التعلم الاجتماعي الوجداني بأنه “عملية تطوير لقدرات الفرد في التعرف على الانفعالات وإدارتها، والرعاية والاهتمام بالآخرين، واتخاذ قرارات مسئولة، وإقامة علاقات إيجابية، والتفاعل مع المواقف الصعبة بشكل فعال”  (CASEL, 2003, P.1). وهو عملية اكتساب وتطبيق المعارف والمهارات المتعلقة بخمس كفايات أساسية:

أولاً: الوعي الذاتي: تمييز المشاعر والقيم ونقاط القوة والضعف

ثانياً: ادارة الذات: إدارة العواطف والسلوكيات لتحقيق الأهداف

ثالثاً: الوعي الاجتماعي: اظهار التفهم والتعاطف مع الآخرين

رابعاً: مسؤولية اتخاذ القرار: اتخاذ قرارات أخلاقية وبناءة بشأن السلوكيات الشخصية والاجتماعية

خامساً: مهارات تكوين العلاقات: تكوين العلاقات الإيجابية واجادة العمل الجماعي، والتعامل بفعالية مع الاختلافات

 

وبالتالي يهدف التعلم الاجتماعي الوجداني إلى تطوير الوعي الذاتي ومهارات الإدارة الذاتية للطالب، وزيادة وعي الطالب الاجتماعي وتعزيز مهاراته في التعامل مع الآخرين، وأيضا تعزيز مهارات الطالب في اتخاذ القرارات والسلوكيات المسؤولة في السياقات الشخصية والمدرسية والمجتمعية.

 

 ما أهمية تطبيق التعلم الاجتماعي الوجداني في المدارس؟

-تطور الدماغ يرتبط بشدة بالتجارب الاجتماعية والوجدانية للفرد

– تعد العلاقات أساسًا مهماً للتعلم

-تؤثر العواطف على كيف وماذا نتعلم

-التأثيرات الإيجابية على الأداء الأكاديمي، والصحة النفسية، والعلاقات، والمواطنة وبالتالي ضروري للنجاح مدى الحياة

-إطار تنسيقي للتغلب على تعدد البرامج والمبادرات المختلفة

-ارتباطه الوثيق بأهداف وزارة التعليم ورؤية ٢٠٣٠: في جوانب متعددة مثل: (تنمية مهارات وقدرات الطلاب المختلفة وتوظيفها بما يناسب ميوله – تحسين مخرجات التعليم ونتائج التحصيل العلمي للطلاب في مختلف المراحل التعليمية – وتعزيز حس المسؤولية والانتماء الوطني)

-ارتباطه الوثيق بمستحدثات التعليم: وذلك في عدة نقاط مثل: (دمج الفئات المختلفة (التربية الخاصة، الاحتياجات الخاصة) – المواد المستحدثة (مواد النقد من خلال تركيزها على التأمل والتحليل) – تشكل حلقة وصل قوية بين البرامج والمبادرات المستحدثة لأنها تجعل الطالب في مركز العملية التعليمية – وتعزز الشراكة بين المدرسة والمجتمع).

 

التعلم الاجتماعي الوجداني في التعليم

شعور الطالب بالبعد والعزلة والمؤثر سلباً على دافعيته للتعلم، قد يظهر في التعليم التقليدي تماما كما قد يظهر في التعليم عن بعد، لذلك الاستراتيجيات التي يطبقها المعلم وتفاعلاته مع الطلبة لها تأثير أكثر بكثير من التقنيات التي يختارها، او نوع التعليم المعتمد. ومن أهم طرق تدريس مهارات التعلم الاجتماعي الوجداني المعززة لدافعية الطلاب هي:

جعل الطالب في مركز العملية التعليمية، لغة المعلم الإيجابية والمحفزة، التركيز على مناقشات الصف، وتمارين التأمل والتقييم الذاتي.

ومن أمثلة انشطة التعلم الاجتماعي الوجداني:

أ. إعطاء فرصة للطلاب لمشاركة رأيهم عن الاستراتيجيات التي يفضلونها في الدراسة وأداء الواجبات مما يعطي المعلم فرصة لفهم أعمق لطلابه، ويزود الأقران بأفكار جديده قد تساعدهم في الصعوبات التي تواجههم في أدائهم لواجباتهم.

 

ب. إعطاء فرصة للطلاب لمشاركة أماكنهم المفضلة للتعلم، ولاختيار ما يفضلونه من المهام عن طريق اعطاءهم خيارات متعددة للتطبيق ومن ثم مناقشة هذه الخيارات في الصف مما يثري النقاشات الصفية.

 

ج. الاعتماد على الأسئلة المفتوحة لاستكشاف وتعزيز المهارات الاجتماعية لدى الطلاب مثل كيف سوف تتصرف إذا وضعك المعلم في تكليف مع طالب اخر لا تحب التعامل معه؟

 

كيف أرفع من جودة تطبيق التعلم الاجتماعي الوجداني؟

يمكن زيادة جودة تطبيق مناهج التعلم الاجتماعي الوجداني عن طريق تنفيذ مناهج التعلم الاجتماعي الوجداني القائمة على الأدلة، وتعليم، ونمذجة، وتعزيز المهارات على مدار اليوم وفي مواقف متعددة،

وغرس مفاهيم التعلم الاجتماعي الوجداني في الأكاديميين ايضاً وليس الطلاب فقط، والتنسيق مع خدمات دعم الطلاب والأنشطة اللامنهجية والبرامج خارج المدرسة وإشراك الأسر والمجتمع وأخيرا التقييم والتحسين المستمر.

 

وفي الختام،

استعدادًا للعام الدراسي الذي أعقب الاغلاق نتيجة جائحة كوفيد ١٩، أصدرت وزارة التعليم في فرجينيا (2020) تقريرًا يناقش أهمية الاهتمام بالاحتياجات الاجتماعية والوجدانية لدى الطلاب. ومما ذكر في التقرير: “نحن نعلم أن التركيز على المهارات الاجتماعية والعاطفية سيكون أمرًا بالغ الأهمية لإعادة إشراك الطلاب، وإعادة بناء العلاقات والمجتمعات المدرسية، وخلق بيئات تعليمية عادلة لجميع الطلاب… لابد من تخصيص وقتًا لتقديم منهج SEL ودعمه لأن استراتيجيات SEL في الفصول ستفيد جميع المتعلمين خاصة في التعامل مع الجائحة “.

 

فإذا كان تحسين دافعية الطلاب للتعلم، والاهتمام بتنشئة الطلاب ليصبحوا مواطنين مسؤولين على قائمة الأهداف التعليمية في رؤية ٢٠٣٠; لابد من الاستفادة من تجارب هذه الدول فيما يتعلق بالتعلم الاجتماعي الوجداني.

 

المراجع

– أخضير، منصور بن عبدالله محمد. (2021). تعويض الفاقد التعليمي. مجلة العلوم التربوية والانسانية, (4), 145-157.‎

– البنتان، مشعل الأسمر. (٢٠١٩). العوامل الاجتماعية المؤدية لسلوك التنمر لتلاميذ المرحلة المتوسطة بمنطقة حائل دراسة من منظور الممارسة العامة في الخدمة الاجتماعية، مجلة كلية التربية الأساسية للعلوم التربوية والإنسانية، العدد (٤٢)، شباط

– السهيمي, أ. م. ب. ح. إ., أ. محمد بن حسن إبراهيم, باوزير, إشراف, & د. عادل بن أبو بکر. (2021). دور معلم التربية الإسلامية في الحد من التنمر لدى طلاب المرحلة المتوسطة بالمملکة العربية السعودية من وجهة نظر المشرفين التربويين. دراسات عربية في التربية وعلم النفس136(136), 399-424.‎

– العنزي، حجي. (2021). درجة ممارسة التنمر الإلکتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتعرض له لدى طلاب المرحلة الثانوية في مداس مدينة تبوک بالمملکة العربية السعودية. المجلة التربوية لکلية التربية بسوهاج85(85), 395-441.‎
– العنزي, س. ب. ع., & سلامة بن عواد. (2021). مقترحات المعلمين والمشرفين التربويين لمعالجة الفاقد التعليمي–دراسة نوعية. المجلة العربية للعلوم التربوية والنفسية5(23), 227-256.‎

– الغامدي، حمدان أحمد  ) ٢٠٠٢( تطور نظام التعليم في المملكة العربية السعودية. دار الخريجي للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة السادسة.

– Camacho, Y., Escamilla, A. & et al (2007). Exploration Project: social emotional learningimpacts academic success. Aurora University. 

– Casel. (2003). Safe and sound: An educational leader’s guide to evidence – based social and emotional learning (SEL) programs. Chicago, IL: Author.

– Durlak, J. A., Weissberg, R. P., Dymnicki, A. B., Taylor, R. D., & Schlesinger, K. B. (2011). The impact of enhancing students’ social and emotional learning: a meta-analysis of school-based universal terventions. Child Development, 82 (1), 405-432. 

– Marulanda, Z. (2010). Social and emotional learning strategies to support students in challenging schools. Submitted in Partial Fulfillment of the Requirements for the Degree Master of Science in Education, Dominican University of California. 

– Zins, J. E., & Elias, M. J. (2007). Social and emotional learning: Promoting the development of all students. Journal of Educational and Psychological consultation17(2-3), 233-255.

 

 

مواضيع مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

آخر المواضيع

قائمة المحررين

الأكثر تعليقاً

فيديو