عادة ما يتعرض الأطفال للعنف على أيدي الأشخاص الذين يثقون بهم أكثر من غيرهم..
يعتبر استخدام العنف للطفل نوعا من أنواع إساءة معاملته بشكل يتنافى مع المرحلة العمرية التي يمر بها، إذ تشير منظمة الصحة العالمية (WHO) أنّ الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 عام حسب تعريف الأمم المتحدة قد يكونوا عرضةً لنوعين أساسيين من العنف؛ يتمثّل النوع الأول بسوء المعاملة من قِبل الوالدين أو غيرهم من مُقدّمي الرعاية، وعادةً ما يتعرّض لهذا النوع من العنف الأطفال الذين تقلّ أعمارهم عن 14 عام، أمّا النوع الثاني من العنف فيُقصد به ذلك العنف الذي يحدث في البيئات المجتمعية بين المراهقين، وعادةً ما يتعرّض لهذا النوع من العنف الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و18 عام.
ويعتبر استخدام العنف بجميع أنواعه وأساليبه خاصة في مرحلة الطفولة المبكرة من عمر سنة واحدة إلى 8 سنوات من أكثر العوامل التي تؤدي للأثار السلبية على شخصية الطفل. وبالتالي يشكل النمو الطبيعي للإنسان العامل الأساسي في تكوين البناء النفسي له الأمر الذي يحقق شخصية ذاته وخصائصه الفردية المميزة له عن الاخرين، والتي تنشأ كمحصلة للخبرات النفسية التي يمر بها، وما تحتويه هذه الخبرات من أبعاد ومشاعر وانفعالات وعادات وقيم واتجاهات؛ نتيجة لتفاعله مع البيئة الخارجية المحيطة به والمواقف المتنوعة واستجابات البالغين لسلوكياته، بالإضافة لخصائصه الفردية.
ولا تقتصر آثار العنف ضد الأطفال على صحتهم بل إن الأسر والمجتمعات المحلية والأمم مدى الحياة المتضرر الأول من ذلك. وبالرغم من كثرة الحملات التوعوية وكثرة الدراسات حول العنف ضد الأطفال إلا أن بعض الأسر تعتبره أسلوب تعامل مع أطفالهم بينما لا يوجد لديهم خيارات في التعامل وإنما لديهم هذا الأسلوب الوحيد في تربية الأبناء , وأعتقد بأن هذه الفكرة المتحجرة التي أسمعها وأراها في بعض المواقف متجردة من الإحساس والشعور وعدم معرفتهم عن معنى أن الأطفال نعمه من الله عز وجل وأمانة لابد من المحافظة عليها وغرس جميع الأفكار الصحيحة فيهم، والمعاملة الحسنة التي تنشئ جيل سوي مسؤول مدرك لجميع حقوقه وواجباته خالٍ من جميع المشاكل الصحية والنفسية. فعلى سبيل المثال رأيت مقطع فيديو عن أب يريد تعليم ابنته في عمر العام من عمرها الوقوف والمشي، فقام بتعنيفها بشكل يبكي القلب وفي اعتقادي بأن هذا الأب معقّد وغير ملم بمعرفة أدنى أساليب التربية الصحيحة،
ويؤدي ذلك إلى مجموعة من الآثار السلبية المترتبة على شخصية الطفل داخل الأسرة، منها:
أ. توليد مشاعر الغضب والعدوان: التي تدعوه للسلوك الانفعالي في المواقف والاعتداء على الاخرين.
ب. ارتكاب الجرائم: التي تعد من ضحايا العنف الشبابي ومعظمهم من الذكور الذين يتعرضون لإصابات بسبب القتال والاعتداء الجسدي حيث يشكل الصبيان أكثر من 80 في المائة من الضحايا والجناة.
ج. المساهمة في اكتساب العديد من الأمراض غير المعدية: مع تقدم الأطفال في السن. ويُعزى الخطر المتزايد للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان والسكري وغيرها من الحالات الصحية إلى حد كبير إلى حالات التكيف السلبية والسلوكيات الصحية المرتبطة بالعنف.
د. التفكير في الموت والانتحار: يعتبر التفكير في الموت من الأسباب الرئيسة نتيجة العنف لدى الأطفال وهو من بين الأسباب الأربعة الأولى للوفاة في صفوف المراهقين.
هـ. فرص التأثير في الأجيال القادمة: والذي يمكن أن يؤثر فيه العنف ضد أطفال الجيل القادم مما تعرضوا له من خطر كبير قد يجعلهم عرضة لإيذاء أطفالهم لاحقاً وارتكاب العنف بين الأشخاص والموجهين ذاتيا وأيضاً قد يجدون صعوبة في العثور على الوظائف ومصادر الدخل والاحتفاظ بها. (Hillis,2017)
وأجد أن معرفة هذه التأثيرات السلبية كافية لتجعلنا نقف عند أساليب التربية العنيفة والقاسية للأطفال والعمل على تثقيف أنفسنا في تربية أبنائنا ومخافة الله عز وجل في الحفاظ على هذه الأمانة وبنائها على أكمل وجه فقد أصبح العالم مليء بطرق وأساليب حديثة في التربية بعيدة جدا عن العنف ويستجيبون لها الأطفال بحيث تعمل على اكتساب مهارات جديدة وتفريغ طاقتهم باللعب والمرح، ولوعمل كل انسان على ردع نفسه عند الغضب واحتساب الأجر من الله في التربية واستشعار النعمة هذه لما توصل العالم لهذا المستوى من التعنيف.
ولقد استوقفتني مقولة قالها التربوي الدكتور جاسم المطوع في مقطع مرئي (بأن الطفل كل ما كان صغير في العمر كل ما شعر الأبوين أن هيبتهم أقوى، والطفل كل ما يكبر في العمر كل ما هيبة الأبوين تضعف) وبالتالي يبدأ الطفل يتكلم ويعبر عن رأيه وتتكون عنده قدرة على الحوار والنقاش. ويشعر الأبوين أنه قلّ الاحترام ويبدأ التعنيف له بحجة التربية وهذا لا يمد للتربية السليمة بصلة.
ومن المفترض تشجيعه واحترام رأيه لأن هذه دلالات على الثقة بالنفس وقوة شخصيته، وفي رأيي أن احترام الأبوين وتقديرهم يكمن في حسن المعاملة والإنصات لحاجات الطفل والتوجيه الصحيح لما يتناسب له بحب وحوار وتحت منظور المناقشة. وعلاوة على ذلك ورد على النبي صلي الله عليه وسلم بأنه عندما وجد ابن هادئ لا يتحرك فقال لأمه (ما لي أرى ابنك خاثر النفس أي لا يتحرك، فقالوا: (يا رسول الله مات له نغر يلعب به فمات) فداعبه رسول الله (يا أبا عمير ما فعل النغير؟ فكناه بقوله (أبا عمير تكريما له رغم أن الكنية للكبير شرف، ويسأله عن حاله احتراما لمشاعره) صحيح أبي داوود. لذا علينا عدم اهمال أي شيء يهم الأطفال والتعامل معهم بتفكيرهم وليس بتفكيرنا. ويبدو لي أن هذا الأسلوب من أفضل الأساليب في التعامل مع مشاعر الأطفال.
وفي الختام ينبغي معرفة أن جميع أشكال العنف ضد الأطفال مهما كانت غير مقبولة، وحماية الأطفال من جميع أشكال العنف حق أساس تضمنه اتفاقية حقوق الطفل وغيرها من المعاهدات والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، ومع ذلك يظل العنف جزءًا حقيقيًا من حياة الأطفال في جميع أنحاء العالم بغض النظر عن دينهم أو ثقافتهم أو ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية (unicef,2015). ويأتِ دورنا هنا في تحمل المسؤولية بالعمل على توعية المجتمعات والآباء والأمهات بتحديد الأساليب الحديثة في التربية وإيضاح مدى أضرار العنف وانشاء نماذج جلسات للإرشاد الأسري في كيفية التعامل مع أطفالهم للحد من العنف ضد الأطفال.
المراجع:
– الشريف، سوسن عبد اللطيف. (2004). العنف ضد الأطفال. – مجلة خطوة: المجلس العربي للطفولة والتنمية، ع 24، 16 – 17. مسترجع من http://search.mandumah.com/Record/148880
– مقطع فيديو د/ جاسم المطوع https://youtu.be/uQuztLuX-qY
Susan D. Hillis, James A. Mercy & Janet R. Saul (2017) – The enduring impact of violence against children, Psychology, Health & Medicine, 22:4, 393-405, DOI: 10.1080/13548506.2016.1153679
–Global Prevalence of Past-year Violence Against Children: A Systematic Review and Minimum Estimates, Susan Hillis, James Mercy, Adaugo Amobi and Howard Kress
Pediatrics January( 2016), peds.2015-4079; DOI: https://doi.org/10.1542/peds.2015-4079
- – Unicef for every child (2015) https://www.unicef.org/protection/violence-against-children
Image from: https://pixabay.com
1 التعليق
THEPOETDN
نوفمبر 28, 2021, 9:16 صمقال علمي رائع يستحق الإشادة والتفاعل أشكر كاتبها وناشرها ..
الرد