ما هو الـوقت المستقطع (time out) عند علماء التربية؟
هو عملية استبعاد من المحيط الاجتماعي ويتمثل في اعطاء الابن الوقت الكافي لكي يفكر في الخطأ المرتكب وبالتالي ادراكه والبحث عن حل له، فهو طريقة غير عنيفة تهدف إلى ضبط سلوك الابن ومراجعة تصرفاته وإدراك حجم خطأه، ومن المفضل أن يقتصر الوقت التأديبي المستقطع على فترات قصيرة، وقد اثبتت الدراسات البحثية أن فعالية الوقت التأديبي المستقطع تحتم عدم تجاوزها لخمسة عشر دقيقة كحد أقصى.
واستناداً إلى اختصاصي علم النفس التطويري، يحتاج الطفل إلى معرفة وإدراك ما ينتظره الأهل منه بالإضافة إلى القواعد التي يجب أن يلتزم بها، وما هو السلوك الذي سيؤدي به إلى الخضوع للوقت التأديبي المستقطع.
لذلك تأديب وعقاب الابن ليس عملاً انتقامياً، إما هدفه تربوي وعملية تربوية ترمي إلى إحداث ايجابي في سلوك الابن. ومما لا شك فيه أن استئصال الخطأ من جذوره وأصوله يعد نجاحاً باهراً، وتمكن كبير في العملية التربوية، وإذا تأملنا طبيعة أي خطأ للأبناء وجدنا أن أصوله تعتمد على ثلاثة أشياء:
-إما أن يكون سببه فكرياً، أي أن الابن لا يملك فكرة صحيحة عن الشيء فيتصرف من عنده فيخطئ.
-أو يكون السبب عملياً، أي أن الابن لا يستطيع أن يتقن عملاً ما، ولم تدرب أصابعه على العمل فأخطأ.
-وأما أن يكون السبب ذات الطفل وتعمده للخطأ، أو من ذوي الطبائع العنيدة لذلك يصر على الخطأ.
لهذا فإن تحديد أصل الخطأ يسهل كثيراً في تلافيه
هذا وكانت من أهم الأساليب النبوية في معالجة جميع الأخطاء السابقة استخدام التربية العاطفية، فقد استخدم النبي هذا الأسلوب في مواقف عديدة، ومنها ما كان في تربية الأنصار فقال “يا معشر الأنصار، مقالة بلغتني عنكم؟ وجدة وجدتموها في أنفسكم، ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله، وعالة فأغناكم الله، وأعداء فألف بين قلوبكم؟ “قالوا: بل الله ورسوله أمن وأفضل، قال “ألا تجيبوني يا معشر الأنصار؟”
فالتركيز على التربية العاطفية وتحريك المشاعر في معالجة الخطأ من خلاله، ذو أثر إيجابي يبقى على المدى البعيد في سلوك ونهج الابن، إذا وعى المربي الطريقة السليمة. ويتضح ذلك أيضا من حديث أبي هريرة قال: أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه، فقال رسول الله ” كخ .. كخ .. ارم بها، أما علمت أنّا لا نأكل الصدقة ؟”
ففي هذا الحديث طريقة زجر لطيفة بقوله ” كخ .. كخ ” ثم ما لبث رسول الله أن علل لهذا الطفل سبب عدم الأكل، وعدم حله له، لتكون له قاعدة فكرية عامة في حياته كلها (أما علمت أنا لا تحل لنا الصدقة) وذلك بصيغة رائعة في قوله (أما علمت) وذلك ليكون وقعها على نفسه أقوى تأثيراً.
فلابد على المربي أن يعي أن التهذيب اللفظي للابن والقائم على المناقشة والحوار وتحريك المشاعر سلاح ذو حدين إن لم يحسن إدارته ينقلب على ضده، فاستخدام العواطف في التأديب أمر محمود مالم يبلغ فيها تجريح لمشاعر الابن واحداث خدوش في شخصيته وكيانه.
ولنا في المنهج النبوي في استخدام فكرة التأديب بالوقت المستقطع خير هدي، عندما وجه الثلاثة الذين خلفوا في العودة الى منازلهم وأمر الناس بمقاطعتهم حتى يحكم المولى في أمرهم، وكان ذلك من أجل مراجعتهم لأنفسهم فيما وقعوا فيه من خطأ، دون أن يمسّ عليه الصلاة والسلام شعرة في ذواتهم الشخصية، بل حرّك المشاعر في مقاطعة محادثتهم.
ختاماً، قال ابن الجزار “أُمرنا أن نؤدب الصبيان وهم صغار لأنهم ليس لهم عزيمة تصرفهم لما يؤمر به المذاهب الجميلة، والأفعال الحميدة والطرق المثلى”. لذلك الابن إنما هو لين هين في يد المربي، فتقديم الثواب على العقاب والترغيب على الترهيب سيبقى أثره الحسن وانعكاساته الايجابية على الابن ما دام حياً.
لذلك، وحتى نبادر بالوقاية ونحاول ألا نحتاج لـمُرّ العلاج
لنتفق، بأن لا نصل مع الابن لمرحلة الـ (time out)
ولـنؤصل ونزرع فيه مبدأ (Positive time every day)
كتابة: هدى بنت دلوه العليوي
ماجستير المناهج وطرق التدريس العلوم الشرعية
Image from: pixabay.com
اترك تعليقاً
لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *