ويضم الفضاء السيبراني عدداً من كبيراً من المجتمعات الموازية للمجتمع الواقعي يعيشها الإنسان وتصبح جزءاً هاماً من حياته وواقع ملموس في ممارسته اليومية, ومركزاً للتفاعل الاجتماعي؛ فهو فضاء بلا حدود وبلا حواجز, ومجال مجازي لأنظمة الحاسوب والشبكات إلكترونية, حيث تخزن المعلومات إلكترونيا ويتم الاتصال المباشر على الشبكة(شرون؛ الزرقي,2018).

وقد خطت وزارة التعليم في المملكة العربية السعودية خطوات في هذا المجال التقني والتحول الرقمي خطوات كبيرة؛ وساهم في هذا التحول السريع طبيعة المرحلة والتغييرات التي صاحبت جائحة فيروس كورونا (COVID-19), حيث أصبح التعليم الإلكتروني هو الوسيلة المعتمدة لأبنائنا لكي يواصلوا تعليمهم, وفي ظل هذه التغيرات؛ لذا لابد من تهيئة الطلبة للاندماج في المجتمع الرقمي والمشاركة الإيجابية فيه, وحمايتهم بعد ذلك من التأثيرات السلبية لانتشار التكنولوجيا, لاسيما مع انتشار استخدام أدواتها من كافة الفئات العمرية؛ مما قاد إلى ضرورة وضع اطار عام لتلك المشكلات؛ ويقدم الإرشاد النفسي خدمات مهنية متخصصة تمثل محور برنامج التوجيه وتعني  بكافة الجوانب النفسية والانفعالية وتعمل على تحقيق التوافق الانفعالي والذهني والاجتماعي للطلبة وزيادة قدرتهم على مقارنة البدائل المتاحة واختيار أنسب الحلول من بينها, ثم العمل على تحقيق ذلك الاختيار ووضعه موضع التنفيذ في ضوء الواقع المعاش(القذافي,1997)

مفهوم الإرشاد السيبراني

توجد تعريفات عديدة للإرشاد الإلكتروني إلا أنها تؤكد جميعها على استخدام التقنيات الحديثة في تقديم الخدمات الإرشادية, من متخصص في الإرشاد النفسي مرخص له بذلك, إما بطريقة الاتصال عبر الإنترنت, دون مواجهة مباشرة أو داخل قاعة افتراضية(Mallen ; Vogel, & Rochlen, 2005), Bathje,; Kim, ; Rau; Bassiouny & Kim, 2014), (Direktor, 2017)

كما قدمت الجمعية الأمريكية للإرشاد أكثر من دليل عملي لتقديم الخدمة النفسية الإرشادية والعلاجية عن طريق استخدام التكنولوجيا الحديثة, كما أن الجامعات الأمريكية ايضا تضمن هذه الخدمة في مقرراتها التعليمية(Chester& Glass, 2006), ( Grohol, 2004)..

مفهوم التعليم الإلكتروني

تعُد تكنولوجيا المعلومات الرقمية فتحت مورداً جديداً للتعليم والتعلم. فلقد أصبح التعليم الإلكتروني عن طريق الإنترنت وشبكة المعلومات الدولية، والأجهزة النقالة، وأدوات التواصل الاجتماعي من ثوابت العصر، ويرى كل من (Abdelaziz, 2013) و(Thornburg, 1996) أنه عندما يحل التعليم الإلكتروني محل الفصول التقليدية، سيغير ذلك من طرائق وأنماط التدريس، وبه سيتمكن الطلاب من تعلم ما يريدون وقتما يريدون وحينما يريدون، وبالقدر الذي يريدون؛ والأكثر أهمية أنهم سيتمكنون من تقييم ما تعلموه. ويعتبر التعلم الإلكتروني من أحدث الأنظمة في مجال التعليم لما يتميز به من إمكانيات هائلة في دعم العملية التعليمية، وكذلك لما يتميز به من إمكانية إيصال العملية التعليمية لمن يرغب، متخطيا بذلك حاجزي الزمان والمكان (عامر, 2014)

وتشير دراسة رمضان وغراب(2019) إلى ضرورة استخدام وتبني منصة التعليم الإلكتروني في ظل الجهود الرامية إلى تطوير وتحسين التعليم, و يعرفه عباس(2018) التعلم الإلكتروني: بأنه مجموعة المعلومات المتوفرة الكترونيا, ويتم تبادلها وتشكيلها في مجموعات بناء على استخدامها, ويعمل الفضاء الالكتروني  تحت ظروف مادية غير تقليدية, حيث يكون وسيطاً عبر العمل من خلال اجهزة الكمبيوتر وشبكات الاتصال.

كما يعرف بأنه: كل فضاء بدون حدود وبدون حواجز, وهو مجال مجازي لأنظمة الحاسوب والشبكات إلكترونية, حيث تخزن المعلومات إلكترونيا وتتم الاتصالات المباشرة على الشبكة(شرون؛ الزرقي(2018).

الإرشاد النفسي السيبراني والتعليم الإلكتروني

هناك عدة أساليب لتقديم خدمات الإرشاد, حيث يقوم المرشد باختيار الأسلوب الأنسب الذي يمكنه من تقديم المساعدة للمسترشد, كما أن هذه الأساليب تختلف وتتنوع باختلاف وتنوع المشكلات(زهران, 1998) وفي هذا الصدد اشارت دراسة (الببلاوي,2014) إلى تأثير الإعلام الرقمي على الأطفال, فقد افرزت قضايا تمثل خطر الأطفال، مما يستدعي ضرورة وجود إرشاد مدرسي؛ ومع هذا التقدم في عالم تكنولوجيا الرقمية أوضحت دراسة بنات, سهيلة؛ غيث, سعاد؛ البدارين, غالب؛ البنا، محمد(2013) إلى أن المرشدين التربويين لديهم اتجاهات إيجابية نحو تكنولوجيا الحاسوب. كما تناولت دراسة عتوتة (2012) الحاجات الإرشادية لطلبة في ضوء متطلبات توطين ثقافة التعليم والتعلم الإلكتروني، حيث يعتبر نظاما تفاعليا يعتمد على بيئة إلكترونية متكاملة في إيصال المعلومة للمتعلم من خلال التقنيات الحديثة للحساب والشبكة العالمية للمعلومات ووسائطها المتعددة.

وبينت دراسة العقاد(2016) والتي هدفت إلى معرفة اتجاه الشباب الجامعي نحو خدمات الارشاد والعلاج النفسي عبر بيئة الفضاء الإلكتروني وخلصت إلى ضرورة وجوده وتفعيله بشكل أكبر؛ ولقد قدمت الجمعية الأمريكية تعريفاً لنظام التعليم الإلكتروني بوصفه ذلك النظام الذي يشير إلى الحالات التي يكون فيها التعليم طبقا للأسلوب الذي بموجبه يكون التدريسي والطالب في منطقتين جغرافيتين مختلفتين. أما رابطة الولايات المتحدة للتعليم الالكتروني فقد عرفت بأنه إيصال العلوم والمعارف الكترونيا باستخدام تقنيات المعلومات، كالقمر الصناعي, الفيديو, الصوت, الرسوم, الصور, وتقنيات الوسائط المتعددة, والأشكال الأخرى للتعليم الالكتروني (رباح، 2004).

خدمات الإرشاد السيبراني في المجال المدرسي

أ-لائحة السلوك الرقمي( التعاقد السلوكي)

تمثل لائحة السلوك الرقمي الخطوة الأولى الإيجابية ونواة الإرشاد السيبراني المدرسي, والذي سيقدم من خلاله  خدمات وأساليب وفنيات الإرشاد النفسي في قالب مختلف يواكب مستجدات العصر في ظل تطور العالم الرقمي وفعالية التعليم الإلكتروني؛ وتشير لائحة السلوك الرقمي إلى اتفاقية مكتوبة توضح العلاقة بين المهمة التي سيؤديها الفرد والمكافأة التي سيحصل عليها نتيجة لذلك, ويشتمل العقد السلوكي على عنصرين اساسين :المهمة المطلوب من الفرد تأديتها, والمكافأة التي سيحصل عليها حال تأديته لتلك المهمة(الخطيب,2001).

ب-نحو إرشاد نفسي مدرسي

أن التحديث والتطوير لأية مهنة ضرورة عصرية, ولن يتم التحديث بنجاح, إلا إذا كانت لدى القائمين على تنفيذ المهام, اتجاهات إيجابية تسهم في تسيير العمل وتطويره وقياس اداءه(عبدالحميد,2018), وتحمل خدمات الارشاد والعلاج النفسي عن بعد رسائل مهمة وملائمة من حيث امكانية التواصل مع المرشد دون مغادرة المنزل بالإضافة إلى التقليل من المخاوف التي قد تعترض طريقة  في طلبه للمساعدة(العقاد,2016).

فلقد اشارت دراسة الرشود(2015) إلى ضرورة السعي لرفع مستوى الأداء المقدم من عمادة التعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد وتطويره في مجال الإرشاد الطلابي.

بينما اوصت دراسة العقاد(2016) على أهمية تدعيم الاتجاهات الإيجابية نحو استخدام المشورة النفسية عبر الانترنت, والعمل كذلك على توجيه المسئولين واصحاب القرار والمهتمين بعلوم الصحة النفسية على نشر ثقافة الارشاد والعلاج النفسي عبر الانترنت بين مختلف فئات المجتمع, ويتفق الباحثان إلى أنه حان الوقت للانطلاقة نحو الإرشاد النفسي السيبراني والعمل على تفعيلة في مدارسنا بأساليبه وفنياته وادواته الجديدة والتي تواكب العصر ومستجدات التقنية والعمل على التدريب عليه وإعطاءه مساحة أكبر في التطبيق في الإرشاد والتوجيه وحل المشكلات المدرسية.

التوصيات:

خلصت الورقة إلى مجموعة من النتائج منها:

-اصدار دليل عملي لتقديم الخدمة النفسية الإرشادية والعلاجية عن طريق استخدام التكنولوجيا الحديثة.

-تدريب المرشدين على فنيات وأساليب الإرشاد النفسي السيبراني(الإرشاد عن بعد).

-تفعيل دور المرشد الطلابي داخل منصات التعليم الإلكتروني في تقديم خدماته الإرشادية.

-ادخال مقرر علم النفس السيبراني, كأحد المقررات التدريسية في كليات التربية واقسام علم النفس.

المراجع

الببلاوي, فيولا(2014). آفاق الإرشاد النفسي للأطفال في عصر الإعلام الرقمي. مجلة الإرشاد النفسي. ع 38، أبريل. 1- 28.

البدو, أمل(2020). دور المواطنة الرقمية في استخدام التكنولوجيا والتقليل من الاخطار الناجمة عنها. مجلة الأستاذ للعلوم الإنسانية والاجتماعية. مج 59. ع(3). أيلول. 57-82.

بنات, سهيلة؛ غيث, سعاد؛ البدارين, غالب؛ البنا، محمد(2013). استخدام المرشدين التربويين لتقنيات الحاسوب في المدرسة الحكومية الأردنية. كلية العلوم التربوية، المجلة التربوية. مج 28. ع(109). ج 1. سبتمبر. 75-126.

الخطيب, جمال(2001). تعديل السلوك الانساني. ط4. الكويت. مكتبة الفلاح للنشر.

رباح, ماهر (2004). التعليم الالكتروني .عمان. دار المناهج.

الرشود, عبدالله(2015). مدى رضا طلاب التعليم عن بعد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عن الإرشاد الأكاديمي وسبل تطويره من وجهة نظرهم. مجلة البحث العلمي في التربية. ع16. 588-628.

رمضان, الخامسة؛ غراب, سعيدة(2019). الجامعات الجزائرية واستخدام منصة التعليم الإلكتروني في التعليم الجامعي- دراسة ميدانية على عينة من اساتذة وطلبة جامعة ورفلة –الجزائر. المجلة العربية للتربية النوعية. جامعة محمد خيضر بسكرة. ع(6). يناير. 77-108.

زهران, حامد(1998). التوجيه والإرشاد النفسي. ط3. القاهرة. عالم الكتب.

شرون, حسينة؛ الزرقي, قاسمي(2018). حماية الطفل من مخاطر الانترنت (الفضاء السبيراني أو الافتراضي). مجلة الدراسات والبحوث القانونية. ع(9). جوان. 25-53

عامر, طلال(2014). فعالية تقديم مقرر “مقدمة في تكنولوجيا المعلومات” من خلال نظام المودل لطلبة البرنامج التأسيسي بجامعة السلطان قابوس. المجلة الدولية للاتصالات الجمعية العربية للحاسبات عدد خاص – فبراير.78-87.

عباس, فريدة (2018). صراع القيم بين الثقافة المحلية والثقافية والافتراضية في ظل الفضاء السبيراني. جامعة بشار. مجلة البدر. الجزائر. 1420-1431

عبدالحميد, أحمد(2018). التنبؤ بالاتجاه نحو الإرشاد الإلكتروني في ضوء متغيري وجهة الحياة المهنية والتوافق المهني لدى مرشدي الطلاب بالمملكة العربية السعودية. مج34. ع(3). مارس. 302-373.

عتوتة, صالح(2012).الحاجات الإرشادية للطالب الجامعي في ضوء متطلبات توطين ثقافة التعليم والتعلم الإلكتروني. عالم التربية. ع 40. ج(3). أكتوبر. 327-352.

العقاد, عصام(2016). الاتجاه نحو خدمات الارشاد والعلاج النفسي عبر بيئة الفضاء الإلكتروني لدى عينة من الشباب الجامعي. المجلة الدولية للتنمية. مج5. 71-88.

القذافي, رمضان(1997). التوجيه والإرشاد. بيروت. دار الجيل.

Abdelaziz, H. A. (2013). From content engagement to cognitive engagement: Toward an immersive Web-based learning model to develop self- questioning and self-study skills. International Journal of Technology Diffusion, 4(1), 16-32, January-March 2013.

Bathje, G. ; Kim, E. ; Rau, E.; Bassiouny, M. & Kim, T. (2014). Attitudes toward face-to-face and online counseling Roles of self-concealment, openness to experience, loss of face, stigma, and disclosure expectations among Korean college students. International Journal for The Advancement of Counselling, 36(4), 408-422

Chester, A.,& Glass, C. A(2006). Online counseling: A desciptive analysis of therapy services on the Internet. British Journal of Guidance and Counseling, 34,145-160.

Direktor, C. (2017). A new area of mental health care: Online therapy, counseling and guidance. Journal of Research in Humanities and Social Science, 5(2), 78-83.

Grohol, J. M(2004). Online counseling: A historical perspective. In R. Kraus, J . Zack, & G. Sticker (Eds.), Online counseling a handbook for mental health professionals(pp. 51-68). San Diego, CA: Elsevier Academic Press.

 Mallen, M. ; Vogel, D. & Rochlen, A. (2005). The practical aspects of online counseling: Ethics, training, technology, and competency. The Counseling Psychologist, 33(6), 776-

Thornburg, D. (1996). Campfires in cyberspace. San Carlos, CA: Thornburg and Strong Publications.

Image from: freepik.com

إعداد: د. جزاء عبيد العصيمي

   دكتوراه نمو نفسي