مرشد سياحي
ltespo

التعليم في زمن روبوتات نماذج اللغة للذكاء الاصطناعي

التعليم في زمن روبوتات نماذج اللغة للذكاء الاصطناعي
كتابة: سعيد محمد راشد الكلباني

(مشكلات وحلول)

ما أشبه اليوم بالبارحة! ففي عام ١٩٨١م أطلقت شركة IBM أول حاسوب محمول وقابل للبرمجة، وأثار ذلك ضجة كبيرة في مختلف الأوساط. ونتيجة للانبهار حول هذا الاختراع؛ قالت مجلة التايم الأمريكية في عام 1982م “إنها النتيجة النهائية لثورة تكنولوجية كانت قيد الإعداد منذ أربعة عقود وهي الآن حرفياً تصل إلى المنزل”، وأطلقت على الحاسوب “رجل العام”. ويشهد العالم اليوم إثارة أكبر، وردود فعل أشمل بعد إطلاق مجموعة من الأفراد المغمورين بالتقنية روبوت ضمن محرك البحث you.com، وإطلاق مؤسسة OPenai روبوتها chatGPT المصنفة ضمن نماذج اللغة للذكاء الاصطناعي، والتي تتميز بواجهات نصية مبنية بخوارزميات تهدف للتعلم الآلي من البيانات المدخلة أو المنشورة والمسوح لها بالوصول إليها ومعالجتها، ومن ثم التنبؤ بالكلمة التالية الأكثر احتمالية في الجملة، بناءً على الإدخالات السابقة، وتوليد إجابات قصيرة وأخرى طويلة معقدة، كنصوص المقالات والرموز البرمجية كتلك التي ينشئها الإنسان (Korngiebel and Mooney, 2021).

 

الروبوتات الذكية التحادث

هي نماذج لغوية ذكية مصممة لتبادل الكلمات عبر شبكات الإنترنت مع المستخدمين من جنسها أو من البشر، وقد برزت هذه البرمجيات في التسويق والتنسيق مع العملاء وتنفيذ المهام المجدولة وغيرها، وتتميز هذه الروبوتات -بعد ترقيتها بالذكاء الاصطناعي- بقدرتها على استقبال المعلومات والتفاعل معها، واستخدامها في الرد على الاستفسارات، والإجابة عن الأسئلة، وتوفير المعلومات بناءً على الكلمات المدخلة في نظامها وبطريقة تشبه التحادث البشري وباللغات الطبيعية، وبذلك فهي تتقارب مع العمليات العقلية التي يجريها الإنسان لحل المشكلات في مواقفه، واتخاذ القرارات من أجل تحقيق أهدافه، وهي بهذه القدرات والامتيازات يمكنها إحداث ثورة في مختلف المجالات، ولكن تقابلها شكوك وأفكار وأسئلة اجتماعية وأخلاقية من حيث أهداف المبرمجين والمستخدمين.

 

استخدام روبوتات نماذج اللغة للذكاء الاصطناعي في التعليم

     يمكن أن تساعد التكنولوجيا في أتمتة الأنشطة وإدارتها وتوفير الوقت على المعلم والطالب، حيث تساعد روبوتات المحادثة المعلمين في التحضير لدروسهم، ومقارنة أدائهم وتقييم أعمال الطلبة وتقديم التغذية الراجعة لهم، فهي بذلك توفر من ساعات الجهد المبذول في الإعداد وتحوله إلى التدريس.

 

أما عن استخدام روبوتات نماذج اللغة للذكاء الاصطناعي في التدريس؛ فيمكن للمعلم دمجها مع استراتيجيات وطرائق التعلم النشط، وتصبح تلك الممارسات مرتبطة بهذه المستحدثات. فمثلاً بالدمج تترقى استراتيجية (فكر – زاوج مع أقران – شارك) إلى (فكر – زاوج مع روبوت- زاوج مع أقران – شارك). كما يمكن أن تستخدم كأطراف للحوار والمناقشة بين الطالب والروبوت، أو يستخدمها للتمهيد والتوسع في المعرفة لدى الطلبة من خلال الاطلاع، وصياغة الأسئلة، وتلخيص النصوص، وكتابة التعليقات، والتعبير عن المعرفة بشكل عام بأساليب شفهية أو حوارية أو أدائية.

 

ويُعد الاستجواب وطرح الأسئلة من الطرائق المؤثرة في تعلم الطلبة واكتسابهم للمعرفة (Olsher and Kantor, 2012; Walker, 2003). وبما أن هذه الروبوتات قائمة على الاستفسارات من خلال الادخالات النصية؛ فإنه يمكن تحديد وعرض أهداف ومعايير التعلم للطلبة، وتوجيههم للبحث عن مفاهيم ومصطلحات، وطرح التساؤلات حول النتائج التي تظهرها الخوارزميات، وخلق بيئة قائمة على الاستجواب بين الطلبة في حدود الأهداف المحددة للتعلم.

 

مشكلة التعليم مع نماذج اللغة للذكاء الاصطناعي

كعادة كل المستحدثات التقنية التي تخرج للعامة، ولا تحكمها قوانين وتشريعات، وتقدم وظائف، وتوفر الجهد البشري والوقت لهم؛ فإنه يتم استخدامها لما يحقق المصالح الفردية أو الجماعية دون النظر لما يتبع ذلك من تعديات معرفية، وأخلاقية، واجتماعية. ومستحدث chatGPT برز على الساحة التعليمية بشكل خاص وكبير نتيجة لقدرته على توفير الإجابات الأكاديمية والتربوية، وكتابة النصوص، والمقالات لأي مستخدم قادر على الوصول لهذه البرمجية.

 

في الحقيقة؛ إن انفتاح العملية التعليمية على chatGPT يعني بأن الطلبة في المدارس أو الجامعات يمكن أن يستخدموه في إنشاء المهام والتكليفات المسندة إليهم دون جهد في البحث والقراءة، والتحليل، والتفسير، والتلخيص، وهذا ما يعارضه المعلمون وخبراء التربية، ويصنفون وصول الطلبة لهذا المستحدث بأنه مشكلة تستدعي إيجاد الحلول. وفي المقابل يمكن أن يستخدم الطلبة chatGPT أو أي برمجية تقدم نفس الوظائف في تعلمهم وتكوين معارف جديدة واسترجاع معارف سابقة، كما أن المعلمين يمكن أن يستخدموا المستحدثات التقنية القائمة على الذكاء الاصطناعي في بناء الخطط والأسئلة والبرامج التدريبية والمحتوى التعليمي والقياس والتقويم، إذن فاستخدام هذا المستحدث يتوقف على الهدف والكيفية التي يتم التعامل بها معه.

 

حلول للتعليم بنماذج اللغة للذكاء الاصطناعي

وانطلاقا من المشكلات المذكورة أعلاه؛ يمكن اقتراح بعض الحلول لاستخدام نماذج اللغة للذكاء الاصطناعي في التعليم، وذلك لأنها برمجيات تقبل التحكم بها. ولكن إطلاقها للعامة يعني أنها تصل للجميع بنفس القدرات والوظائف، ولا يمكن التحكم بها حسب الأفراد، حيث يرى البعض بأن يمنع الطلبة من استخدامها في المدرسة أو الجامعة، وفي مقابل ذلك فهم يمتلكون القدرة على الوصول لها من خلال هواتفهم وأجهزتهم خارج المدارس والجامعات.

 

يمكننا أن نقترح بعض الحلول لمشكلات تعدي الطلبة على تقويمهم الحقيقي من خلال بعض الممارسات التي يمكن أن يتبعها المعلمون. ومنها:

أولاً: تثقيف الطلبة حول هذه المستحدثات، من حيث عموميات المعلومات التي تقدمها وأنها تفتقد للصحة والدقة في كثير منها، وأنها تعتمد على الحشو الذي يمكن ألا يكون مرتبطًا بالأهداف التعليمية المحددة للتعلم في مراحلهم الدراسية.

 

ثانياً: تغيير أساليب التقويم المعتمدة على الورقة والقلم، والاستعاضة عنها بأساليب تكشف التعلم والمعرفة وكيفية تطبيقها في المواقف والمشكلات، أو استخدام الورقة والقلم في الغرف الصفية بعيداً عن أجهزة الحاسب الآلي، بحيث تضمن أن تلك المعرفة المكتوبة هي من إنتاج أدمغة الطلبة وليست خوارزميات الذكاء الاصطناعي.

 

ثالثاً: التركيز على الآراء في التقويم والاستقصاء المعتمد على الحوارات والمناقشات المباشرة والعروض في تقييم تعلم الطلبة.

 

رابعاً: التركيز على التعلم من خلال المشروعات وحل المشكلات المرتبطة بالواقع وبيئة المتعلم وإيجاد الحلول لها من خلال الفهم والإنتاج.

 

خامساً: الاعتماد على التعلم التعاوني وأساليب المقارنة والتحليل لأعمال الطلبة داخل الغرف الصفية.

 

سادساً: استخدام استراتيجيات الاستقصاء أو الطريقة السقراطية من خلال طرح الأسئلة والتدرج فيها والتسلسل في الكشف عن المعرفة.

 

المراجع:

Korngiebel, D. M., & Mooney, S. D. (2021). Considering the possibilities and pitfalls of Generative Pre-trained Transformer 3 (GPT-3) in healthcare delivery. NPJ Digital Medicine4(1), 1-3.

Olsher, G., & Kantor, I. D. (2012). Asking questions as a key strategy in guiding a novice teacher: A self-study. Studying Teacher Education8(2), 157-168.

Walker, S. E. (2003). Active learning strategies to promote critical thinking. Journal of athletic training38(3), 263.

 

Image from: freepik.com

 

 

كتابة: سعيد محمد راشد الكلباني

باحث دكتوراه بحامعة محمد الخامس – المغرب

 

 

مواضيع مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

آخر المواضيع

قائمة المحررين

الأكثر تعليقاً

فيديو