التربية ورعاية الأبناء
هنيئاً لَّكُمْا أيها الوالدين بالأجر العظيم الذي أعده الله سبحانه وتعالى – فقد ذكرت عائشةَ رضي اللَّهُ عنها قَالَتْ: (جَاءَتني مِسْكِينَةٌ تَحْمِل ابْنَتَيْن لَهَا، فَأَطعمتُهَا ثَلاثَ تَمْرَاتٍ، فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً، وَرَفَعَتْ إِلى فِيها تَمْرةً لتَأكُلهَا، فَاسْتَطعَمَتهَا ابْنَتَاهَا، فَشَقَّت التَّمْرَةَ الَّتي كَانَتْ تُريدُ أَنْ تأْكُلهَا بيْنهُمَا، فأَعْجبني شَأْنها، فَذَكرْتُ الَّذي صنعَتْ لرسولِ اللَّه ﷺ فَقَالَ: إنَّ اللَّه قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الجنَّةَ، أَو أَعْتقَها بِهَا من النَّارِ) رَوَاهُ مُسِلمُ، لذا تعُد تربية الأبناء من أهم اهتمامات الوالدين بل الأساس في الحياة، خاصة أن ديننا الإسلامي حث عليها وعظم أجر الوالدين، لما ما يبذلونه من عطاءات وتضحيات، إلا أن الأغلبية لا يعون الفرق بينها وبين الرعاية، ساعين كثيرا ومعتقدين أن إنفاق المال، وتوفير الملبس والمسكن، وتلبية الرغبات الكمالية للأبناء تعد تربية سليمة صحيحة؛ ولا شك أنها مهمة ولكًن هذه ليست هي التربية.
تٌعد التربية هي الصبر على الأخطاء والتوجيه الصحيح للأبناء، والبعد عن الإهانة والعنف والإهمال الجسدي والنفسي، وغرس القيم والمبادئ الإسلامية مثل تعليم القران الكريم والصلاة والصيام والصدقة والإحسان والخٌلق الحسن وغيرها من الفضائل الحسنة التي تُثمر في الأبناء، وتحقق لهم الفائدة في الدنيا والأخرة، ولا يعني ذلك الإهمال الظاهري والتقصير في التعليم والتشجيع في ممارسة الهوايات، والعمل على استكشافها وتطورها، بل القصد هو محاولة الموازنة بين التربية والرعاية.
كما أن الفرق بين الرعاية والتربية التمييز بين الاهتمام في الابن في مظهره الخارجي من مأكل ومشرب وملبس وتلبية احتياجات حياتية، وبين الحاجة لمعرفة المبادئ الإسلامية مثل تعليم قراءة القران الكريم، وحب العلم والتعليم والثقة بالنفس من خلال تشجيعهم في الجوانب الإيجابية من شخصياتهم وتقوية جوانب الضعف لديهم، أيضاً المثابرة وعدم اليأس من الفشل، والتعامل الصحيح في المواقف التي يعترضون لها من رد الإساءة بالحسنة وابتغاء مرضاة الله عز وجل وغيرها من محاسن الأخلاق.
فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال يا غلام، إني أعلمك كلمات “احْفَظِ اللهَ يحفظْك، احفظ الله تَجِدْه تُجَاهَك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا اسْتَعَنْتَ فاسْتَعِن بالله، واعلمْ أن الأمةَ لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يَضرُّوك بشيء لم يَضرُّوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف” وفي رواية: “احفظ الله تَجِدْه أمامك، تَعرَّفْ إلى الله في الرَّخَاء يَعرِفْكَ في الشِّدة، واعلم أنَّ ما أخطأَكَ لم يَكُنْ ليُصِيبَكَ، وما أصَابَكَ لم يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، واعلم أن النصرَ مع الصبرِ، وأن الفرجَ مع الكَرْبِ، وأن مع العُسْرِ يُسْرًا” رواه الترمذي وأحمد بروايتيه، ويشير الحديث الشريف على أهمية تربية الأبناء وغرس القيم الدينية الاسلامية التي تساعدهم في اتصاف الخلق الحسن، والتعامل الصحيح مع مواقف الحياة من الصبر والرضا سواء على الخير أو الشر، ومعرفة أن الجزاء من جنس العمل، واللجوء وحسن الظن والثقة بالله سبحانه وتعالى في جميع الأوقات.
وخلاصة هذا أن التربية والرعاية مترابطتين ببعضهما البعض رغم اختلافهما، فالتربية أساس بناء الأبناء بداية من تعليم الدين الإسلامي كالصلاة والصيام وغيرها من الشعائر الإسلامية التي تحمل في طياتها الالتزام والصبر وضبط النفس، إلى الوصول لتعلم حفظ الحقوق والواجبات والمبادئ والقيم الأخلاقية، لتكون درع حصين في مواجهة مواقف الحياة التي يعيشون فيها بعد توفيق الله سبحانه وتعالى، ثم تأتي الرعاية مكملة تطبيقياً مثل الاهتمام بنظافة البدن، والملبس، والمأكل وغير ذلك من أمور الحياة باعتدال.
كتابة: أمل محمد مباركي
Image from: www.freepik.com
اترك تعليقاً
لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *