شكلت الإعاقة هماً بمختلف صورها الاجتماعية والثقافية والنفسية للمجتمعات الإنسانية منذ قديم الأزل، حيث كانت هذه الفئة تعاني من الظلم والتهميش والتمييز بينهم وبين الأطفال من غير ذوي الإعاقة وربما يصل بهم أيضاً إلى عزلهم عن المجتمع بشكل كلي (سواقد واخرون، 2006).
وذكر السجاري (2016) أنّ بعض المجتمعات تُظْهر صورةً سلبية في تعاملهم تجاه أطفال ذوي الإحتياجات الخاصة في مختلف الأنواع سواءً كانت الجسدية منها أم العقلية بعكس ما يظهرونه مع الأطفال من غير ذوي الإعاقة، حيث يُفسر بعض الأفراد سبب ولادة الطفل بالإعاقة بأنها راجعة إلى لعنةٍ أصابت الأم أو نتيجة سحر أو غضب من الله عز وجل، فقد أثبتت بعض الدراسات عكس ذلك وكان من تلك الدراسات دراسة Al-Faiz(2006) التي ذكرت فيها بأن سبب ظهور الإعاقة يعود إلى عوامل العرق والوراثة ونمط الحياة وظروف الأسرة وغيرها من العوامل التابعة لذلك.
فقد تعددت الأسباب والعوامل المؤدية إلى الإعاقة مما أدى ذلك إلى عزل هؤلاء الأطفال عن المجتمع وعن تركهم يعيشون حياتهم الطبيعية وجعلهم يشعرون بالدونية بسبب نبذ أفراد المجتمع لهم، إلى أن جاءت سياسة دمج هذه الفئة مع أقرانهم الأسوياء في الفصول التعليمية ومن هذا المنطلق سوف أقوم بتسليط الضوء في هذه الورقة على ظاهرة دمج الأطفال من ذوي الإعاقة مع أقرانهم الأسوياء في رياض الأطفال، حيث يقصد بدمج المعاقين “دمج جزئي أو كامل في الفصول الدراسية العادية حيث يعتمد الدمج على شدة وعدد حالات الإعاقة ومستوى الدعم الإضافي المتاح لذلك الطالب”.
(Fuchs & Fuchs, 1994, cited in Elkins etal, 2003).
فالعناية بالأطفال من ذوي الإعاقة يعتبر من الأمور التي تُظهر منظوراً كبيراً عن تقدم الأمة، وتحضُّرها وتعتبر من الجوانب الإنسانية المهمة والأخلاقية أيضاً، ورغم ذلك ما زالت هنالك اعتراضات من قبل بعض الفئات نحو فكرة دمج أطفالهم من غير ذوي الإعاقة مع الأطفال من ذوي الإعاقة، إلّا أن الاتجاه الإيجابي كان أكثر ظهوراً خاصتاً للفئات ذو الإعاقات البصرية والسمعية ومن ثم الجسمية وأخيراً العقلية (الشريف، 2016).
فكثير ما تخشى الأسرة النمطية في مجتمعنا دمج أطفالها سليمي العقل والجسد مع الأفراد من ذوي الإعاقة، حيث يتراود في أذهانهم أن أصحاب الإحتياجات الخاصة قد يشكلون خطراً على أطفالهم، ويشاع بينهم أن أصحاب الإعاقة هم أطفال يتسمون بالعدوانية ويهددون سلامة أطفالهم وهذا اعتقاد خاطئ جملة ًوتفصيلا حيث إن الإختلاف لا يتضاد مع الإنسجام، وكون الطفل ولد بإعاقة عقلية أو جسدية لا يعني أبداً بأنه أقل كفاءة من الطفل السليم، بل علاوةً على ذلك نجد الكثير من أطفال الإحتياجات الخاصة يحملون عاطفة وتعاوناً أكبر بمراحل مما يحمله الطفل السليم بذات العمر، وهناك حالات قد تكون فيها فئة ذوي الاحتياجات الخاصة ذات طابع وميول عدواني تماماً كما هو الحال لدى الطفل السليم عقليا وجسدياً، فالعامل النفسي ليس له علاقه بسلامة العقل والجسد فربما نجد طفلاً طبيعياً في الخلق سوياً في العقل يعاني من اندفاعات عدوانية يهدد بها سلامة أقرانه من حوله، فتأثير أطفال الاحتياجات الخاصة على أقرانهم من الأطفال الأسوياء إيجابي بشكل كبير حيث ينمي عند الطفل السوي حب التعاون والمساعدة والرحمة والعطف ويعلمه المسؤولية تجاه غيره، ويغرس في ذهنه أن كون الأنسان ولد مختلفاً لا يعني ذلك أنه عاجز عن اللعب والاستمتاع مع الغير.
عدوانية الطفل سواءً كان سوياً أم من ذوي الإعاقة ترجع لطريقه تعامل أسرته والخلفية الاجتماعية والنفسية التي نشأ فيها، وفي بعض الأحيان ترجع إلى صفات وراثية كامنة في الطفل منذ ولادته وهذا ما أشاد به الطبيب الإيطالي لومبروزو.
الأطفال أرواح نقية لا تمييز الكامل من الناقص فهي مجبوله على الحب والسلام والتعاطف نحن من قمنا بتشويه هذه الأرواح وغيَّرنا نظرتهم وولَّدنا لديهم عُقدة أن كل معاق يجب الحذر منه، فكثير من الأمهات يرون أن دمج أطفالهم مع ذوي الإعاقة يشكل خطراً جسدياً ونفسياً عليهم ويرون أن ذوي الإعاقة يملؤهم العجز والحزن واليأس والعدوانية وهذه نظرية خاطئة لا أساس لها من الصحة.
وذكرت دراسةSaloviita (2020) أن هنالك الكثير من المعلمات اللاتي يرفضن فكرة دمج ذوي الإعاقة مع الأطفال الأسوياء داخل الصف بحجة أنهم سيعيقون عجلة التعليم وبأنهم سوف يكلفن بمسؤوليات أكبر من التي اعتادوا عليها وأنه من الصعب إكساب هذه الفئة المفاهيم والخبرات المختلفة، بينما الواقع يثبت أنه باستطاعة العديد من ذوي الإعاقة أن يتغلبوا على اعاقاتهم ويصلون الى أعلا المستويات على الصعيدين العقلي والثقافي، فالأمر يعتمد فقط على من يحتوي قدراتهم وينميها وليس من يدمرها ويهمشها.(العربية ،2019)
فمن المهم أن نزرع في أطفالنا يقيناً بأن النقص لا يعني الدونية أو الكمال فمعظم العلماء ممن سطروا التاريخ بإنجازاتهم كانوا من ذوي الاحتياجات الخاصة، أولهم آينشتاين حيث وصف بالنقص العقلي ونبذ من مدرسته آنذاك بسبب إعاقته التي كانت كالحاجز الرادع له إلاّ أنه لم يخضع لتلك الإعاقة بل تحداها بكافة مستويات القوة وأصبح الأن من أكبر العلماء والمبتكرين للنظريات المهمة، ويتلاه العالِم الذي أبهر العالم بإنجازاته ستيفن هوكينغ الذي حصل على شهادة البكالوريوس والدكتوراه وكان من العباقرة الذين سطروا الكتب بإنجازاتهم حيث كان مصاباً بالتصلب الجانبي الذي جعل من جسده قطعةً باقية على كرسي متحرك طيلة أيام عمره، ورُغْم ذلك لم تكن إعاقته الحركية عذراً يمنعه من العلم والرفعة والعلو، فالنقص الحقيقي هو نقص الأخلاق وليس نقص عضوٍ في جسدٍ أو مستوى ذكاءٍ وتفكير.
لم نولد لنكون كاملين بل ولدنا ناقصين يكمل بعضنا الآخر، فيساعد القوي الضعيف ويساعد الصحيح العاجز ويساعد الذكي الأقل منه ذكاءاً، ليس عيباً أن تكون مختلف بل هي ميزة تمييز ذوي الاحتياجات عن غيرهم، فكيف لطفل سليم أن ينشأ محباً متسامحاً وهو يرى التمييز في المعاملة بينه وبين أطفال آخرين! هل فقط لأنهم ولدو مختلفين وحكم عليهم بأنهم مسوخ ترعب من حولهم؟ وهم في الحقيقة أرواح طاهرة فقط تحتاج الى من يفهمها وينمي ما لديها من قدرات ومواهب، لذلك فلنكن عوناً لأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ويداً تساعدهم لا تؤذيهم ولننمي حب العطاء والمساعدة في قلوب أطفالنا ليكونوا يداً واحدة وجسداً يكمل بعضه بعضا، ولا ننسى عطف رسولنا وحبيبنا وقرة أعيينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم فقد كانت رحمته للضعفاء والمحتاجين وللأفراد من ذوي الإحتياجات الخاصة بالذات، فها هو يجيب عتبان بن أبي مالك – رضي الله عنه – على طلبه وهو ضرير البصر حينما دعاه ليصلي في بيته.
فألف تحية لكل إنسان أجبره القدر بأن يكون من ذوي الإحتياجات الخاصة فأنتم جزء مهم من هذا المجتمع، فالإعاقة ليست لها علاقة بعرقة النجاح فكلنا معكم وكلنا سند لكم، واختتم كلامي برسالةٍ بسيطة معبرة من قلب صادق لكل فرد يعاني من إعاقة ما : مهما كانت الظروف قاسيةٌ عليك، ومهما كانت حركَتُك مستحيلة وإمكانياتك قليلة، فلا تنسى أن في قلبك شمعةٌ مضيئة ستكون الأمل القوي لديك وبداية خطواتك للوصول إلى أخر طُرقات النجاح ، فلم يميزك الله سبحانه وتعالى عن سائر خلقة بهذه الإعاقة إلا لأنك قادرٌ على تحدي جميع الصعاب الممكنة ، فأنت كفؤاً لها.
المراجع:
-السجاري، مها ومشاري، والكندري، يعقوب ويوسف. (2016). اتجاهات الوالدين نحو دمج أبنائهم مع الطلبة من ذوي الإعاقة في الفصول الدراسية في المجتمع الكويتي: دراسة ميدانية سوسيوثقافية. مجلة العلوم الإنسانية، ع27. 73-106. http://search.mandumah.com/Record/824021
-سواقد، لوريس عبدالله، وطنوس، عادل جورج. (2006). اتجاهات الأمهات نحو دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في مرحلة رياض الأطفال [رسالة ماجستير، الجامعة الاردنية]. قاعدة معلومات دار المنظومة . http://search.mandumah.com/Record/549426
-الشريف، ناهل محمد بابكر. (2016). اتجاهات أمهات التلاميذ العاديين نحو دمج أبنائهن مع التلاميذ ذوي الإعاقة في مدارس التعليم العام بمكة المكرمة. مجلة التربية الخاصة والتأهيل،4(15)،120-148.
http://search.mandumah.com/Record/803576
-العربية، (2019، نوفمبر 10). معيد جامعي مصري من متلازمة داون[فيديو]. يوتيوب. https://www.youtube.com/watch?v=wLFpRal9j2U&t=38s
– AI Faiz, H. (2006). Attitudes of Elementary School Teachers in Riyadh, Saudi Arabia toward the Inclusion of children with Autism in Public Education [Doctoral thesis, Arkansas university]. http://search.mandumah.com/Record/618259
– Elkins, J., Kraayenoord, C., & Jobling, A. (2003). Parents’ attitudes to inclusion of their children with special needs .Journal of Research in Special Educational Needs, 3(2). 142–158. https://doi.org/10.1111/1471-3802.00005
– Saloviita, T. (2020). Teacher attitudes towards the inclusion of students with support needs .Journal of Research in Special Educational Needs, 20(1), 64-73. https://doi.org/10.1111/1471-3802.12466
Image from: /www.astratv.gr
2 التعليقات
ABDULLAH
نوفمبر 10, 2021, 9:54 ميعطيك العافيه اخت منيرة
الردسعود الحربي
ديسمبر 20, 2021, 6:47 ممحتوى مفيد وهام خصوصا بما يتعلق بما ذوي الإعاقة.
بوركتي يا اخت منيره على طرحك المميز 🙂
الرد