تعتبر المحاضرة من أقدم استراتيجيات التدريس وأكثرها شيوعاً سيما في المستويات التعليمية المتقدمة. ولا نبالغ إن قلنا أنها مازالت الأوفر حظاً في التدريس الجامعي بكونها تلبي كثير من رؤى الفلسفات التربوية في المناهج الدراسية والمواقف التعليمية.
وتستند المحاضرة إلى نظرية التعلم اللفظي ذي المعنى للعالم ديفيد أوزبل (David Ausubel). ويسعى المحاضرون بمختلف تخصصاتهم إلى نجاح محاضراتهم وفاعليتها وتأثيرها على الطلاب؛ إلا أن ذلك لن يتحقق إلا من خلال نجاحهم في إيصال الفكرة التي يريدون أن يقوموا بإيصالها بكل سهولة ووضوح. ويقترح هذا المقال القصير سبعة اسرار من المناسب أن يأخذها المحاضر بعين الاعتبار من أجل تقديم محاضرة ناجحة ومؤثرة.
من أهم تلك الأسرار هو تحديد الهدف من هذه المحاضرة مسبقاً، وهو عملية التركيز في تحديد الأهداف التدريسية للمحاضرة، حيث أن الأهداف الواضحة هي أساس كل محاضرة مؤثرة. ويتحقق بمعرفة المحاضر ما الذي يجب على الطلاب معرفته أو القيام به بعد سماع المحاضرة. ويتم ذلك باختبار الأهداف ذهنيا ووضع المحاضر نفسه مكان الطلاب وتخيل حاجياتهم والأفكار المناسبة لهم، وتحديد الأدوات والوسائل التعليمية التي سُتستخدم في عرض المعلومات.
وتُعتبر معرفة نوعية الطلاب وأنماطهم خطوة أساسية ومهمة للنجاح في إقناعهم. ومن الخطأ أن يتم تصنيف الطلاب على نمط واحد. فهناك أربعة أنواع من الطلاب الحاضرين للمحاضرة يُعرفوا بصفاتهم وسلوكياتهم وهم: الطالب الذي يريد المعرفة والاستفادة من المحاضرة، ويُعرف بكثرة ابتساماته وموافقته لكل ما يقوله المحاضر، والطالب الخريج وهو حديث المعرفة، ويُعرف بالإعجاب الزائد بالنفس، وتشابك الذراعين، ويفتخر بما لديه من معرفه، وطالب العطلة وهو الذي يذهب إلى المحاضرة كأن لو كان ذاهباَ إلى نزهة، والطالب الأسير، وهو الذي اُجبر على حضور المحاضرة ويُعرف بتقاطع ذراعيه وتشابكهما.
ويُصنِف علم البرمجة اللغوية العصبية الطلاب الحاضرون للمحاضرة إلى ثلاث أنماط سمعية وهم: المستمع البصري الذي يخزن المعلومات الواردة له كصور، والمستمع السمعي الذي يُطرب للصوت وتنويعه ويخزن الأصوات الواردة على شكل أوصاف كلامية سماعية، ولديه القدرة على إعادة معظم ما يقال في المحاضرة، ثم المستمع الحسي الذي يمتاز بالمشاعر العاطفية ويُعرف بتأثره من بكاء وحزن وغضب وحماسة المحاضر.
والسر الثالث هو امتلاك المحاضر للثقة والمصداقية. ومن خطوات زرع الثقة هو التحضير الجيد للمحاضرة، والتلقائية والبعد عن التصنع، وامتلاك المعنويات المرتفعة، ومعرفة التعامل مع التوتر العصبي أثناء وقبل المحاضرة، وبناء علاقة قوية مع الطلاب. وتتمثل المصداقية في الاستقامة والنزاهة والإخلاص وقول الحقيقة، واكتساب الخبرة والتحضير الجيد لموضوع المحاضرة. ومن المناسب أن يتذكر المحاضر دائماً بأن مصداقيته هي مفتاح ثقة الطلاب بما يقوله.
ويعتبر النجاح في جذب انتباه الطلاب في الدقائق الأولى للمحاضرة الطريق لكسبهم والتأثير عليهم؛ لأن انتباههم في أول المحاضرة يكون قويا وذلك بسرد مقدمة قوية تشد الانتباه أو طرح سؤال استفهامي تجيب عنه المحاضرة، أو البداية بطرفة أو نكتة لها صلة بالموضوع، او ذكر معلومات او إحصائيات غير معروفة. ومن الطبيعي بعد مرور دقائق من المحاضرة أن يبدأ مستوى انتباه الطلاب بالانخفاض حتى الوصول إلى سقوط الانتباه، وهنا يأتي دور أساليب وعناصر التشويق كاستخدام الأسلوب القصصي أو الوسائل السمعية والبصرية أو طرح الأسئلة السريعة أثناء سير المحاضرة.
ومن المفيد أن يتأكد المحاضر ما بين فترة وأخرى من فاعلية المعلومات وتأثيرها على الطلاب ومدى نجاح سير المحاضرة وفهمهم لمحتواها، من خلال طرح الأسئلة أثناء مراحل التنقل وتلخيص النقاط الرئيسة بين فترة وأخرى، وإتاحة الفرصة للطلاب لتقويم أنفسهم والتأمل فيما سمعوه أو طبقوه، وتقديم التغذية الراجعة لهم.
ويُعتبر التخاطب مع الطلاب فرداً فرداً من أهم أسرار نجاح المحاضرة وتأثيرها، ولن يتحقق إلا من خلال التحدث أو الاتصال البصري مع كل طالب دون استثناء لإشعارهم بأهميتهم، وبناء جسر من خلال ربط استجاباتهم بمحتوى المحاضرة.
والسر السابع هو الإنهاء الجيد للمحاضرة، باستخدام الخاتمة القوية. وهناك فرق بين التخليص والخاتمة. فالتلخيص هو تلخيص النقاط الرئيسية للمحاضرة بينما الخاتمة هي تقديم المحاضر أرائه الشخصية من خلال مخاطبة مشاعر الطلاب، ومطالبتهم بما يريد أن يطبقوه في المستقبل اعتمادا على ما ورد في المحاضرة.
ومن الأهمية بقاء المحاضر في القاعة الدراسية حتى مغادرة آخر الطلاب.
كتابة: محمد البحيري
باحث دكتوراة في المناهج وطرق التدريس
اترك تعليقاً
لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *