aisc
saudistem

عريف الصف: متنمّر برتبة قائد

عريف الصف: متنمّر برتبة قائد
أمل طاهر الأسود

يحل اليوم العالمي لمكافحة التنمر في شهر نوفمبر، ومع كل الزخم المُلاحَظ في تناول موضوع (التنمر) في الإعلام بمختلف وسائله، الدورات التدريبية، الحلقات التثقيفية، والدراسات والبحوث، الأمر الذي قد يجعله موضوعاً مستهلكاً لدى البعض، إلا أنه لايزال مستمراً في الحدوث، فلماذا نشاهده بشكل شبه يومي في المدرسة والمنزل وكذلك بيئة العمل والأماكن العامة؟!

 

 

لنوجه جل تركيزنا في هذا المقال على الطفل بين المدرسة والمنزل. ما الذي يحدث معه حتى استمر في سلوكه كمتنمر أو ضحية للتنمر أو شاهداً صامتاً؟ بحسب منظمة اليونسكو “فإن الأطفال الذين يتعرضون للتنمر بشكل متكرر هم أكثر عرضة بثلاث مرات تقريباً للشعور بأنهم دخلاء في المدرسة وتتضاعف احتمالية التغيب عن المدرسة أكثر ممن لا يتعرضون للتنمر”.

 

ومع التغيرات السريعة التي أحدثتها الحاجة لاستكمال الحياة على أفضل ما يكون رغماً عن أنف جائحة كورونا، فقد تطورّ النظام التعليمي بجهود ضخمة جعلته مستمراً دون تأخير، فوجدت الأسرة نفسها أمام شاشات الأجهزة الالكترونية والأطفال ملزمين باستخدامها ليدخلوا عبرها لمدرستهم ويتواصلون مع زملائهم ومعلميهم ويعيشون يوماً دراسياً حافلاً استمر على مدى عامين. المشكلة أن بعض الأطفال ليس معه مقدم رعاية في تلك الأثناء بحكم عمل الوالدين لدى البعض أو ظروف أخرى. إن تحدثنا عن التسلط الالكتروني على منصات التعليم فهل أطفالنا لديهم القدرة لإخبارنا كمعلمين وأولياء أمور بما يمرون به من أذى، أو يمر به غيرهم؟ هل أطفالنا محصنون للتعاطي مع هكذا أمر؟

 

كان ولا يزال يهمني التثقيف الموجه للأسرة والمدرسة والطفل نفسه لكن هل هو كافٍ؟ لقد توصّلت لعدة نقاط أجد أهميتها حول مكافحة التنمر بناءً على التجربة والملاحظة في الميدان المدرسي والتعامل مع الأسر:

-البيئة المدرسية هل هي إيجابية للموظفين فيما بينهم أم أن هناك ممارسات للاستقواء على مرأى من الطفل؟ وهذا في الغالب إن وُجِد فهو له تأثير حيث أن الأطفال شديدو الملاحظة والتأثّر. أم أن المعلم هو من يمارس الاستقواء على طلابه كأحد منطلقاته الفكرية التي يعتمد عليها لإدارة الصف -كما يعتقد-!

 

-توجيه الاهتمام للصحة النفسية الإيجابية للطفل بتقديم الحب والثقة والتقبّل مع ممارسة التعاطف معه ومع زملائه وأخوته والآخرين، وتقديم التقدير لشخصه وإن أخطأ سلوكياً لابد من التشديد على قاعدة: (أنت ليس بشخص سيئ بل لديك سلوك غير إيجابي يمكننا التعامل معه بما يلائمه وأنت تستطيع تغييره).

 

-عدم السماح بالنميمة في الصف والمدرسة عموماً. وقد وجدت أن أحد الأساليب المستخدمة لدى البعض من الزملاء والتي تخلق في نفس الطفل سلوكيات الاستقواء والنميمة على الآخرين وجعل باقي الأطفال مُمَارَس عليهم هذا السلوك السلبي بمباركة المعلم/الملعمة تحت مسمى (عريف الصف/قائد الصف) أياً كان المسمى لا يصلح ممارسته -من وجهة نظري- بل لازلت أتذكر جيداً الشعور الغاضب الذي يعتريني قبل ما يقارب الثلاثون عاماً حين كنت طفلة. وبالرغم من أنه لم يطالني الأذى لكوني طفلة متفوقة وذات سلوك مسالم لكنه لم يكن إيجابياً! فكون الطفل شاهداً على ممارسة الاستقواء من أحد زملائه عبر تقديم الشكوى على أبناء صفه والمتوقع أن تقع عليهم عقوبات أياً كان نوعها ودون أيّ تحرّك من ذلك الطفل المسالم للدفاع عن زملائه الذين يتم تعنيفهم ظلماً. فليس من الإنساني أو الأخلاقي ترهيب أو إهدار كرامة طفل وكسر ثقته بنفسه سواء بالكلمات أو الزمجرة في وجهه أو تهديده بالدرجات! وإن لم يكن ذلك المعلم ينوي القيام بردة فعل تجاه تلك الشكاوى الاستقوائية فيكفي إشعار الطفل بأنه قام بفعل غير محمود! و-مع الأسف-لايزال هذا النوع من المهام يوكل للأطفال في بعض المدارس، فقد يظن المعلم أنه يستفيد إيجاباً من هذه الطريقة بالسيطرة على الصف في غيابه وتعليم الأطفال المسؤولية والقيادة، بينما هذا الدور يعلمه ويدربه جيداً ليصبح “متنمر” وجميع الأطفال مُتَنَمّر عليهم أو شاهدون على التنمر! الأوْلَى أن نعطي الثقة للطالب بأن يكون مسؤولاً عن ضبط نفسه ويتحمل مسؤولية أخطائه ويتحدث عنها بنفسه دون الحاجة لرقيب مترصد من زملائه! وإن حدث أمر ما لأحد زملائه بالصف سيهب للدفاع عنه ويتحدث من وجهة نظره والآخرون كذلك في جو من الاحترام والجديّة في التعاطي مع الأحداث.

 

خطوات مساعدة للأطفال

لمساعدة الطفل على بناء شخصيته ليصبح أكثر انفتاحاً وحصانةً ضد ممارسات الاستقواء:

-القدوة الحسنة المقرّبة من نفس الطفل لها الأثر الكبير في اكتساب الطفل للسلوكيات الإيجابية.

-تدريب الطفل على مهارات الإلقاء والتعامل مع الجمهور والتي تتضمن: احترام دور الأخرين وآرائهم المختلفة، استخدام الكلمات الذوقية، تقديم الدعم والثناء على الآخرين، التعاطف، وتقدير مشاعر الآخرين وانجازاتهم.

-تدريب الطفل على شرح فقرة/فكرة/ والبحث عن معلومة وعرضها، ومن المهم الاهتمام بتكافؤ الفرص بين الأطفال وإن كان لديه حالة صحية كأحد مشاكل النطق مثلاً لابد أن يأخذ فرصته بالعرض والشرح عبر تكثيف الصور والحديث على طريقته ليحصل على الدعم والتقدير لعمله، فبيئة الصف والمنزل الإيجابية تجعل التقبّل أحد الأسس واحترام الآخرين كما هم أحد القيم المعمول بها لديهم. هكذا يشيع جو من الألفة والاحترام المتبادل بينهم.

-توثيق إنجازات الطفل في المدرسة لمشاركتها أسرته التي ستقوم بدورها في تشجيع الطفل وإشعاره بفخرهم به. فالطفل يرى نفسه بحسب ما يراه في عين الكبار(الوالدين/المعلمون). وهذا له عظيم الأثر في نفس الطفل وفكره وسلوكه. فمثلاً، حين يصل للأب فيديو تم توثيقه لموقف إيجابي قام به طفله أو شرح نشاط ما بشكل جيد أو أياً كان الأمر اللطيف الذي يدعو لتوثيقه –”جميع الأطفال لديهم أمر ما يستحق التوثيق”-، ماذا سيفعل؟ مجرد أن يلتفت له ويشاهد معه منجزه ويتحدث معه حوله ويُسمعه كلمات الثناء والفخر مع احتضانه وتقبيله والتحدث عن طفله ومميزاته ومنجزاته للآخرين بحضور هذا الطفل. لسنا بحاجة هنا لشرح التأثير النفسي والعاطفي والذهني الإيجابي الذي سيُحدثه هكذا أسلوب مع الطفل.

– نستطيع تكوين صورة إيجابية سليمة للطفل تجاه ذاته و تجاه الآخرين عبر بناء شخصية متزنة واثقة مستقلة، هذا يدعونا لتوثيق العلاقة الإيجابية بين المدرسة والمنزل لخدمة الطفل بجوانبه المختلفة على أكمل وجه حتى نهدم فجوة التباين بين الأهداف والأساليب المتبعة في المدرسة والأخرى المتبعة في المنزل حتى لا يتشتت الطفل، ولابد من الاتفاق فيما بين أهم جهتين مؤثرة في حياة الطفل.

 

-دعم الطفل نحو التعبير عن مشاعره وآرائه الإيجابية والسلبية وتقديره. وخير قدوة الأسرة ممثلة بالوالدين ومن معهم والمدرسة ممثلة بالمعلمين ومن معهم. فهل نحن على قدر من الوعي والسلوك والمشاعر المتزنة؟ بناءً على ذلك، يُدفع بالطفل إما بالتعبير عن مشاعره بأريحية دون مبالغة أو خوف أو خجل من اظهار ما بداخله من شعور، أو على العكس من ذلك.

 

-استخدام الفلسفة في الدروس وفتح باب النقاش وطرح الأسئلة والتوصّل لحلول أو أفكار -سواء في المدرسة أو المنزل- له تأثير عظيم على شخصية الطفل وفِكره حيث استخدام التفكير والبحث والقياس مما يخلق لنا طفلاً قادراً على قياس الأمور واتخاذ القرارات. وهذا لن يجعله المطيع المتفرّج سلبياً دون أن يكون له صوت أو رأي واضح.

 

-الوعي بخصائص النمو المرتبطة بالمرحلة العمرية ليعرف المربي أساسيات هذه المرحلة معرفياً، سلوكياً، انفعالياً، اجتماعياً. والانتباه للفروق الفردية التي تُحدِث اختلافاً يحتّم علينا مراعاته واحترامه.

 

ختاماً، حتى نعالج أمراً ما علينا وضع أيدينا على الجرح واختيار أفضل الطرق لعلاجه والحيلولة دون أن يبقى أثراً مشوّهاً. فجميعنا نستطيع إن أردنا ذلك.

 

 

كتابة:

أمل طاهر الأسود

 

 

Photo created by master1305 – www.freepik.com

4 تعليقات

مواضيع مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

4 التعليقات

  • احلام بنت معيض الشمراني
    أغسطس 28, 2021, 9:26 ص

    مقال اكثر من رائع يلامس الواقع. توصيات تستحق النشر في الاوساط التعليمية و الاسرية للعمل على حل مشكلة التنمر في المدارس. شكراً لفكرك النير استاذة امل الاسود 🌺

    الرد
  • حنان ال صفيان
    أغسطس 28, 2021, 11:40 ص

    ابداع و صياغة لموضوع هادف
    برسالة تصل الى جميع الأمهات والأباء والأبناء في ترسيخ الأعتدال عن المفاهيم الخاطئة بالتوجية الصحيح
    كل الشكر – ستاذه أمل على رسالتك الجميلة في انتظار كل مفيد 🍃🌺

    الرد
  • أماني شائع الدوسري
    أغسطس 28, 2021, 1:47 م

    مقال رائع جدا …فعلا لا بد أن نهتم بالجانب النفسي للطفل كما نهتم بالجانب التعليمي ..شكرا لابداعك استذتنا الغالية 🌹

    الرد
    • نجاح العزيز ام محمد الاحمد@أماني شائع الدوسري
      نوفمبر 2, 2021, 7:33 م

      سلم فكرك وسلمت اناملك مقال رائع من معلمه مبدعه توصيات وحل عقبات تواجهنا مع اطفالنا في العمليه التعليميه والتربوية وفقك الله وسدد خطاك.

      الرد

آخر المواضيع

قائمة المحررين

الأكثر تعليقاً

فيديو

ltexpo