saudistem
EDGEx

أهمية التعلم المنظم ذاتياً لطلاب التعليم العالي

أهمية التعلم المنظم ذاتياً لطلاب التعليم العالي
كتابة: مها الفوزان

فرض التعايش مع العالم الرقمي احتياج طلبة التعليم العالي مهارات جديدة تتجاوز التلقي السلبي للمعلومة، ليصبحوا مشاركين فاعلين في بناء معارفهم وتنظيم تعلمهم بأنفسهم.

من هنا، يبرز مفهوم التعلّم المنظَّم ذاتيًا (Self-Regulated Learning) كأحد المفاهيم المحورية في البحوث التربوية المعاصرة، لا سيما في ظل التحول نحو التعليم المدمج والتعليم عبر الإنترنت. يشير هذا المفهوم إلى العملية التي ينظّم فيها المتعلم سلوكياته ومعارفه وانفعالاته من أجل تحقيق أهدافه التعليمية. ويتضمن التعلّم المنظم ذاتيًا ثلاثة مراحل رئيسة: التخطيط، التنفيذ والمراقبة، وأخيرًا التقييم أو التفكير ما بعد الأداء. ويعتمد هذا النوع من التعلّم على مجموعة من المهارات مثل تحديد الأهداف، تنظيم الوقت، اختيار الاستراتيجيات المناسبة، والتقييم الذاتي للأداء.

وتبرز أهمية التعلّم المنظم ذاتيًا في التعليم العالي من خلال الأدوار المتزايدة للطلبة كمتعلمين مستقلين، خصوصًا في بيئات التعلم غير التقليدية، مثل التعليم عبر الإنترنت والتعليم المفتوح. وقد بينت الدراسات أن الطلاب الذين يمتلكون مهارات التعلّم المنظم ذاتيًا يكونون أكثر نجاحًا في التعلّم، وأكثر قدرة على التكيف مع تحديات البيئة التعليمية المتغيرة. كما أن هذه المهارات ترتبط بزيادة الدافعية الداخلية، وتعزيز القدرة على التعلم مدى الحياة، وهي من المهارات الأساسية التي ينادي بها القرن الحادي والعشرون .

وقد ساهم عدد من الباحثين في تطوير مفهوم التعلّم المنظم ذاتيًا، ويُعدّ باري زيمرمان (Barry Zimmerman)  من أبرز هؤلاء الرواد، إذ طوّر نموذجًا شهيرًا يوضح أن التعلّم المنظم ذاتيًا هو عملية ديناميكية مكونة من ثلاثة مراحل تبدأ بالتخطيط المسبق، ثم الأداء، وأخيرًا تفكير ما بعد الأداء .كما ساهم باحثون آخرون مثل بينتريتش (Pintrich) الذي ركز على الأبعاد التحفيزية والمعرفية، وبوكارتس (Boekaerts) التي طورت نموذجًا يدمج بين التنظيم الذاتي والجانب العاطفي في التعلّم.

وقد انبثق هذا المفهوم من عدة نظريات نفسية وتربوية. أولى هذه النظريات هي النظرية المعرفية الاجتماعية التي تعود إلى ألبرت باندورا، والتي تركز على التفاعل بين العوامل الشخصية والسلوكية والبيئية، وتبرز أهمية الكفاءة الذاتية (Self-efficacy) كمحفز داخلي للتعلم. كما أن النظرية البنائية ساهمت في ترسيخ هذا المفهوم من خلال التأكيد على أن المتعلم هو من يبني معرفته بنفسه، وأن التنظيم الذاتي يمثل أحد مظاهر استقلاليته الفكرية .إلى جانب ذلك، تبرز نظرية المعالجة المعرفية للمعلومات، والتي تركز على كيفية تنظيم المعلومات وتخزينها واسترجاعها، وتشير إلى أهمية الاستراتيجيات المعرفية والميتا-معرفية في دعم التنظيم الذاتي للتعلّم .

ورغم الأهمية المتزايدة للتعلّم المنظَّم ذاتيًا، إلا أن تطبيقه في الواقع التعليمي يواجه جملة من التحديات العملية. فمن أبرز هذه التحديات ضعف وعي الطلبة بمفهوم التنظيم الذاتي وآلياته، حيث أن الكثير من الطلبة في التعليم العالي لم يتلقوا تدريبًا مباشرًا على مهارات مثل التخطيط، تنظيم الوقت، أو تقييم الذات، مما يجعلهم أقل استعدادًا لتحمل مسؤولية تعلّمهم. كما تُعدّ البيئات التعليمية التقليدية التي تركز على التلقين والاعتماد على المعلم عقبة أمام نمو هذا النوع من التعلّم، إذ تضعف من حس المبادرة والاستقلالية لدى الطالب .

إضافة إلى ذلك، تمثل المشتتات التقنية في بيئات التعلم عبر الإنترنت تحديًا كبيرًا، حيث يفتقر بعض الطلاب إلى الانضباط الذاتي في بيئة أقل رقابة. كما أن الفروق الفردية بين المتعلمين، من حيث الدافعية، ونمط التعلّم، والقدرة على التنظيم الذاتي، تفرض تحديًا على المؤسسات التعليمية لتوفير دعم مخصص يتناسب مع هذه الاختلافات. ولا يمكن إغفال أن العبء الأكاديمي وضغوطات الحياة الجامعية قد تؤثر سلبًا على قدرة الطالب في تنظيم تعلّمه بشكل فعّال، مما يستدعي وجود دعم أكاديمي وإرشادي يساعد الطلبة على اكتساب هذه المهارات تدريجيًا.

إن التعلّم المنظَّم ذاتيًا يمثل مهارة محورية في العصر الحديث، خاصة في التعليم العالي، حيث تتطلب البيئات التعليمية المعاصرة قدرًا عاليًا من الاستقلالية والمسؤولية الذاتية من قبل المتعلمين. ومن خلال الفهم العميق لهذا المفهوم وتأصيله النظري، يمكن للمؤسسات الأكاديمية تعزيز ممارسات تعليمية تدعم تنمية هذه المهارة لدى طلبتها، بما يسهم في بناء متعلمين مستقلين وفاعلين وقادرين على مواجهة تحديات المستقبل.

كتابة: مها الفوزان

مواضيع مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

آخر المواضيع

قائمة المحررين

الأكثر تعليقاً

فيديو