مرشد سياحي
Ipsef

كيف تجعل طفلك “ترند”؟

كيف تجعل طفلك “ترند”؟
كتابة: أمل طاهر الأسود

وقائع وإحصائيات من المجتمع السعودي

 

تنتشر على مسامعنا مصطلحات كـ(حقوق الطفل) و (حماية الطفل) لكن الكثير منّا يجهل التفاصيل التي تنص عليها هكذا منظمات و أنظمة معمول بها في المملكة العربية السعودية و العالم,و مع حُمّى الشهرة فقد يقع البعض في مسائلات قانوية و تصدر بحقه أحكام لإنتهاكه أحد هذه الأنظمة المعمول بها في قانون الدولة.

تنص اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة بحسب منظمة اليونسيف(1) على:

-حماية الأطفال من الاستغلال: يحق للأطفال الحصول على الحماية من جميع أنواع الإستغلال حتى لو كانت غير مذكورة في هذه الإتفاقية.

-حماية الخصوصية: يحق لكل طفل التمتع بالخصوصية وعلى القانون أن يحمي خصوصية الأطفال وعائلاتهم وبيوتهم واتصالاتهم وسمعتهم من أي اعتداء.

و بحسب معجم المعاني(2) فمعنى كلمة “اعتدى”: أي جاوز الحد. هل يرى الكبار حدود واضحة في تعاملهم مع الطفل و شؤونه؟

كما ينص نظام حماية الطفل في المملكة العربية السعودية(3) في المادة الأولى أن الطفل هو “كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشر من عمره” وهي الفئة التي يخدمها هذا النظام.

 

لننتقل معاً إلى منصات التواصل الاجتماعي ومقاطع الفيديو الكثيرة لدى مشاهير هذه المنصات وبعض من روادها وكذلك من يلهثون للوصول للشهرة عليها، كم بث مباشر ومقطع يظهر لنا دون حتى أن نتكلّف عناء البحث عنه؟ وما المحتوى الذي يقدمه للمشاهد سواء كان متابعاً أم لا؟

وعندما نشاهد محتوى يتضمن طفل هل نفكر بوعي في ما يظهر لنا ولأطفالنا إن كان يحوي اعتداء أو تجاوز على خصوصية الطفل أو على سمعته، أو صورته حول نفسه أو تكوين اتجاه سلبي نحو ذاته أو الآخر، أو تجاوز على فِكره أو مشاعره؟!

 

ما رأيك وأنت تشاهد طفلة لم تتجاوز الحادية عشر من عمرها تظهر بمكياج يليق بفتاة في الثامنة والعشرون من عمرها، ومحتواها يدور حول استعراض جمالها وهذا تسليع صارخ للطفلة! ومع استمرارية ارتفاع معدلات المتابعة ومع مضي الوقت -دون حسيب أو رقيب- وعند بدء ظهور علامات الأنوثة على جسدها بالغت في إظهارها!.

 

وفتاة أخرى في الرابعة عشر من عمرها تستعرض لسانها السليط وتهكّمها على أشكال الآخرين ممن لا يملكون المال الكافي لعمل تجميلي يرقى لمستوى وعيها المحدود لدرجة الجهل، وعند انتقالها للمرحلة الثانوية تطوّرت لعمل اجراء تجميلي على وجهها وقد بدأت عروض الإعلانات تنهال عليها بعوائد مادية يبدو أنها مجزية.. فبدأ الاستعراض! حقيقةً، لا ألومها فلا تزال صغيرة في السن وغير مؤهلة لإدارة سلوكياتها وقيمها التي لا تلقى بالاً لدى الكبار الذين تقع على عاتقهم مسؤولية تربيتها وحمايتها، بمحتواها الذي يتابعه عدد كبير من الأطفال والمراهقات بدون وعي -غالباً- غرست أفكار جمالية خاطئة وأنه من المباح أن يحتقر من لا يعجبه شكله وبصوتٍ عالٍ!

 

إن لم نكافح وباء التسليع بحزم سيستمر ويتفاقم ككرة الثلج. لقد أصبح الشغل الشاغل لدى بعض الأطفال ذكوراً وإناثاً التهريج أو تجاوز الأدب أو الرقص واستعراض الهدايا والرفاهية للشهرة وحب الظهور. لنوقف هذا التلوّث الفكري والبصري عبر الانتباه والوعي التام لما يشاهده أطفالنا والتبليغ عن المحتوى غير اللائق.

 

كل ما يخص الطفل لابد أن يكون مقنن ويتم عرضه بوعي وأهداف واضحة تحفظ خصوصية الطفل وحقوقه، لذا فلنستخدم مع عدسة الكاميرا الموجهة لأي طفل أدوات الوعي والمسؤولية.

 

إحصائيات استخدام الانترنت للأطفال وأسرهم

بحسب الهيئة العامة للإحصاء(5) فإن استخدام الأسر في السعودية للإنترنت ارتفع في عام 2021م ليكون 96.3%. بينما شكلت مشاركة الأفراد في المراحل العمرية )خمسة عشر سنة وأكثر(على شبكات التواصل الاجتماعي والمهني 93.9% من إجمالي مستخدمي الإنترنت، والنسب في ازدياد .التساؤل الذي يطرح نفسه هنا ما المحتوى الذي يتابعه وينشئه هذا العدد الهائل للفئات العمرية المذكورة؟

 

وتبعاً لإحصاءات إنترنت السعودية CITC 2021م (6) فإن نسبة مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي من الأطفال في المرحلة العمرية (10-14) سنة يبلغ 98.3% وبلغ استخدام هذه الفئة لشبكة (سناب شاتSnapchat)67%، أما (يوتيوبYouTube)65%، و(واتس آبWhatsApp)61%.

 

احترام خصوصية الطفل بين المدرسة والمنزل

بحسب المادة الثانية في نظام حماية الطفل في المملكة العربية السعودية والذي يهدف إلى “معالجة الظواهر السلوكية في المجتمع التي تنبئ عن وجود بيئة مناسبة لحدوث حالات إيذاء”.

لنبدء بإيضاح مصطلح (الإيذاء) الذي ورد في نظام حماية الطفل وهو كل شكل من أشكال الإستغلال أو إساءة المعاملة (جسدية/نفسية/جنسية) أو التهديد به. عندما كان التعليم عبر منصات التعلّم في السعودية وكثير من الدول وقد ترافق معها الكثير من المقاطع المسجلة لمواقف حدثت لطلاب أو لأسرهم على المنصة وتم نشرها مما أحدث مشاكل نفسية لدى بعض من هولاء الطلاب لحدوث تعدّي على خصوصياتهم. وبالرغم من صدور تعميم بمنع تصوير الطلاب في المدارس إلا أن البعض لازال يصور وينشر على منصات التواصل الاجتماعي، مع العلم أنني لا أتفق مع المنع و لكن مع التقنيين فأنا شخصياً أستخدم التصوير لتعديل السلوك وزرع صور ذهنية معينة في ذهن الطفل والأسرة حول طفلهم.

 

قبل عدة أسابيع انتشر فيديو لمعلم يصور طلابه الأطفال الذين يبدو أنهم في الصف الأول الإبتدائي يأخذون حقهم منه فظهر بعظهم يقبّل يده وآخرون تجرأو على ضرب يده! لقد نال الفيديو استحسان الكثير ولست منهم! بالرغم من حسن النية الظاهر من المعلم ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل هكذا يأخذ الطفل حقه؟ أم لزاماً علينا تثقيفه طوال سنوات الدراسة بأنه على قدر عالٍ من التقدير والاحترام وله الحرية في التعبير عما يزعجه أو يمسه من المعلم أو الطلاب أو أسرته أو أياً كان. هل عملنا على زرع وتنمية هذا المستوى من الثقة بالنفس؟ أن يدافع عن نفسه ويعي طرقها كما يدافع عن زملائه أمام المعلم وأمام الطلاب الآخرين؟ هكذا نرتقي بالطفل وبعملنا معه حيث يعرف الطفل حقوقه ويدافع عنها وواجباته ليؤديها على أفضل وجه.

 

بعض المعلمين والأسر يقعون في فخ إساءة معاملة الطفل دون قصد من باب الجهل بالشيء، والبعض الآخر لديه هدف واضح وهو تحقيق الشهرة والانتشار. أنت بصفتك ولي أمر لا يحق لك أن تستخدم طفلك كأداة لأنه أمانة أودعها الله بين يديك وستُسترَد منك في يوم ما فهل أديت الأمانه؟

 

كذلك من صور التعدّي المتكرر -مع الأسف- والمؤذي أن تهدر كرامة الطفل بالتحدث عن مشاكله أو معاناته أو ظروف الأسرة الخاصة أمامه أو أمام الآخرين بوجوده، وأنا كمعلم ليس من حقي إباحة خصوصيات الطالب لكونه صغير بالسن فهذا تعدي على خصوصية المرحلة العمرية الحساسة التي ينبغي علينا تحرّي الدقة في التعامل معها. كما لا يحق لي استخدام طلابي كمادة للتكسّب والتهكّم أو الضحك أو وسيلة لتلميع جانب من جوانبي الشخصية دون النظر لصورتهم العامة كإظهار الفروق الأخلاقية بين الأطفال مثلاً.

 

بعض الآباء/الأمهات يتولّون تصوير ونشر فيديوهات تحوي سلوكيات غير محببة بغض النظر عن النوايا لدى هؤلاء الكبار فالتكلّف بالتصوير والنشر بلا قيمة يعني البحث عن الشهرة كالطفل الذي يطرد ضيوف والده والكبار يضحكون، أما الطفل فيظهر على لغة جسده مشاعر الفخر والحماس بما أنجزه أمام الكاميرا وعيون الكبار عبر سلوك منافي للذوق والخلق العربي الأصيل والتربية الإسلامية. وفيديو آخر لأم تصوّر طفلتها وهي ترقص وتستعرض شعورها بالغيرة من إحدى قريباتها.. وبهذا المحتوى فقط وفقط! تمكنت من الظهور على أهم الشاشات العربية! ومع الأسف أن الطفلة في جميع مقابلاتها أيضاً لم تقدم شيء على الرغم من أن الأطفال في عمرها عادةً يتم استضافتهم لملَكة أو مهارة أو موهبة يمتلكونها أو لبراعتهم في مجالٍ ما على عكس هذه الطفلة التي يتم استضافتها لأنها على حد تعبيرهم “Cute” وهي كذلك في الواقع طفلة لطيفة ومهذبة -حماها الله – لكنها حالياً لا تملك ما يؤهلها للظهور على شاشة التلفاز في برامج الكبار ولا في برامج الأطفال.

 

ولقد لاحظت أن الطفلة بدأت تنشر محتوى أكثر إيجابية مما كان عليه ولكن نصيحتي لأسرة هذه الطفلة ومن بمثلها أن يلتفتون لأطفالهم ويغيّرون خططهم من قضاء الكثير من وقت حياتهم على هذه المنصات إلى تطوير فكر وثقافة وشخصيات أبنائهم لأعلى مستوى ممكن وبدلاً من أن يصرف أولياء الأمور وقتهم ومالهم في اختراع أفكار لبث أطفالهم والتصوير والمونتاج.. فليقضون أقل من هذا الوقت في التخطيط لحاضر الطفل ومستقبله.

 

مقترح لتطوير الطفل (النادي الثقافي)

بات ضرورياً استحداث قوانين ضابطة، واضحة، ومحددة لظهور الأطفال على مواقع التواصل الاجتماعي وظهور الأطفال على الانترنت عموماً مع توفير أقسام قضائية في المحاكم متخصصة في القضايا السيبرانية يتولاها متخصصون في هذا المجال. فما نشهده في العالم الافتراضي يمثّل بيئة مناسبة لحدوث حالات إيذاء. إن حماية الطقل في الزمن الحالي مسؤولية ضخمة ومتشعّبه تقع على عاتق عدد من الجهات، وأرى من المهم أن نوجّه الاهتمام لواحدة من هذه الجهات وهي وزارة التعليم التي تسعى بجهد حثيث لتطوير المناهج والخدمات والبرامج الموجهة للطلاب في جميع المراحل الدراسية وفي تجدد مستمر وملفت محلياً ودولياً.

 

وأجد من الضروري رفع مستوى الطلاب ثقافياً وفكرياً وسلوكياً عبر استحداث منصة متكاملة موجهة لجميع الطلاب في مختلف المناطق والقرى للأخذ بهم نحو رؤية محددة تتوافق مع بناء الإنسان السعودي المتمسك بهويته القادر على التواصل والتوائم عالمياً.

 

كيف ستشعر وأنت تشاهد أبنك/ابنتك يتحدث ببراعة ويناقش قضايا وأفكار وموضوعات هامة بإستخدام التفكير المنطقي المبني على الفلسفة أو يحضر هكذا برامج على أحد المسارح في وطنه أو عبر البث المباشر على تلك المنصة، وإن كان في أحد المراحل المدرسية فيستطيع الانضمام عبر (منصة مدرستي) بمشاركة تفاعليه! هي بيئة حديثة لمجتمع المفكرين تحتضن الطلاب (إناث/ذكور) في فئات من الطفولة وحتى مراحل التعليم العليا لخلق شخصيات مستقلة لا تنقاد خلف تغريدة ولا تتطبّع بأفكار وسلوكيات فقط لأنها فكرة صاعدة أو مايسمى”Trend“، بل يستخدم أداوات التفكير من التحليل والقياس والاستدلال والمعرفة، أن يتربى عليها منذ طفولته وعلى امتداد مراحل دراسته هكذا يتكون لدينا أجيال مختلفة قادرة على ما لا نعرفه حتى الآن.

 

أطفال وشباب فكرهم منشغل بمفاهيم وقضايا وتحليل وانتاجية نستطيع أن نستمع لأفكارهم ويأخذون وطنهم للأعالي عبر مقترحات وحلول لقضايا تهم أفراد المجتمع وصنع مبادرات وبرامج ترقى بمجتمعنا السعودي المميز. وبما أن مدينة الأحساء أصبحت (صديقة للطفل) فأتوجه لهم بدعوة لتبنّي فكرة هكذا منصة بشراكة مع وزارة التعليم لتحقيق منجزات في المهام الجديدة بعد أن تم توقيع مذكرة شراكة وتعاون بين أمانة الأحساء ومكتب اليونسيف لدول الخليج العربي والتي تتضمن برامج لضمان حقوق الطفل وكذلك الاستماع لآراء الأطفال وتطلعاتهم للاستجابة لاحتياجاتهم في الخطط الوطنية حيث تتوسع مشاركة الأطفال في إدارة مدينتهم.

 

توصية تربوية: أجعلوا من أبنائكم “ترند”على مستوى ذواتهم بثقافتهم وفكرهم المستنير وشخصياتهم المميزة والقادرة على التحسين و صناعة التغيير، وفّروا لهم كل سبل التعلّم والتثقيف والانفتاح العقلي مع الأمن النفسي والكثير من الحب والاحتواء والاحترام ليكونوا النسخة الأفضل من أنفسهم ويُغْرقهم الإمتنان لكم على إحسان تربيتهم عندما يجابهون الدنيا بمن فيها بثقة وفهم دون أن يكسرهم شخص أو حدث أو ظرف ما، ولينجزوا في أيامهم ما يجعل من وجودهم قيمة باهظة.

 

 

كتابة: أمل طاهر الأسود

 
المصادر:
(1)منظمة اليونسيف:منظمة الأمم المتحدة للطفولة : اضغط هنا
(2)معجم المعاني:معجم لمعاني الكلمات باللغة العربية
(3)نظام حماية الطفل في المملكة العربية السعودية,هيئة الخبراء بمجلس الوزراء:
https://laws.boe.gov.sa/BoeLaws/Laws/LawDetails/2d3cb83a-0379-4cde-8e0b-a9a700f272bd/1
(4)المنصة الوطنية الموحدة:حقوق الطفل في الأنظمة السعودية
https://www.my.gov.sa/wps/portal/snp/careaboutyou/childrights
 (5)الهيئة العامة للإحصاء بالمملكة العربية السعودية:نفاذ و استخدام تقنية المعلومات و الإتصالات للأسر و الأفراد2021
https://www.stats.gov.sa/ar/952
(6) هيئة الاتصالات و تقنية المعلومات CITC:انترنت السعودية2021
www.citc.gov.sa
 
Image by Mirko Sajkov from Pixabay

 

 

 

 

 

1 تعليق

مواضيع مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

1 التعليق

  • نجاح العزيز
    أغسطس 1, 2022, 12:33 ص

    يعطيك العافيه استاذه امل كلام في الصميم قول وفعل منك سنه دراسيه مضت معك عن بعد او حضوري علمتي اطفالنا الاساليب التربويه والتعليميه استمتعنا معك نحن كاامهات عن بعد معهم بطرقك التربويه الرائعه جعلتنا نسلك خطاك ولن نوفيك حقك فالك جزيل الشكر
    نجاح العزيز

    الرد

آخر المواضيع

قائمة المحررين

الأكثر تعليقاً

فيديو