هل تتذكر الوقت الخاص بك؟ لقد سعت التقنية إلى تناقص هذا الوقت أو انقراض الوقت الشخصي لعدد كبير من المعلمين، وحان الوقت لاستعادة وقتك بكل جدية.
في دراسة جديدة، أكد باحثون على أن التكنولوجيا تُضعف من صحة ورفاهية المعلمين، وتزيل الحدود غير الواضحة بالفعل بين العمل والمنزل وتؤدي إلى عقلية غير مستدامة “دائمًا”.
فهل هي مشكلة جديدة؟ طبعاً لا. لأنه على مدى عدة قرون عمل التربويون تحت ضغوط مزدوجة تتمثل في توسع المسؤوليات في العمل وزيادة الطلبات المحلية. ونظرًا لأن الأسر ذات الدخل المزدوج أصبحت هي القاعدة، فإن أحجام الفصول الكبيرة، والمزيد من الأعمال الورقية، والتحول التدريجي في واجبات الرعاية تجاه الأنظمة المدرسية قد أجهد قدرة المعلمين، مما يعد تعدياً على وقت التربويين الشخصي والذي هو مخصص تقليديًا للعائلة والأصدقاء.
وفقًا لدراسة أجرتها مؤسسة RAND العريقة، قبل انتشار فايروس كورونا (كوفيد19) بفترة طويلة، تصدرت الضغوطات قائمة الأسباب التي تجعل المعلمين يتركون العمل، والتي حددت ساعات العمل الطويلة وعبء تولي وظائف ثانية لتكملة الدخل كعوامل أساسية في التقاعد المبكر.
تذكر كارولين مورفي، الباحثة في كلية كيمي للأعمال في جامعة ليمريك أن التكنولوجيا تدفع الأشياء بسرعة نحو حافة الانهيار. إذ أن انتشار أجهزة الكمبيوتر -وخاصة الهواتف المحمولة – إلى تعريض آخر بقايا المساحة الشخصية للخطر، مما يجبر المعلمين على قضاء المزيد من الوقت خارج ساعات العمل المدرسي في التخطيط لدروس ثرية بالتقنية وذلك أثناء الرد على رسائل البريد الإلكتروني والرسائل النصية الليلية.
بالنسبة للمعلمين، هناك عدد قليل من الأماكن للحصول على قسط من الراحة. في حين أن القطاع العام عادة ما يتاجر في الأجور المنخفضة لتحقيق توازن أفضل بين العمل والحياة، فإن تسليع التدريس – مدفوعًا بتركيز أكبر على درجات الاختبار وتقييم أداء المعلم – أدى إلى ما يسميه بعض الخبراء “تسويق التعليم”. وعلى نحو متزايد، تبدو مهنة التدريس مثل القطاع الخاص، على وجد التحديد فيما يتعلق بالمتطلبات المتعلقة بوقت العمل، وتطوير ثقافة “موجود دائمًا في الخدمة”، وكما تشير مورفي هذا ما يرقى إلى “الوعد المنقوض، حيث تستمر التوقعات في النمو، لكن الأجر لم يواكب ذلك”.
بدون سياسات جديدة تدافع عن حق المعلمين الأساسي في قطع تواصلهم مع أعمالهم، والاهتمام بوقتهم الشخصي لاستعادة الوقت مع أسرهم وأصدقائهم، والاسترخاء واستعادة أنفسهم – فإن النتائج كلها متوقعة للغاية. وبحسب الدراسة، فإن زيادة عدم الرضا الوظيفي وتدهور الصحة العقلية والجسدية هي مخاطر حقيقية. القضية خطيرة ومتنامية وتتطلب اهتمامًا فوريًا.
تسرب الإنترنت
تقول مورفي إن الاتصالات عبر الإنترنت أدت إلى انتشار “تعدي العمل على إجازة الأفراد من خلال الاتصال في كل مكان وزمان”. إن مجرد توقع وصول رسالة بريد إلكتروني أو رسالة نصية من مدير المدرسة أو الطالب، والمطالبة بالرد، هو تدخل في المساحة الشخصية للمعلم.
نظرياً، رسائل البريد الإلكتروني في النهاية هي رسائل حقيقية. يتلقى المعلم العادي ما يصل إلى 100 رسالة بريد إلكتروني كل يوم، وهو عدد ضخم يمكن أن يشعر بأنه لا يمكن التغلب عليه – ويمكن أن يشعر بالضغط للرد بسرعة. ففي دراسة أجريت عام 2019، أفاد الموظفون أنهم بدأوا في الرد على رسائل البريد الإلكتروني بعد 6 ثوانٍ من تلقيها. وفي الوقت نفسه، في دراسة أجريت عام 2015، لاحظ الباحثون أن الموظفين عانوا من “ضغوط يومية أقل بشكل ملحوظ” عند الحد من تكرار فحص البريد الإلكتروني إلى ثلاث مرات في اليوم، مقارنةً بأولئك الذين ليس لديهم قيود في تفقد بريدهم الإلكتروني.
هناك أيضًا ضريبة معرفية كبيرة للتحقق من رسائل البريد الإلكتروني والإشعارات الأخرى، مثل الرسائل النصية أو التذكيرات: وفقًا لدراسة أجريت عام 2017، يكاد يكون من المستحيل تجاهل إشعارات هواتفنا، حتى عندما يكون الهاتف مغلقًا أو متروكاً بشكل مقلوب على الطاولة. وتوصل الباحثون إلى أن “مجرد وجود الهاتف الذكي الخاص بالشخص قد يشغل موارد معرفية محدودة السعة، وبالتالي يترك عددًا أقل من الموارد المتاحة للمهام الأخرى ويقوّض الأداء المعرفي”. كان إغلاق الهاتف المحمول وتركه في غرفة أخرى هو الطريقة الوحيدة لاستعادة الصحة العقلية.
منحنى تعلم التقنية
وتجد مورفي بأن طوفان التقنيات الجديدة غير المدعومة بالتدريب – من أنظمة إدارة التعلم إلى التطبيقات الجديدة، وبرامج مؤتمرات الفيديو، وتخطيط دروس الوسائط المتعددة – هذا الطوفان الكبير يقوض الكفاءة والاحتراف طالما لم يوازيه شيء من التدريب المناسب.
وتقول معلمة اللغة الإنجليزية سارة جروس والتي قامت بتدريس هجين للمرحلة الثانوية الخريف الماضي، وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز: “لم أشعر مطلقًا بهذا الإرهاق”. “هذا غير مستدام”.
هل سارة جروس وحدها بهذا الشعور؟ طبعاً ليست وحدها. ففي عام 2021، قام الباحثون بتحليل العديد من الدراسات لما يزيد عن عقد. ووجدوا أنه تم دفع المعلمين لتبني التكنولوجيا في فصولهم الدراسية بدون “توفير الموارد التقنية والمعدات اللازمة للاستخدام التعليمي الصحيح”، وهي مشكلة سببت “النزاعات بين المعلمين، وكذلك في علاقاتهم مع الزملاء أو مع الأشخاص الآخرين المنخرطين في البيئة التعليمية، مما أدى في النهاية إلى تلف العلاقات الشخصية والتي تؤثر على صحتهم”.
في دراسة نُشرت العام الماضي 2021، وجد الباحثون أن ما يقرب من نصف المعلمين الذين شملهم الاستطلاع يقضون 20 ساعة أو أكثر في الأسبوع في بناء دروس جديدة، وتكييف المواد مع الفصول الدراسية عبر الإنترنت، واستكشاف المشكلات التقنية وإصلاحها. ومن المتوقع أن يستمر هذا النمط التعليمي بعد الوباء حيث تلتزم المدارس بتكامل أعمق للتكنولوجيا وحتى تقديم شكل من أشكال التعليم عن بعد بشكل دائم.
حصيلة ثقيلة
ووفقاً لميرفي بأن القلق النابع من هذا المصدر الجديد للتعليم لا يرتبط فقط بانخفاض الرضا الوظيفي، والتحفيز، والكفاءة، لكنه أيضًا مصدر قلق للصحة والسلامة، “يسبب أمراضًا جسدية مثل الصداع، ومشاكل النوم، وتشنجات العضلات، وآلام الظهر، وارتفاع ضغط الدم”.
إن المشكلة ليست في التقنية بحد ذاتها بل في أنها تُضعف الحدود للمدرسين. ويوضح جون مكارثي، وهو مدرس سابق ومستشار حالي: “قد نشعر أنه إذا لم يتم إنجاز المهمة، فسوف يعاني طلابنا أو ستفشل البرامج”. “ومع ذلك، إذا أصبحنا مرهقين عقليًا، أو متعبين، أو نفدت طاقتنا، فإننا نجازف بإغلاق كامل لأنفسنا عقليًا أو جسديًا – وفي هذه المرحلة، لن يتم إنجاز أي مهام.”
ووفقًا لاستطلاع عام 2015، يشعر (78%) من المعلمين بالإرهاق الجسدي والعاطفي في نهاية اليوم، وعلى الرغم من أن التكنولوجيا ليست المصدر الوحيد للتوتر، فهي “أحد أهم العوامل المساهمة في زيادة مستويات التوتر”. وتؤكد مورفي على أن المعلمين يذكرون بشكل روتيني أن “انتهاك الخصوصية” هو “مصدر مهم لإرهاق العمل”.
عودة للخلف دون الرجوع
هذا لا يعني أنه يجب متابعة حلول مناهضي التطور التقني مثل حظر التقنيات؛ إذ تصنع التقنية كفاءات هائلة وهي موجودة لتبقى، ولكن يجب إدارتها بعناية. وتؤكد مورفي أننا بحاجة إلى وضع واعتماد سياسة “تدعم التبني الصحي للتقنيات خارج ساعات الدوام المدرسي من قبل كل من المعلمين والطلاب”.
في الولايات المتحدة الأمريكية أُصدر تشريعاً تحت مسمى “الحق في الانفصال Right to disconnect” في نيويورك لحماية العمال من التعرض للعقاب إذا اختاروا عدم الرد على رسائل البريد الإلكتروني بعد ساعات العمل. في غضون ذلك، بدأت الشركات الكبرى في الاعتراف بالمشكلة. حظرت شركة فولكس فاجن إرسال رسائل البريد الإلكتروني الداخلية أو تلقيها من خلال خوادمها خلال ساعات العمل خارج ساعات العمل في عام 2012، بعد “شكاوى من أن عمل الموظفين وحياتهم المنزلية أصبحت غير واضحة”. وفي عام 2016، اعتمدت فرنسا قوانين عمل جديدة تمنح الموظفين الحق في “عدم إجراء مكالمات أو قراءة رسائل البريد الإلكتروني المتعلقة بالعمل أثناء إجازتهم”. الهدف المعلن للقانون هو “ضمان احترام ساعات عمل الموظفين، ووقت الإجازة، والحياة الشخصية والعائلية”.
إذن ما الذي يجب أن يكون قيد الدراسة للمدارس؟
أولاً: نموذج ممارسات أفضل:
ضع في اعتبارك تطوير سياسات أو إرشادات تشجع قادة المدارس على تجنب إرسال رسائل البريد الإلكتروني بعد ساعات الدوام المدرسي، باستثناء حالات الطوارئ. ما قد يبدو وكأنه سؤال أو طلب بسيط يمكن أن يكون له آثار أكبر حيث يشعر المعلمون بالحاجة إلى التحقق من البريد الإلكتروني بانتظام في الليل لتجنب الظهور غير المستجيبين.
ثانياً: منح “الإذن بقطع الاتصال”:
يمكن للقادة تقديم إذن صريح يمنح المعلمين الحق في قطع الاتصال عن الاتصالات المتعلقة بالعمل خارج ساعات الدراسة العادية. يجب أن تكون السياسة اجتماعية بين جميع أصحاب المصلحة في مجتمع التعلم وأن يتم تكريمها دون طرح أي أسئلة.
ثالثاً: اسأل موظفيك:
قم بإجراء استبيانات التوازن بين العمل والحياة لقياس رفاهية الموظفين. اطرح أسئلة مثل “كم مرة تتداخل متطلبات وظيفتك مع حياتك الأسرية؟” – يمكن العثور على قوائم جيدة من الأسئلة في استبيان جودة الحياة المهنية الخاص بمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها واستقصاء التعلم عن بعد والعافية للموظفين.
رابعاً: حافظ على نظافة هاتفك الخلوي:
يجب أن يفكر المعلمون في إزالة إمكانية الوصول إلى رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالعمل من هواتفهم الذكية، ويجب على قادة المدارس والمنطقة تشجيع ذلك. تقترح لورين هودلستون، معلمة الفصل الدراسي، “قد تجد أنه من المفيد أكثر أن تتحقق من البريد الإلكتروني على جهاز الكمبيوتر الخاص بك فقط – وبهذه الطريقة، عندما ينتهي اليوم الدراسي، يمكنك إغلاق جهاز الكمبيوتر الخاص بك والابتعاد عن الإشعارات للتحقق من البريد الوارد”.
خامساً: تحلَ بالشفافية بشأن التزاماتك:
تقترح المستشارة التعليمية والمعلمة السابقة ماريسا كينج حظر الوقت المرئي في التقويم الخاص بك للمهام غير المنظمة عادةً مثل كتابة رسائل البريد الإلكتروني وتصحيح الأوراق وتخطيط الدروس. وحدد ساعات عملك بوضوح في التقويم الخاص بك أيضًا، ثم ضع إعدادات لرسائل خارج المكتب توضح ساعات عملك وتوضح متى سترد على رسائل البريد الإلكتروني المتأخرة.
في الختام، تذكر أن من حقك الرد حينما تستطيع وليس عندما يُراد منك ذلك في كل وقت وكل مكان.
كتابة: يوكي تيرادا
ترجمة: سلطان سليم المنصوري
المصدر:
https://www.edutopia.org/article/defending-teachers-right-disconnect
Image from: techrepublic.com
اترك تعليقاً
لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *