saudistem

البحوث التربوية واستفادة الدول العربية منها

البحوث التربوية واستفادة الدول العربية منها
سلطان المنصوري

يعد البحث العلمي المرتكز الثاني للجامعات بجانب التعليم وخدمة المجتمع. ولا يمكن النظر إلى البحث العلمي على أنه مجرد دورٌ تقوم به الجامعات أو الباحثين بل تحوّل البحث العلمي ليصبح ميزة تنافسية بين دول العالم،

وهذا ما تؤكد عليه رؤية (2030) في الارتقاء من المركز الحالي الخامس والعشرين في عام (2015) لتكون السعودية من أول (10) بلدان في مؤشر التنافسية العالمية. وتذكر وزارة التعليم (2020) “إضافة إلى ذلك هدف آخر جاء في رؤية (2030) يتمثل في وجود ما لا يقل عن (5) جامعات سعوديّة ضمن أفضل (200) جامعة في التصنيف العالمي وهذا يتطلب إجراء أبحاث عالية الجودة في جامعات المملكة”. وقد حصلت المملكة على المركز (29) في قائمة الخمسين دولة الأكثر إنتاجية للأبحاث العلمية عالمياً في عام (2019) وفقاً لمؤشر مجلة (Nature) لعام (2018م).

إن البحث العلمي يرتبط بأعضاء هيئة التدريس، وطلاب الدراسات العليا، والباحثين في المراكز البحثية، والكراسي البحثية، والتي تنتج عدداً كبيراً من الأبحاث كل عام. وفي المجلة التربوية الإلكترونية نطرح هذا السؤال الملّح، هل تستفيد المؤسسات والحكومات من الأبحاث التربوية؟ ويأتِ السؤال ضمن التحقيق الصحافي الذي يشارك فيه أربعة مختصين في العلوم التربوية يطرحون أراءهم حول هذه القضية.


-يتحدث الباحثين دوماً بأن الأبحاث التي يقدمها طلاب الدراسات العليا وأعضاء هيئة التدريس في الجامعات تبقى حبيسة الأرفف دون أن يستفاد منها. فهل هذه حقيقة؟ 

ترى أستاذة المناهج وطرق تدريس اللغة الإنجليزية المشارك بجامعة جدة د. دلال القيعاوي أن عدداً من الباحثين أكدوا أن هذه حقيقة وأن العلاقة بين الباحث والبحث تنتهي بمجرد حصوله على الدرجة وقد قامت الباحثة (ريم عبدالهادي القحطاني) بعمل دراسة شاركت بها في المؤتمر الثامن عشر للجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية بعمل دراسة بعنوان “تصور مقترح لتعزيز التعاون بين الجامعات السعودية وإدارات التعليم لتحقيق الرؤية السعودية 2030 في مجال التنمية المهنية للمعلم”  هدفت من خلالها إلى تقديم مقترحات للاستفادة من الأبحاث التربوية.

ويسند الأمر أستاذ المناهج التعليمية المشارك بجامعة القصيم د. سامي السنيدي إلى نوعية البحوث العلمية والهدف منها، فعلى سبيل المثال الرسائل العلمية (الماجستير والدكتوراة) الهدف الأسمى فيها هو تدريب الباحثين على مهارات البحث العلمي والمهارات العقلية وغيرها من الأهداف، لكن هذا لا يعني عدم الاستفادة من الرسائل العلمية المتميزة، كذلك البحوث العلمية التي تحقق أهداف قصيرة المدى أو محدودية النتاج العلمي المقتصرة على فئة أو حالة معينة أو حقبة زمنية محددة.

وتشاركهم في الموافقة باحثة الدكتوراه في الإدارة التربوية أ. زانه الشهري والتي تقول: “نعم، وهي حقيقة واقعة في جميع دول العالم، فجزء كبير من الإنتاج العلمي على مستوى العالم لا تتم الاستفادة منه”. وتضيف الشهري: قبل عام تقريباً نشرت في حسابي في تويتر ملخص تدوينة للبروفيسور (جون ايونيديس) من جامعة ستانفورد تحدث فيها عن دراسة قام بها مع مجموعة أخرى من الباحثين حول البحوث في العلوم الطبية من عام 1990 حتى عام 2016، ووجدوا أن 96% منها لها نتائج مهمة ودالة لكن قدر كبير من هذه البحوث لا يتم الاستفادة منها، وقدّر الوقت اللازم لتحقق الاستفادة منها بنحو 25 عاماً، وفي هذا الوقت تتراكم أدبيات أخرى قد تفند أو تنفي ما توصلت له هذه الدراسات.

“هي حقيقة إلى حد ما” كما يراها الدكتور جزاء العصيمي، ويوضح: إن غالبية بحوثنا نظرية وتكون عينتها في نطاق ضيق لا يسمح لنتائجها بالتعميم.


-لكن كيف يمكن للحكومات أن تستفيد من هذا النتاج الفكري والبحثي؟

تجد القيعاوي أنه يمكن للحكومات الاستفادة من هذا النتاج من خلال عمل الشراكات بين الجامعات والجهات المستفيدة مثل مجال التطوير المستمر للمعلم، أو تحويل الاستراتيجيات ومقترحات الأبحاث إلى بحوث تجريبية إجرائية يطبقها المعلم مع طلابه داخل الفصل ويكتب عنها تقارير يمكن الرجوع إليها والاستفادة منها في حل المشكلات وتطوير عمليات التعليم والتعلم.

ويعتقد العصيمي بأن هناك فرص للحكومات والمؤسسات كي تستفيد من النتاج البحثي والفكري وذلك من إنشاء مراكز بحثية في التخصصات النظرية والعلمية تعُنى بتقديم الاستشارات البحثية وحل المشكلات وتطوير المهارات المرتبطة بحاجيات المؤسسات والحكومات.

وتؤكد الشهري بأن إدارة الإنتاج العلمي تحتاج مؤسساتية وبالتالي فوجود هيئات مستقلة للإشراف على أنشطة البحث العلمي واستثمارها من الحلول المفيدة، وهي ممارسة موجودة في أكثر الدول تقدماً في هذا المجال كالولايات المتحدة الأمريكية من خلال مكتب البيت الأبيض لسياسة العلوم والتقنية، والصين من خلال أقسام متخصصة في لجنة التنمية والإصلاح وكذلك في العديد من الدول الأوروبية.

بينما يجد السنيدي أن هذا السؤال كبير ويصعب الإجابة عليه في كلمات بسيطة وإنما قد يحتاج إلى بحث في كيفية الاستفادة من النتاج البحثي واستعراض التجارب المحلية والعالمية. ويضيف السنيدي: لكن من وجهة نظري المتواضعة يمكن تحديد بعض النقاط المهمة التي قد تسهم في الاستفادة من النتاج البحثي، ومنها: أولاً: إيجاد خطة بحثية على مستوى المؤسسة الحكومية أو التعليمية وتكون تشاركية من خلال إشراك أصحاب الرأي والمصلحة وكذلك الفئة المستهدفة، وذلك بتشخيص الواقع، وتجسير الفجوة بين التنظير والواقع، فمعظم المراكز البحثية تعمل بمعزل عن احتياجات المجتمع وتحدياته وهذا يسبب فجوة ويجعل البحث أقل فاعلية. ثانيًا: استقطاب العقول المتميزة والكوادر القادرة على إنتاج البحوث العلمية المتميزة التي تسهم في الاستفادة منها بشكل كبير في شتى المجالات. ثالثًا: دعم الفرق البحثية في تفعيل الدراسات البينية لإنتاج بحوث تكاملية يمكن الاستفادة منها بشكل أكبر. رابعًا: التمويل ومن الأهمية بمكان أن يكون هناك تمويل كاف للمراكز البحثية وحوافز مادية تشجع الباحثين على الابتكار في المجالات البحثية. وخامسًا: من الوسائل المعينة للاستفادة من النتاج البحثي أن تقوم المؤسسات بتلخيص البحوث المتميزة وذات العلاقة على شكل تقارير يسهل قراءتها وبعيدة عن اللغة الأكاديمية.


-هل يمكن القول بأن الباحث المتمكن والبحث المميز يساهمان في زيادة الاستفادة من هذا المنتج البحثي؟

في هذه النقطة يؤكد السنيدي بأن الباحث المتمكن والبحث المميز يسهمان في زيادة الاستفادة من المنتج البحثي إذا كان هذا المنتج يلامس احتياجات فعلية للمجتمع وللمؤسسات بشتى أنواعها، فعلى الباحث أن يبحث عن المشروع البحثي الذي يوجد حلول علمية وواقعية للمشكلات والتحديات التي تواجه المجتمعات في مختلف المجالات.

وتنظر الشهري إلى الأمر بالحياد فتقول: ليس على كل حال، فالاستفادة من البحوث العلمية كما سبق أن ذكرت عمل مؤسسي وليس فردي ويحتاج جهد منظم، يمكن أن يكون الباحث المتميز جزءً من هذا الجهد عبر قيادة الفرق البحثية والمجاميع البحثية.

بدورها تؤكد القيعاوي على إيجابية الباحث المتمكن أحيانا وخاصة مع وجود الدعم من قبل المشرف أو الجامعة لتطبيق نتائج بحثه والمساهمة في خدمة المجتمع.

ويجد العصيمي أن هناك تكاملية ما بين الباحث والبحث من أجل الحصول على نتاج ومخرج صحيح، فالموضوع الجدير بالبحث والذي يساهم في علاج أو تطوير أو بناء أمر مهم. والأهم أن يكون الباحث متمكّن من بحثه وأدواته التي تخرج لنا البحث بشكل جيد وفي مساره العلمي الصحيح للحصول على النتائج التي ينعكس أثرها على الميدان والمجتمع.


-كيف يستطيع الباحث تحقيق الفائدة من بحثه للمجتمع والدولة؟

تذكر القيعاوي بأن الباحث يستطيع تحقيق الفائدة من بحثه للمجتمع والدولة عن طريق دراسة الصعوبات والمشكلات التي يواجهها المجتمع ومحاولة بناء دراسته بهدف حل تلك المشكلات أو التغلب على الصعوبات. وتوضح القيعاوي: “هذا يعني أن يبني الباحث بحثه من البداية لحل مشكلة حقيقية أو البحث عن إجابة لتساؤلات يحتاجها المجتمع أو الدولة”.

ويرسم السنيدي خريطة طريق للباحثين كي تستفيد المجتمعات والدول من أبحاثهم، ويقول السنيدي هناك مستويين لهذه القضية. أولًا: على مستوى طلاب الدراسات العليا عليهم ألا يقف نتاجهم البحثي بمجرد الحصول على الدرجة بل عليه أن يسعى بنشر رسالته في المجلات العلمية المحكمة، كما عليه السعي في نشر نتائج بحثه وتطبيق ما توصل من نتائج في محيطه المهني. والمستوى الثاني على مستوى الباحثين أيضًا حيث يبقى النشر العلمي هو الوسيلة الأشهر في تحقيق الفائدة من النتاج البحثي، وكذلك النشر في منصات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى تصميم البحوث التي تتناسب مع احتياجات المجتمع وبحوث تقدم أفكاراً تطويرية خلاقة ومبتكرة. وكذلك اختيار الموضوعات البحثية الأكثر إلحاحًا والتي لها تطبيقات فورية في المجتمع.

ويعود العصيمي إلى الأساسيات فيقول: “يستطيع الباحث تحقيق الفائدة من خلال الخطوة الأولى المتمثلة في اختيار البحث أو مشكلة البحث وصياغتها في قالب صحيح والعمل على اختيار أدواته البحثية بعناية والوصول في الأخير إلى نتائج يمكن تعميمها في فضاء مجتمعه وبالتالي ينعكس الأثر البحثي على المجتمع في العلاج والبناء والتطوير”.

وتؤكد الشهري على ضرورة تجويد الناتج البحثي الذي ينبغي أن يكون هدفاً للباحث. وهي أسمى خدمة يمكن أن يقدمها لوطنه كدور فردي يقوم به الباحث، والذي يمكن أن يضاف للإنتاج البحث للدولة عند نشره في الدوريات العالمية مما يساهم في رفع معدل النشر وما يرتبط به من مقاييس أخرى، لكن هذا الجهد الفردي ينبغي أن يرافقه عمل مؤسسي منظم، وهما يتكاملان فيحققان مردود فعلي.

 

3 تعليقات

مواضيع مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

3 التعليقات

  • عزيز
    سبتمبر 7, 2020, 11:59 ص

    الحقيقة أن كل النتاج البحثي هو بيوت جديدة للعناكب في مكتبات الجامعات ولا يمكن تصحيح الوضع إلا بأن تكون الدراسات مبنية على حاجة فعلية؛؛؛؛؛ وشكرا

    الرد
  • Fahad Harthi
    سبتمبر 8, 2020, 10:03 ص

    نتعب في صناعة فكرة بحثية وتطبيقها ودراسات سابقة وتحليل وفي النهاية إلى مقبرة الرسائل الجامعية طالما ما فيه اهتمام من المؤسسات

    الرد
  • بارك الله في جهودكم مقال رائع ومميز

    الرد

آخر المواضيع

قائمة المحررين

الأكثر تعليقاً

فيديو