إن دراسة أي تجربة تعليمية على المستوى العالمي أو تربوية تحقق تحفيزاً وإثارة بؤرة الانتباه في المقارنة بين واقعنا وواقعهم لنستشرف مستقبلا مميزا مبدعا فنحاول أن نحتذي بهم تارة بما يواءم موروثنا القيمي والحضاري والثقافي ويتناسب معه، أو نجد فيها فكرة يمكن استنباتها أو البناء عليها، وقد تكون شرارة لأفكار جديدة تقدم للميدان التربوي.
لكوريا الجنوبية شهرة واسعة في مجال التعليم، فهي تولي عناية قصوى للعملية التربوية باعتبارها مفتاح التقدم، وتهتم بإكساب الطلبة مهارات وقدرات أساسية، وثقافة حديثة متطورة تساهم في عملية التنمية، وتخلق الإنسان الواعي المبدع والملتزم بأخلاقيات العمل وقيمتي الوقت والانضباط.
ومن خلال المنهج التعليمي يمكن معرفة مدى جودة التعليم، فأهمية الجودة في التعليم أبلغ من أهمية التوسع الكمي فيه، ويتمثل نجاح التعليم الكوري والسياسة التعليمية في كافة المراحل التعليمية، حيث ركزت أكثر على جودة مضامين المناهج التعليمية في كافة المراحل التعليمية، ترتكز المناهج الكورية على العناصر التالية:
-التركيز على التربية الخلقية: إن ما يميز المنهج الكوري على الدول الأخرى التي فشلت بها محاولات التنمية ليس تركيزها على العلوم والتكنولوجيا فحسب، وإنما تركيزها على التربية الخلقية والانضباط وقد أثمر هذا التركيز على الجانب الأخلاقي وحفظ الخصوصية الثقافية الوطنية وتسخير عناصرها لأغراض التنمية.
-التركيز على الإبداع: إن التعليم الكوري يجعل من الإبداع والمبادرة الفردية أولوية العملية التعليمية أي أن التعليم يقوم على دور الطالب وتقتصر مهمة المعلم فقط على الإشراف والتوجيه
-التركيز على الرياضيات والانجليزية: إن الطلبة الكوريين يحصلون على أفضل النتائج في الامتحانات الدولية في الرياضيات وذلك نتيجة تركيز القائمين على التخطيط التربوي على هذه المادة الأساسية منذ المرحلة الابتدائية، والأمر نفسه بالنسبة للغة الانجليزية فتعلم اللغة الانجليزية يعتبر أولوية في كوريا الجنوبية.
-الاستفادة من تكنولوجيا الاتصال والمعلومات: أصبحت تكنولوجيا المعلومات والاتصال جزءا لا يتجزأ من العملية التعليمية في البلدان المتقدمة، فقررت كوريا الجنوبية خوض إصلاحات عميقة على هذا المستوى واندمجت فعليا في اقتصاد المعرفة، وتم توصيل المدارس بالإنترنت، وتوزيع أجهز الحاسوب لي المعلمين كما تم إنشاء عدة جامعات افتراضي. يجري تزويد المدارس الكورية الجنوبية بإطار المنهج الدراسي الوطني الذي تضعه وزارة التعليم والعلوم والتكنولوجيا MES. ويجري تعديل هذا الإطار كل 5-10 سنوات، فهو يحدد محتوى المادة وأيضا مقدار الوقت الذي يستغرقه إعطاء المادة في العام الدراسي وعلى الرغم من أنه يجب على كل مدرسة أن تدرس المنهج الذي تقدمه الوزارة إلا أن مديري المدارس يتمتعون بالاستقلالية التي تمكنهم من إضافة بعض المحتوى والمعايير لتلبية احتياجات مدارسهم.
وتستند المناهج الكورية إلى مجموعة من الأهداف من أبرزها:
-تزويد الطلاَّب بالخبرات المختلفة التي تـساعدهم على النمو المتوازن للعقل والجسم.
-مساعدة الطلاَّب في تطوير قابليتهم الأساسية للتعرّف على المشكلات، التي تواجههم في الحياة اليومية وحلَّها، وتزويدهم بالخبرات التربوية التي تمكِّنهم من التعبير عن أنفسهم ومشاعرهم وأفكارهم بطرق مختلفة.
-تزويد الطلاَّب بالخبرات التعليمية، التي تـمكِّنهم من فهم عالم العمل.
-تطوير اتجاهات الطلاب لفهم وتقدير ثقافتهم وتراثهم.
-تطوير العادات الأساسية الفردية للحياة اليومية، وغرس حب الجيران والوطن.
وتعتبر كوريا الجنوبية متميزة جدا ولديها مستوى عال في تدريس الرياضيات، حيث نجد أنهم:
-يستخدمون أسلوب الكلمات الرئيسية (المفتاحية) عند محاولة حل المشكلات.
-يعتبرون أن كتب الرياضيات والعلوم المدرسية بمثابة مصدر قيّم للحصول على تعليمات، توجيهات، ونصائح تفيد عند استخدامها في حل المشكلات.
-يستخدمون الحاسبات الآلية واليدوية بشكل أقل.
-يحضرون عدد ساعات تعليمية أكثر من طلاب دول أخرى مثل أمريكا.
-ينجزون الكثير من المهام بشكل فردي مستقل وبدون توجيهات أو تعليمات تلزمهم بالعمل في مجموعات.
-يزيد عدد أيام الدراسة الفعلية لديهم عن غيرهم من عدد من دول العالم، فعلى سبيل المثال يزيد بـ44 يوما عن الولايات المتحدة الأمريكية.
-ينالون عدد قليل من حصص ودروس المراجعات.
-يعملون أولا على تطوير مهارات حل المشكلات قبل العمل على المهارات الرياضية.
-يتمركزون بشكل كبير حول حل المشكلة، بمعنى سعيهم لاستكشاف حلول متعددة لنفس المشكلة أكثر من حرصهم على حل كم من المشكلات بحلول منفردة.
-لا يحتاج الطالب الكوري لإتقان عدد كبير من المهارات للمرور للمستوى الدراسي التالي كما هو الحال في دول كثيرة.
ويمكن الاستفادة من نظام التعليم في كوريا الجنوبية من خلال ما يلي:
-تفعيل دمج التقنية بالتعليم، وذلك من خلال توفير بنية تحتية قوية تساعد المدارس على تفعيل أجود ما توصلت له التقنية من تطبيقات، مواد، وأجهزة.
-العناية بإعداد المعلمين واختيار الصفوة منهم للتعليم وخصوصا معلمي المرحلة الابتدائية؛ حيث تعد هذه المرحلة الركيزة التي تعتمد عليها بقية المراحل، ولا يصح أن يكون معلمها غير مؤهل لتدريس هذه المرحلة أو غير متخصص في المقررات.
-العناية والاهتمام بمؤسسات التعليم المهني على مستوى المدارس الثانوية وعلى مستوى التعليم العالي بما يساعد المملكة على استثمار الأيدي العاملة ورقع مستوى اقتصاد الدولة بما يحقق رؤية ٢٠٣٠.
-العناية بتنمية القيم الأخلاقية وذلك من خلال استحداث مقررات للتربية الأخلاقية تدرّس منذ المرحلة الابتدائية ولا يكتفى بدعم القيم وتعزيزها من خلال دمجها بالمقررات الأخرى.
-يجب أن يكون المعلم على استعداد دائم للتعلم، فالمعلمون الكوريون دائما ما يحضرون الدورات والبرامج التدريبية لتعلم طرق وأساليب وتقنيات جديدة.
-يجب على المعلم أن يشرك أولياء الأمور دائما في تفاصيل تعليم أبنائهم.
-يجب أن يفعّل المعلم التكنولوجيا بكفاءة، فجميع الفصول الدراسية بكوريا الجنوبية مكتظة بأجهزة الكمبيوتر والإنترنت والأجهزة اللوحية والسبورات الذكية وكل ما يساعد المعلم في عملية التدريس.
-يجب أن يكون المعلم ملهما لطلابه، فالمعلمون الكوريون يحفزون طلابهم كثيرا ويرفعون سقف التوقعات معهم لأعلى ما يمكنهم تحقيقه.
-إنشاء تعليم مواز بعد الابتدائية هدفه التركيز على المناهج المهمة كالرياضيات والعلوم.
-تحويل الرياضيات إلى مشاريع محسوسة. والتخلص من التجريد.
المراجع:
بدران، شبل. (٢٠٠٤) التربية المقارنة. دراسات في نظم التعليم. ط4. دار المعرفة الجامعية.
بوطيبة، فيصل. (۲۰۰۹). تحديات إصلاح التعليم العربي دروس مستفادة من تجربة كوريا الجنوبية، مستقبل التربية العربية، المركز العربي للتنمية، 16 (60)، 153-176.
التوم، محمد الأمين أحمد. (2014م). أهمية الرياضيات للتنمية. استرجع من https://www.sudaress.com/hurriyat/169696
جاب الله، محمد. (2014). كيف تدرس الرياضيات في كوريا. استرجع من http://goo.gl/vxNY5j
الدخيل، عزام محمد. (٢٠١٥). تعلومهم نظرة في تعليم الدول العشر الأوائل في مجال التعليم. ط4. الدار العربية للعلوم ناشرون.
رشاد، سوزي محمد. (٢٠١٤). دراسة حول دور التعليم في التنمية خبرة كوريا الجنوبية، منشورات جامعة القاهرة. كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 15 (4)، 35-60.
المدني، عبد الله. (٢٠١٤). كوريا الجنوبية الأولى في التعليم عالميا، استرجع من https://www.alittihad.ae/wejhatarticle/80037
كتابة: تغريد عبده حمدي
باحثة دكتوراه مناهج وطرق تدريس الرياضيات
اترك تعليقاً
لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *