بحسب تقديرات اليونيسف اضطر 3,4 مليون شخص بمن فيهم مليوني طفل إلى الفرار من ديارهم
منذ تصاعد الحرب في اليمن في 2015 واللجوء إلى مناطق بعيدة عن النزاعات كالمخيمات التي أقيمت في العديد من المحافظات أو محاولة البعض منهم الانخراط في المناطق السكنية على الرغم من الازدحام السكاني وارتفاع تكاليف الإيجارات.
لم تكن مناطق استقبال النازحين بأفضل حالا من مناطق النزاع فهي وإن كانت بعيدة عن أصوات الأسلحة ألا أنها تفتقر للعديد من الخدمات الأساسية وتواجه مخاطر شتى مثل انتشار الأمراض والأوبئة بالإضافة إلى عمليات التهميش وهشاشة العملية التعليمية أو انعدامها.
لقد تعرضت الكثير من حقوق الانسان للانتهاك في خضم موجة النزاع وأصبح الوضع في البلاد سيئ للغاية فعلى سبيل المثال يعتبر النظام التعليمي أحد المتضررين من هذه الحرب حيث أوضح تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) أن هناك ما يزيد عن مليوني طفل خارج المدرسة حيث دمرت (2916) مدرسة، واحدة على الأقل من بين كل أربع مدارس أو تضررت جزئيا أو تم استخدامها لأغراض غير تعليمية نتيجة سبع سنوات من النزاع الذي شهدته البلاد. كما يواجه الهيكل التعليمي مزيدا من العوائق تتمثل في عدم حصول أكثر من ثلثي المعلمين – ما يقرب من 1720000 معلم ومعلمة – على رواتبهم بشكل منتظم منذ عام 2016 أو أنهم انقطعوا عن التدريس بحثا عن أنشطة أخرى مدرة للدخل.
وفي دراسة للباحث الصلوي حول تأثير الحرب الاهلية على مؤشرات التنمية البشرية اظهرت الدراسة ان أبرز تأثيرات الحرب في مجال التعليم تمثلت بالحرمان منه وصعوبة الالتحاق به لاسيما الأطفال وكذلك الحد من الطلب على التعليم ونقص الخدمات التعليمية وتراجع مستوى جودتها.
لم يعد للتعليم أهمية تذكر في نفوس الأولاد والذين يرى آبائهم أيضا أن قدرتهم على إجادة القراءة والكتابة يعد أمرا كافيا كون الاستمرار في مراحل التعليم ليس سوى ضربا من العبث وضياع للوقت دون فائدة فهم يربطون دوما بين تحصيل التعليم وتحصيل المال ثم يتساءلون عما سيؤول إليه مستوى أبنائهم الاقتصادي بعد اتمامهم لمرحلتهم الدراسية إلا أن حالات البطالة المنشرة بين خريجي الجامعات بالإضافة إلى تدني مستواهم المعيشي تجعلهم يشعرون بالخيبة ويعتريهم اليائس تجاه جدوى التعليم واهميته.
على المثل من ذلك ترتفع نسبة الفتيات اللواتي يتركن التعليم في وقت مبكر فوفقا للأمم المتحدة بلغت نسبة الفتيات اللواتي تسربن من المدارس حوالي 36% مقارنة بـ 24% للبنين وقد تعددت الأسباب المؤدية إلى ذلك والتي كان من ضمنها انعدام الامن وكذلك عدم وجود معلمات بالإضافة إلى المسافات الطويلة بين المدرسة والمنزل.
وفي المناطق الريفية حيث موطني الأصلي لاحظت بشكل متكرر تسرب الطلاب عن المدارس في مراحل عمرية مختلفة بل قد يصل الامر بهم إلى ترك المدرسة في مراحل متقدمة جدا مع غياب دور الرقابة الأبوية التي تتغاضى عن الموقف، بالإضافة إلى حالات عدم الاهتمام من قبل المعملين الذين يواجهون صعوبات في توفير احتياجاتهم الأساسية بسبب انقطاع الرواتب منذ مدة طويلة.
الكثير من الطلاب الذين تمكنوا من إتمام تعليمهم الثانوي يترقبون على عجل أعمارهم كي يتجاوزوا سن الواحد والعشرون ليتمكنوا من الحصول على الموافقة بقبول الهجرة إلى إحدى البلدان المجاورة، بل قد يضطر البعض منهم إلى سلك طرق غير شرعية في الدخول إليها مما يعرضهم إلى مخاطر كثيرة من ضمنها الموت أو الضياع.
ليس هناك نسبة تذكر لعدد الملتحقين من أبناء منطقتي بالتعليم الجامعي خلال الفترة (2017-2024) على الرغم من قلة حاملي هذا المؤهل وندرتهم، فالالتحاق بهذه المرحلة أصبح من المستحيل التطرق إليه، حتى أن بعض الملتحقين بالجامعة في الفترات السابقة اضطروا لتركها في مراحل مختلفة بسبب عدم توفر تكاليف الدراسة بالإضافة إلى حالات من اليأس التي تملكتهم كنتاج لانتقادات أبناء المنطقة حول جدوى الاستمرار في التعليم ومواصلته.
يؤكد (م.ا) ظاهرة الانتقادات التي تواجهه من أبناء المنطقة كونه حاول جاهدا الاستمرار في تلقي التعليم ومواصلة الدراسة لمرحلة الماجستير على الرغم من تعدد الصعوبات التي واجهته أثناء الدراسة والتي كان من ضمنها توفير مصاريف الدراسة وتسديد الرسوم الجامعية حيث عمل في أشغال متعددة من أجل ذلك إلا أن ذلك لم يكن كافيا لتخفيف العبء عنه.
ليس بالإمكان سرد كل تفاصيل المعاناة في المجتمع أو الالمام بجميع مشاكلها فهناك العديد من التقارير التي تناولتها بطرق مفصلة وستظل هذه المعاناة بمشاكلها المتنوعة ما لم تتوقف الصراعات وتتوصل الأطراف المتنازعة إلى سبل لحل النزاع.
لماذا الاهتمام بالتعليم؟
إن مسالة أهمية التعليم لم تعد اليوم محل جدل في أي منطقة من العالم فما تشهده الدول من تقدم في شتى المجالات إنما هو حصيلة الاهتمام بالجانب التعليمي بجميع مراحله وأنواعه والسعي الجاد إلى تطويره وتعميمه على كافة أفراد المجتمع باعتباره حجر الزاوية في بناء قوتها السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية حتى أصبح التعليم في أولويات برامجها وسياستها.
التعليم هو أحد أهم حقوق الانسان التي أقرتها الأمم المتحدة منذ نشأتها وتسعى الحكومات إلى التجديد المستمر للنظم التعليمية وتطويرها حتى تتمكن الأجيال المتتالية من مواجهة التحديات المستقبلية التي ستفرضها عليهم المتغيرات العالمية والتطورات العلمية والتكنولوجية التي يموج بها العالم حاليا.
ما العلاقة بين التعليم وحقوق الانسان؟
إن مسؤولية التربية على حقوق الانسان تقع على عاتق المؤسسات التربوية والجامعية حيث أننا بحاجة إلى تحويل حقوق الانسان إلى مفاهيم ومبادئ يقدر المعلم والمتعلم على استيعابها وتوظيفها في حياته اليومية والعملية مع حرصه على نشرها بين أبناء مجتمعه بأسلوب تثقيفي وتوعوي مناسب.
ويُعرف التثقيف في مجال حقوق الانسان وفقا للأمم المتحدة على أنه عملية التعليم والتدريب والإعلام الرامية إلى إرساء ثقافة عالمية في مجال حقوق الانسان. فالتعليم الجيد في مجال حقوق الانسان لا يزود بالمعارف المتعلقة بحقوق الانسان وبآليات حمياتها فحسب، بل ينمي أيضا المهارات الضرورية لتعزيز حقوق الانسان والدفاع عنها وتطبيقها في الحياة اليومية.
ما العلاقة بين التعليم والتنمية؟
التربية والتعليم هي إبراز المكونات أو المدخلات الأساسية للتنمية البشرية والعامل الأكثر تأثيرا في تحقيق بقية المكونات الأخرى لأن وصول التنمية البشرية إلى مبتغاها يتوقف على نوعية الفرد الذي تعده وعلى المعارف والمهارات التي تزوده بها وعلى مدى توظيف هذه المهارات في مختلف أنشطة المجتمع وليرفع بها من مستوى معيشته.
ما التعليم الذي نريده؟
حددت منظمة اليونسكو أربعة مبادئ أساسية للتعليم والتي تمثل الدعائم الرئيسية لتعليم المستقبل وهي: التعلم للمعرفة، التعلم للعمل، التعلم للكينونة، التعلم للعيش مع الاخرين، مما يتطلب تضمينها في المنظومة التعليمية.
إن المبادئ الأربعة السابقة بمجملها تؤتِ ثمارها على الفرد والمجتمع، فالفرد المتعلم يعود بالنفع على نفسه ومجتمعه إذا ما كان تعليمه قد بُني على أسس منهجية سليمة، وحتى تتحقق تلك المبادئ فنحن بحاجة إلى غرس التعليم في ذات الفرد (أعماقه) وتكوين شخصيته بناء على معلومات متينة بحيث يكون الفرد قادرا على ترجمة ما يتلقاه من معلومات إلى واقع بعيدا عن الحفظ والتلقين الذي من شأنه بناء شخصية هشة غير قادرة على التعامل مع مجريات الحياة وتغيراتها.
كيف يمكن حل مشكلة التعليم؟
تحتاج الظاهرة التعليمية إلى إعادة دراسة وفهم جديدين يقومان على إدراك الواقع، خاصة مع التطور التكنولوجي الهائل الذي أثر في عملية التطوير المنهجي وكذلك مواجهة التحديات التي من شانها إعاقة سير العملية التعليمية والعمل على إعادة نشر ثقافة العلم وتوعية الناس بأهميتها من أجل تغير الأفكار والمعتقدات السيئة حول التعليم.
كما أننا بحاجة إلى ترسيخ الاعتقاد بأن كل الأطفال قادرون على الوصول لأعلى مستويات التعلم بصرف النظر عن الظروف الاقتصادية أو العرق أو الدين بحيث يتم دعم وصول كل الأطفال إلى أعلى مستويات التعلم. فالأطفال قادرون على الوصول إلى أعلى المستويات متى توفر لهم الإطار الصحيح للتعليم والتعلم ومتى توفرت لهم الأدوات الملائمة والصحيحة.
كيف يمكننا دراسة مشكلات التعليم؟
من غير الممكن الإلمام بجميع مشاكل التعليم في البلد وتقديم دراسات تفصيلية حولها إلا أنه بالإمكان تناول عينات متعددة الأماكن عن طريق تقديم توصيات لمراكز الأبحاث المتوفرة في البلد والعمل على تشجيع ودعم الباحثين والخبراء من أجل القيام بدراسات وأبحاث في مناطق مختلفة وتقديم التوصيات اللازمة للقيام بها من أجل التغلب على المشاكل التي تمر بها المنطقة.
كيف يمكننا أن نقيس نوعية التعليم؟
تظهر النوعية المتدنية للتعليم في صور عدة (كمية، وكيفية) منها: تزايد معدلات الرسوب والتسرب وخصوصا في نظام التعليم العام، وانخفاض معدلات الترفيع أو النجاح من مستوى دراسي إلى آخر ومن مرحلة تعليمية إلى أخرى والغش في الاختبارات بكل صوره، وبيع الشهادات التعليمية وانخفاض معدلات التخرج من نظم التعليم التي تصل إلى أدنى مستوى لها في التعليم العام.
من المسؤول عن التعليم؟
نحن بحاجة إلى اتفاق فعال بين أولياء الأمور والمربين وصانعي السياسة اتفاقا يسمح بنظرة منفتحة لنظامنا التربوي والمفاهيم الثقافية المؤثرة عليه، بحيث يكون هناك مشاركة مجتمعية واسعة لدعم الإحساس بملكية المؤسسات التعليمية وتأصيل الحوكمة الرشيدة على مستوى المدارس وتحقيق تآزر اجتماعي يواجه التحدي الثقافي والمالي والاجتماعي ويرعى أسس وقيم المواطنة ويرسخها في المناخ التربوي داخل المدارس والفصول الدراسية لينشئ تكامل بين التعليم الناتج في البيئة المنزلية وبين ما ينتج من بيئة أخرى قد تكون مدرسية أو غير مدرسية.
ماذا عن التعليم الجامعي؟
يعتبر التعليم الجامعي أحد أبرز المتضررين في سلم النظام التعليمي والذي يوجه مشاكل متعددة مع ضعف الإقبال على معظم تخصصاته من قبل الطلبة في العديد من الجامعات مما أدى إلى اغلاق بعض التخصصات نتيجة عدم التحاق الحد الأدنى من الطلبة بها.
ما هو وضع التعليم الجامعي الحالي؟
هناك تراجعا ملحوظا في المستوى التعليمي لأداء الجامعات حيث أصبح الملتحقون به تواجههم صعوبات متعددة أهمها غياب الكادر الأكاديمي أو انشغالهم عن تقديم المحاضرات بشكل متواصل. يحكي “فضل” وهو أحد طلبة كلية التجارة جامعة صنعاء أن تدني مستوى التعليم في تزايد مستمر وأن أداء الكلية لا يرقى لمواكبة احتياجات السوق المحلية حيث أن هناك فجوة كبيرة بين ما يتلقاه الفرد وما يواجهه في حياته العملية، وعن سؤاله عن مدى رضاه بالدراسة الجامعية كان جوابه بالأسف على ماضيه الذي قضاه لأكثر من ثلاث سنوات حيث أنه كان بإمكانه الاكتفاء بشهادة المرحلة الثانوية ومباشرة أعماله الخاصة بعد ذلك دون الحاجة للالتحاق بالجامعة.
ختاما:
إننا بحاجة ماسة إلى نشر ثقافة العلم وإرساء مبادئه بين أبناء المجتمع بحيث يصبح مضمونها ثقافة كامنة في نفوسهم مما يسهل عليهم ترجمتها على أرض الواقع بشكل أفضل مع قناعة تامة بما يقومون به، إذ أن نشر ثقافة العلم تتطلب منا مواجهة الجهل والقضاء عليه، علما بأنه يمكننا القيام بذلك في الظروف الطبيعية إذا وجدت الإرادة الصادقة والتخطيط السليم فكم من الدول المتقدمة والمتطورة في عالمنا المعاصر تمكنت من التغلب على الجهل والارتقاء بالتعليم إلى أعلى مستوياته.
Image from: World Humanitarian Summit on Flickr
كتابة: محمود أمين قاسم دبوان
ماجستير إحصاء ومعلومات –جامعة صنعاء
اترك تعليقاً
لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *