تُعد القيادة الفاعلة إحدى المميزات الرئيسة التي يمكن بواسطتها التمييز بين المنظمات الناجحة وغير الناجحة.
وحيث إن جوهر العمل الإداري للقائد التربوي ينصبّ على وظائف التخطيط، ومراقبة التنفيذ، وإدخال التحسينات المتنوعة على طريق الأداء، وكل هذا يتطلب مهاراتٍ إداريةٍ عاليةٍ لدى قادة العمل التربوي لخلق بيئةٍ صالحةٍ تمكّنهم من مواجهة التحديات والتغييرات السريعة التي تجري حولهم، وتستدعي الاهتمام والعناية بنمو مصادرهم البشرية من هيئة تدريس، إداريين، موظفين، وطلبة، بجانب اتخاذ خطوات مناسبة لتطوير فاعلية العاملين، وتكيُّفهم مع المتطلبات المتجددة.
وتُعرف القيادة التربوية بأنها دور جماعي فعال يهدف إلى توجيه سلوك العاملين في المؤسسة التربوية لتحقيق أهداف مشتركة من خلال بناء الرؤية المستقبلية والتوجهات الاستراتيجية للمؤسسة وبناء العلاقات الإنسانية بين جميع أفرادها والتأثير فيهم وممارسة التحفيز والتشجيع لهم وتدريب الأفراد العاملين بما يناسبهم من مهارات مطلوبة لأداء أعمالهم على أكمل وجه.
تنوعت الاتجاهات الحديثة في القيادة التربوية ومنها:
القيادة الاستراتيجية – القيادة الاستشرافية – القيادة الريادية – القيادة الإبداعية – القيادة العالمية
والتي سيتم استعراضها بالتفصيل في هذا المقال من حيث: المفهوم، الأهمية، المتطلبات، وأهم التحديات التي تواجهها.
أولاً: القيادة الاستراتيجية Strategic Leadership
هي تلك الأفعال التي تركز بشكل كبير على تحديد التوجه طويل الأمد والرؤية الاستراتيجية، وإيصال هذه الرؤية إلى الجهات ذات العلاقة، والولاء والقوة اللازمة لإدراك هذه الرؤية وتحقيقها، وإلهام الأخرين للتوجه صوب الاتجاه الصحيح.
أهمية القيادة الاستراتيجية
-ترسم الثقافة التنظيمية في المنظمة من خلال؛ طريقة القيادة، أسلوب القائد الإداري، تفويض السلطات، تقسيم المهام وتوزيعها.
-تنمية المورد البشري والمعرفي والاجتماعي داخل المنظمة، فهي تعزز المناخ المنظمي وتفعل الشراكات الفردية والجماعية والمنظمية.
-تحقيق التوازن الاستراتيجي للتطلعات والحاجات المتقاطعة.
-استقطاب الكفاءات الإدارية المبدعة، وتنمي قدراتهم لمواجهة المشكلات تحت الظروف الطارئة، والمستقبل وتحدياته.
متطلبات القيادة الاستراتيجية
-التخطيط الاستراتيجي
-بناء الرؤية
-دعم من القيادات العليا
-مشاركة الجميع في وضع خطة مستقبلية
معوقات القيادة الاستراتيجية
-الانشغال بالتفاصيل التشغيلية والمالية.
-النفور من المخاطر خوفًا من الفشل.
-الفشل في تطوير القدرات الاستراتيجية للقادة.
-قلة أو ندرة الموارد المتاحة في مواجهة الاحتياجات المتزايدة.
-عدم وضوح أو عدم تحديد الاستراتيجية، والتغيرات المختلفة غير المخطط لها.
ثانياً: القيادة الاستشرافية Visionary Leadership
تعتبر القيادة الاستشرافية للمستقبل من الاتجاهات الحديثة وتشير إلى أسلوب قيادي يتميز بالقدرة على صياغة رؤية جديدة للمستقبل، والحدس، والتخيل الدقيق لمستقبل مؤسساتهم التنظيمية من منظور يتميز بالجرأة، والفهم الكامل لتحديات الواقع والمستقبل.
أهمية القيادة الاستشرافية
-يساعد القيادات الأكاديمية على اكتشاف الفجوات البحثية المستقبلية وردمها.
-تحقيق السبق العلمي والمنافسة العالمية في المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
-مساعدة القيادات الأكاديمية على استكشاف المشكلات قبل وقوعها والتخطيط الجيد لتفاديها.
متطلبات القيادة الاستشرافية
-وضع تصور مستقبلي وبناء رؤية وتوصيلها
-خيال وقدرة إبداعية
-تشجيع الاهتمام بالمستقبل
-التدريب على بناء سيناريوهات
تحديات القيادة الاستشرافية
-قلة الوقت.
-تجنب المخاطرة والخوف وعدم الإقدام.
-عدم المشاركة في مجال التخطيط الاستراتيجي.
-نقص المعرفة في عالم يزداد تعقيداً.
-التمسك بالأساليب التقليدية.
فالقيادة الاستشرافية تعد مدخلاً مناسباً لتوجهات التعليم نحو الرؤية الوطنية 2030 من خلال استشرافها لتغيرات المستقبل والإعداد لتحدياته، وأن التطوير المهني للقادة في المجال التربوي يعد أمراً هاماً لاستيعاب هذا النمط القيادي الحديث الذي يتطلب مهارات ومعارف وأفكار مختلفة عن تلك التي تتصف بها القيادة التقليدية.
ثالثاً: القيادة الريادية Entrepreneurial Leadership
هي امتلاك رؤية واضحة، والقدرة على ايصالها لفريق العمل، لإشراكهم في عملية التعرف على الفرص الجديدة، وتوظيف عملية الإبداع التي تتضمن قدراً من المخاطرة لغرض تعقب أو استغلال هذه الفرص وتطويرها، والاستفادة منها من أجل الحصول على ميزة تنافسية.
أهمية القيادة الريادية
-يستطيع من خلالها المجتمع تحويل المعلومات التقنية الي سلع وخدمات.
-تقود عملية الابداع في السلع والخدمات والعمليات وتعد الاداة الحاسمة للدفع بعمليات التغير في المجتمعات بشكل عام.
-أن دور الريادة لا يقتصر على اكتشاف وتحوير التقنية فحسب، بل على تغيير عدم الكفاءة في الاقتصاد من حيث الزمان والمكان.
-إيجاد الحيوية والتجديد في المنظمة، فهي وسيلة لتطوير الاعمال وزيادة العائدات وتعزيز الربحية وتحقيق القيمة.
متطلبات القيادة الريادية
-التفكير الشمولي للقيادة والابتكار
-عدم التخوف من المخاطرة
-القدرة على رؤية الفرص المستقبلية والمغامرة لتحقيقها
-الانفتاح المعرفي والثقافي
تحديات القيادة الريادية
-البعد عن المجازفة والخوف من الفشل.
-قلة رأس المال المخصص للأعمال الريادية.
-قلة الوقت المخصص للإبداع والابتكار، وتدن القدرة على تقديم الحلول الابتكارية لحل المشكلات.
-ندرة الحوافز المادية والمعنوية للإبداع والتجديد.
-قلة تطوير مهارات الأفراد داخل المؤسسة وندرة العمل بروح الجماعة في المؤسسة الواحدة.
رابعاً: القيادة الإبداعية Creative Leadership
هي القيام بالتغيير أو التطوير أو إنتاج ما هو جديد من خلال الأفراد والوسائل التقنية لتحقيق أهداف المنظمة، ووظائفها الحالية والمستقبلية بطرق غير تقليدية تتميز بالطلاقة والأصالة والمرونة.
أهمية القيادة الإبداعية
-تنمي القيادة الإبداعية المهارات الشخصية في التفكير والتفاعل الإبداعي الجماعي من خلال العصف الذهني.
-جودة القرارات التي تصنع لمعالجة المشكلات على مستوى المؤسسة التربوية أو على مستوى إداراتها الفنية والإدارية والمالية.
-تشجع الإبداع، لتوليد الأفكار الجديدة ضمن برامج للاقتراحات تتضمن حوافز واحتفالات لتكريم المتميزين أفراداً وجماعات.
-تهيئ البيئة النشطة التي تنمي وتدعو إلى التميز والأصالة.
متطلبات القيادة الإبداعية
-الأفكار الإبداعية الخلاقة
-الإمكانات المادية
-الدعم القيادي للموارد البشرية
تحديات القيادة الإبداعية
-التفكير النمطي: وهو معوق يرتبط بنمط شخصية القائد، مثل ميله للمجاراة والمسايرة، والتبعية وفق الأطر المحددة سابقًا.
-الاستعجال في حل المشكلة: يجعل القائد ينظر إلى المشكلة نظرة سطحية وتقديم الحلول، دون أن يلم بها من جميع الجوانب.
-الخوف من الفشل: حيث يميل بالفرد إلى التمسك بالمألوف وعدم الخروج عنه باعتباره القيمة الحقيقية لنجاحه، وكذلك خشية أن يُنتقد عند إتيانه بأشياء جديدة قد تبدو غريبة لدى الآخرين.
-ضعف الثقة بالنفس: يؤدي ذلك إلى انزواء القائد وتبعيته للتقليد دون التجديد.
-الامتثال الزائد للقوانين والأنظمة والمعايير: تجعله يرى أن الحفاظ على المألوف والسير وفق ما تم التخطيط له من قبل وأن التحديث والتطور يقود إلى المجهول ويعرض للنقد، وبالتالي يحجم عن المغامرة وإطلاق الخيال ومن ثم الإبداع.
خامساً: القيادة العالمية Global Leadership
هي الـتفاعـلات الـتي تحـدث بـين مـختلف الـناس وعـبر الـثقافـات داخـل الـمنظمة بـغض الـنظر عـن أسـلوب الــقيادة المســتخدم لــلتأثــير عــلى الــنتيجة الــمرجــوة. وبـذلـك يـمكن وصـفها بـأنـها مـزيـج مـن الـتأثـير وتـغيير الــجهود عــبر الــثقافــات لــتحقيق الأهــداف الــتنظيمية.
أهمية القيادة العالمية
-تمكن العاملين وتحقق التكيف المطلوب عند العمل مع المجتمع العالمي وبما يتواكب مع السياسات العالمية في كافة المجالات.
-تحقق فاعلية المنظمة لقدرتها على إدارة التعقيد، وتحقيق ديمقراطية الأداء، وتحسين الكفاءة التنظيمية في ظل المنافسة العالمية.
-تسهم في بقاء المؤسسة متميزة في السياقات العالمية المختلفة والمتغيرة باستمرار.
-ترفع كفاءة العاملين في التواصل بين الثقافات المختلفة، وتعمل على توسيع المنتجات والخدمات والموارد.
متطلبات القيادة العالمية
-اكتساب المهارات العالمية
-إدارة التعددية الحضارية
-سعة الأفق والاطلاع
-كثرة التواصل والاحتكاك بالثقافات
تحديات القيادة العالمية
-التعامل مع الصراعات الثقافية
-خلق أهداف مشتركة وتنفيذ العمل المشترك
-إدارة العلاقة بين مقر المنظمة العام ومقرها المحلي
-التواصل عبر الحواجز الجغرافية والثقافية واللغوية
-تكييف السلوك لقراءة الأشخاص والمواقف بدقة ثم تعديل سلوكياتهم.
المراجع
آل حسين، سارة. (2018). القيادة الإبداعية لدى قائدات مدارس المرحلة الابتدائية. المجلة الدولية للعلوم التربوية والنفسية. ع (15). 97- 179.
جاد الرب، سيد. (2012). القيادة الاستراتيجية. مؤسسة الجوهري للتجليد الفني.
جبران، علي محمد. (2009). القيادة التربوية ودورها في بناء البيئة الإيجابية لثقافة الإنجاز التربوي، مجلة التربية: جامعة الأزهر.
الزعنون، محمد (2019). مهارات القيادة الاستراتيجية وعلاقتها بمستوى الأداء المؤسسي: دارسة تطبيقية على بلديات محافظة شمال غزة، مجلة جامعة الاستقلال للأبحاث، عمادة البحث العلمي والدراسات العليا، جامعة الاستقلال، المجلد 4، العدد 2، 118 – 75.
السبيعي، قوت. (2019). واقع تطبيق أبعاد القيادة الريادية لدى قائدات المدارس الثانوية الأهلية بشرق مدينة الرياض، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الشرق العربي للدراسات العليا.
عبدالعزيز، أحمد عزمي. (2010). القيادة الاستراتيجية ودورها في تنمية القدرات التنافسية لمنظمات الأعمال الدولية في جمهورية مصر العربية. رسالة دكتوراه. كلية التجارة، جامعة قناة السويس.
الــعصيمي، خــالــد محــمد حــمدان. (2020). مهارات الــقيادة الـعالـمية لـدى الـقيادات الأكـاديـمية فـي جـامـعة الـطائـف. المجـلة الـعلمية بـكلية الـتربـية -جـامـعة أسـيوط، مـج ،36ع،2، 398-438.
الغامدي، جمعان. (2011). ممارسة مديري مدارس التعليم العام للقيادة التحويلية بمحافظة المخواة. [رسالة ماجستير منشورة، جامعة أم القرى].
القحطانى، سالم بن سعيد آل ناصر. (2015). القيادة الريادية وتطبيقاتها في الجامعات. الإدارة العامة، س55, ع3 ، 435-499.
المبعوث، محمد. (2013). موسوعة استشراف المستقبل، ط2، قنديل للطباعة والنشر والتوزيع.
محمد، أشرف السعيد أحمد. (2011). تطور أداء مديري المدارس الثانوية في ضوء مدخل القيادة الاستراتيجية. مجلة كلية التربية بالمنصورة. ع75. ج2. 171-245.
Percy, S. (2020). An International Perspective: Top Leadership Challenges For 2020. Forbes Media. NJ USA.
Roomi, M.A., Harrison, P. (2011) ‘Entrepreneurial Leadership: What Is It and How Should It Be Taught?’ International Review of Entrepreneurship, 9 (3).
Sohmen, V. (2015). Reflections on Creative leadership. International Journal of Global Business. 8(1). 1-14.
Image from: freepik.com
كتابة: أ. تغريد عبده حمدي
باحثة دكتوراه مناهج وطرق تدريس الرياضيات
اترك تعليقاً
لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *