في ظل التطورات التكنولوجية الحديثة والتغيرات المتسارعة على جميع الأصعدة وخصوصاً في مجال بيئة العمل، وفي سبيل تحقيق ذلك سيكون الاعتماد على الموارد البشرية، باعتبارهم أحد الأصول القيمة لدى المؤسسات التي يعملون بها نظراً لما يتمتعون به من إمكانات تساعدهم في تحقيق إنجازات كبرى أذا ما توفرت لهم السبل والظروف الداعمة لذلك. فكل موظف
في ظل التطورات التكنولوجية الحديثة والتغيرات المتسارعة على جميع الأصعدة وخصوصاً في مجال بيئة العمل، وفي سبيل تحقيق ذلك سيكون الاعتماد على الموارد البشرية، باعتبارهم أحد الأصول القيمة لدى المؤسسات التي يعملون بها نظراً لما يتمتعون به من إمكانات تساعدهم في تحقيق إنجازات كبرى أذا ما توفرت لهم السبل والظروف الداعمة لذلك.
فكل موظف في بيئة العمل يقدم منظوراً مختلفاً بناء على تجربته وخبرته في الحياة، كما أنهم يمتلكون القدرة على أحداث أثر إيجابي من خلال الاعمال التي يقومون بها، وتهيئة الظروف الملائمة لهم، فلا يمكن للموظفين أن يشاركوا مشاركة بناءة في تحقيق أهداف المؤسسات دون أن يشعروا بالسعادة المؤسسية حتى يتمكنوا من مبادلتها بدعمهم عن طريق الانغماس الوظيفي، وبذل قصارى جهدهم في أداء العمل بجودة عالية وتحقيق أهدافها، وبتشابك أبعاد السعادة المؤسسية مع المتغيرات النفسية والاجتماعية داخلياً ستحقق التنمية وتطوير الأداء وتحقق الأهداف التنظيمية والفردية والمجتمعية معاً، إضافة إلى إشباع حاجات ودوافع الموظفين من تحقيق العدالة التنظيمية، والعلاقة مع الرؤساء، واحترام وتقدير الجهود، والترقية الوظيفية، ومصداقية المسؤولين.
لذلك السعادة المؤسسية قرار شخصي يتخذه الموظف حيث يشعر برابطة عاطفية قوية تجاه المؤسسة التي يعمل بها، وحالة من الاندماج العاطفي والفكري، ويعتبر نفسه مسؤولاً وملتزماً بإنجاحها، ويتخذ الموظف هذا القرار في ضوء سياسات المؤسسة وممارساتها ونظرتها تجاه الموظفين، فكلما حرصت المؤسسة على سعادة موظفيها أزداد حماس الموظفين وحبهم للعمل ورغبتهم في الإنتاج وولاؤهم للمؤسسة، وزيادة الإنتاجية، وبالتالي قدرة المؤسسة على تحقيق رسالتها ورؤيتها وأهدافها المنشودة (المعايطة، والحموري، ٢٠١٦: ٤١)
ما هي السعادة المؤسسية؟
السعادة المؤسسية كما عرفهاSalas,2018) ) هي حالة عمل تتضمن المشاركة، والرضا الوظيفي، والالتزام التنظيمي والعاطفي. وعرفهاSchultz,2017) ) كالتالي هي كلمة تستخدم للإشارة إلى أي شيء يريده الموظف من العوامل العاطفية والأخلاقية والتقديرية المرتبطة ببعضها البعض.
ويمكن تعريفه من الكاتبة بأنه: ما توفره المنظمة والإدارة من مبادرات وبرامج وخدمات بهدف تعزيز الصحة النفسية والعقلية والجسدية للموظفين للوصول لبيئة عمل مناسبة للموظفين تجعلهم مخلصين لعملهم وللمنظمة التي يعملوا بها.
بناء وتعزيز السعادة المؤسسية:
تقترح المعايطة والحموري (٢٠١٧) أن يتم بناء مقومات السعادة المؤسسية من خلال مجموعة من الممارسات منها:
-زرع الالتزام بالأخلاقيات الوظيفيـة والمهنيـة كـجـزء مـن الثقافـة المؤسسية، وقيام القادة بتقديم القدوة الحسنة لذلك.
-التدريب والتطوير وتوفير فرص الإبداع.
-إشراك الموظفين في عملية اتخاذ القرارات واحترام رأيهم وتفويضهم بالصلاحيات اللازمة. الشفافية والوضوح بين الإدارة والموظفين، وإبقاء قنوات الاتصال مفتوحة.
-احترام حاجات الموظف ومساعدته؛ لتحقيـق الـتـوازن بين حياتـه الوظيفية وحياته الشخصية. منح أجـور وتعويضات عادلة، وتخصيص جوائز للأداء المتميز، وتقدير الموظفين.
-تحويل مكان العمل إلى بيئة مريحة ومحببة.
وقدم العون (٢٠١٧) مجموعة من المبادرات التي من شأنها أن تكـون قاعدة أساسية تُبنى عليها ثقافة السعادة المؤسسية في بيئات العمل، ومنها:
أ. إنشاء وحدة تنظيمية متخصصة للسعادة، ويعتبرها حجر الزاوية نحو تحقيق السعادة في بيئة العمل المؤسسي تكون مهمتها إدارة السعادة وتنسيق كافة الجهود التي تكفل تحقيق السعادة فضلا عن متابعة العمل مع الموظفين والمتعاملين.
ب. وضع برامج وسياسات للسعادة، حيث يرى أنه لا يمكن تحقيق هدف معين إلا من خلال وضع البرامج والسياسات التي من شأنها تيسير الهدف وتحويله إلى حقيقة على أرض الواقع ومن ثم فإنه لا يمكن تحقيق السعادة داخل بيئة العمل دون وضع برامج وسياسات علمية وعملية تستهدف تحقيق هـذه الغاية.
نماذج السعادة المؤسسية وأبعادها:
ذكرت الأدبيات مجموعة من النماذج التي حاول المهتمون حصرها لتكون لبنات قوية، وأساسات داعمة لبناء السعادة المؤسسية. ومـن أبـرز تلـك النمـاذج مـا تـطـرق لـه كـل مـن (المعايطـة والحمـوري، ۲۰۱۷)، و(العامري، ۲۰۱۷)، (2013 ,Natthawin) وكذلك مؤسسة (Great Place to work) وهي كما يلي:
النموذج الأول: بعد أبحاث استمرت ثلاثين عاما منذ عام 1992 وكانت شريحة الدراسة 100 مليون موظف حول العالم خرج نموذج الثقة كمعيار عالمي ذو الأبعاد الخمسة لبيئة العمل السعيدة: قامت مؤسسة (Great Place To Work)، وبناء على مجموعة كبيرة من الاستطلاعات والدراسات، باستشارة مجموعة كبيرة من المستشارين لإعـداد نموذج لبيئة عمل سعيدة يضم خمسة أبعاد رئيسية، كل بعد منهـا يحتوي على مجموعة من المعايير الفرعية، وهي:
1.المصداقية: ويتعلق هذا البعد بالقدر الذي يرى فيه الموظفون الإدارة صادقة ومقنعة وجديرة بالثقة. وتعتبر الثقة في هذا النموذج، المبدأ الذي يحدد أماكن العمل الرائعة. وتنشأ الثقة من خلال مصداقية الإدارة، والاحترام الذي يشعر به الموظفون خلال التعامل معهم، وانتشار مبدأ العدالة بينهم. وتؤكـد العامري (٢٠١٧) أن المصداقية في بيئة العمل تتحقـق مـن خـلال التواصـل بانتظـام مـع الموظفين، والتمـاس أفكارهم وخططهم، والتنسيق بين أفـراد المؤسسـة والمـوارد بكفاءة عالية، وأن يعرف الموظفـون كـيـف يتصـل عملهم بأهـداف المؤسسة، فكـي تكـون المؤسسة متمتعة بالمصداقية؛ يجب أن تتبع الأقوال والكلمات بالأفعال.
2.الاحترام: ويشمل هذا البعـد: إمداد الموظفين بالمعدات، والموارد، والتدريب اللازم؛ للقيام بعملهم، وتقدير العمـل الجيـد والجهـد الإضـافي. بالإضافة إلى الوصول للموظفين وجعلهم شركاء في أنشطة المؤسسة، وتعزيز روح التعاون بين الإدارات والأقسام، وخلق بيئة عمل آمنة وصحية (العامري،۲۰۱۷). كما يقيس هذا البعد، مقدار شعور الموظفين باحترام الإدارة لهم، وذلك من خلال تقييم مستويات الدعم، والتعاون، والرعاية، التي يحظى بها الموظفون في سياق تعاملات الإدارة معهم.
3. العدالة: ويقيس هـذا البعـد مـدى إدراك الموظفين لعدالة ممارسات وسياسات الإدارة، وذلـك مـن خـلال تقييم مـدى المساواة، والحيادية، والإنصاف. ويشمل هذا البعد: شعور الموظفين بأن قادتهم يرونهم كأعضـاء فاعلين في المجموعة، وأن يشعروا بالارتياح في طرح أفكارهم ومقترحاتهم، وأن يطلبوا المساعدة عند الحاجة إليها. أما الحيادية فهي: أن يثق الموظفون بأن كـل فـرد مـنـهـم لـديـه فرصـة للمساهمة في النجـاح، وأن يثقـوا بـزملائهم وقادتهم، بحيث يتحدث كل منهم عـن الآخر بصورة إيجابية؛ ما يساعد في بناء الفريق الناجح. أما الإنصاف فيعني: أن يعترف الجميع بالحصول على فرص عادلة، وأن يتم اتخاذ قرارات بشأن التوظيف والترقيات من دون تحيز، وأن تكون هناك إجراءات واضحة للفصل في المنازعات (العامري، ۲۰۱۷، ص ٥٢).
4.الاعتزاز: ويقيس هذا البعد مـدى شعور الموظفين بالاعتزاز بعملهم، وبالفريق الذي ينتمون إليه، وبصورة المؤسسة في المجتمع، وذلك من خلال تقييم مشاعرهم تجاه وظائفهم، وتجاه الفريق أو مجموعة العمل، ومكان العمل التابع للمؤسسة.
5. العلاقات: ويقيس هذا البعـد شـعـور الموظفين بالزمالة، والألفة، والأريحية مع زملائهم في مكان العمل، وذلك من خلال تقييم الألفة، وكرم الضيافة في مكـان العمـل التـابع للمؤسسة، وإظهـار مـواهبهم الفريـدة، الاحتفال في المناسبات الخاصة بعضهم مع بعض، وتقديم الدعم والمساعدة لهم عند الحاجة، وتكوين علاقات صداقة حقيقية. وبناء عليه، فإن بيئة العمل السعيدة والجاذبة للموظفين تتمثل في المكـان الذي يشعرون فيه بالثقة والفخر والسعادة مع الأشخاص الذين يعملون معهم، حيث تنشأ الثقة من خلال مصداقية الإدارة والاحترام الذي يشعر بـه الموظفـون خـلال التعامل معهم، والمساواة التي يتوقعون أن يعاملوا بها، ودرجة الفخر، ومستويات التواصل الفعلية والصداقة الحقيقية التي يشعر بها كل موظف تجاه الآخر.
النموذج الثاني: نموذج الارتباط الوظيفي لشركة غالوب الاستشارية (جالوب)
ويقوم هذا النموذج على اثني عشر عنصرا رئيسيا مرتبطة ارتباطا وثيقا بالنجاح المؤسسي والتناغم الوظيفي، وفي حال قامت المؤسسة بتحقيق هذه العناصر الاثني عشر، يتوقع أن تحقق مستويات عالية من السعادة المؤسسية، وتحصـل علـى موظفين سعيدين متناغمين، ومكان مثالي وسعيد للعمـل. ويتضمن هـذا النموذج المطـور اثني عشـر سـؤالا، تقيس مستوى السعادة المؤسسية للأفراد، وتمثل معايير مهمة للمؤسسة التي تسعى لرفع معدلات السعادة داخل بيئتها وبين منسوبيها (المعايطة والحموري، ۲۰۱۷، ص 66).
النموذج الثالث: نموذج بيرما (PERMA)
والذي تناولته دراسـة (2013 ,Natthawin)، وكذلك دراسة (العامري، ۲۰۱۷) وقد ابتدأ هذا النموذج بعد سعي البروفيسور مارتن سليجمان إلى الدفاع عـن مـفـهـوم السعادة في العمـل والحياة، فتوصـل إلى إنشاء نموذج (بيرمـا) PERMA للسعادة، والذي يقترح فيه وجود خمسة عناصر أساسية، تساعد الأفراد على تحقيق الشعور بالإنجاز والسعادة، ويمثل المفاهيم التالية:
العنصر الأول: ويمثل المشاعر الإيجابية: (Positive Emotions)، وهي القدرة على التفاؤل، والتي تساعد الأشخاص على التعامل مع التقلبات في الحيـاة العملية، ويمكن تلخيصها في أنه يمكـن للمرء أن ينظر إلى الأحـداث جميعها، من منظور إيجابي، حتى عندما تكون الظروف غير مواتية.
العنصر الثاني: وهو المشاركة: ((Engagement)، ويعني أن الانخراط الكامل فيمـا يقـوم بـه الأشخاص لا يقتصـر تـأثيره على إثراء السعادة التي يشعرون بها فحسب، ولكنه عامل جوهري كذلك لمساعدتهم على التطـور والتعلم، والوصول لأفضل مستوى يمكنهم الوصول إليه.
العنصر الثالث: هو العلاقات: (Relations)، وهو عنصـر مـهـم؛ كون الأشخاص دائما ما يكون لديهم الرغبة القوية في التواصل مع الآخرين، فوجود العلاقات الداعمة الجيدة تساعد على مواجهة التغيرات والصعوبات.
العنصر الرابع: هو المعنى: (Meaning): حيث إن وجـود هـدف ومعنى للحياة، هو عامل رئيسي في إنجاز أي عمل، ويمنح شعورا بالسعادة.
العنصر الخامس: وهو الإنجازات: (Accomplishments)، فوجود مما يمنحه الشعور بالإنجاز. الدوافع التي تحفز الفرد لتحقيق الأهداف يعد عاملا مهما يسهم في بلوغها.
رأي:
نموذج الثقة
المصدر:
https://www.greatplacetowork.com/our-methodology
الترجمة من إعداد الكاتبة
وأعتقد أن أمثل هذه النماذج نموذج مؤسسة ( Great Place To work) كونه شامل لكافة الأسس التي تقوم عليها سعادة العاملين، وكافية لتحويل بيئة العمل إلى بيئة سعيدة ومحفزة على العمل؛ نظرا لتضمنه خمسة أبعـاد لبيئة العمل السعيدة (المصداقية -الاحترام -العدالة -الاعتزاز -العلاقات).
المراجع:
Salas-Vallina, A., & Alegre, J. (2018). Unselfish leaders? Understanding the role of altruistic leadership and organizational learning on happiness 633-649
Schultz, Bart (2017) The Happiness Philosophers: The Lives and Works of the Great Utilitarians, Princeton, New Jersey: Princeton University Press. 2017
Natthawin, Saenghiran. (2013). Towards Enhancing Happiness at Work: A Case Study. Social Research Reports, vol. 25, pp 21-33 . Tan, A. G., & Majid, D. (2011). Teachers’ perceptions of creativity and happiness: A perspective from Singapore. Procedia-Social and Behavioral Sciences, 15, 173-180. The Definition of a Great Workplace. Received from: https://www.greatplacetowork.com/trust-model
Image by DCStudio on Freepik
كتابة: شريفة حميد الطويرقي
باحثة دكتوراة إدارة تربوية وتخطيط
اترك تعليقاً
لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *