فعلى سبيل المثال يتم في مناهج اللغة والاجتماعيات تدريب المتعلمين على ممارسة مهارة التفكير، ويستخدم في الرياضيات المنطق لفهم الرموز والمعادلات والعلاقات بينهم. ولكن ما لفرق بين التفكير والمنطق في المناهج الدراسية؟

ينبغي في البداية تعريف كل من التفكيرThinking والتفكير المنطقي Logical Reasoning قبل الحكم على اختلاف وتشابه تعليمهما. فالتفكير المنطقي هو أحد أنماط التفكير السبعة بجانب التفكير العلمي، والناقد، والابداعي، والخرافي، والتسلطي، والتوفيقي. والطفل مفكر منطقي متى ما عُرف نمط تفكيره. والتفكير المنطقي هو قدرة الطالب على التفكير بشكل منظّم، والقدرة على بناء أفكاره اعتماداً على الأدلة والحقائق، دون الأخذ بالاعتبار عناصر المشاعر والعواطف.

كما يعتبر المنطق أنه الأداة المستخدمة لعملية الإدراك. ويُستخدم في ربط مكونات العلم مع بعضها بداية من الحقائق، ثم تكوين المفاهيم، فالمبادئ والتعميمات ثم وضع القوانين وصولاً إلى وضع النظريات اعتماداً على استخدام عمليتي الاستقراء ((Inductive والاستنباط (Deductive) في جميع هذه المستويات. فعندما نقول الاستقراء فإننا نقصد به تتبع الجزئيات للوصول إلى قاعدة عامة، وعندما نقول الاستنباط فإننا نعني الانتقال بالتفكير من القاعدة إلى الجزئيات. فعلى سبيل المثال لعملية الاستقراء: كل ارنب لاحظناه له رئة، إذن كل ارنب له رئة. ومثال الاستنباط هو أن كل الثدييات لها رئة، وكل ارنب من الثدييات إذن كل ارنب له رئة ، وهي عادة ما يتم العمل بهما في مناهج العلوم للوصول إلى قواعد ثابتة ومشتركة في العلاقة ما بين المواد والعناصر والكائنات.

وعلى الجانب الاخر، يُعرف دي بونو التفكير بأنه “مهارة عملية يمارس بها الذكاء نشاطه اعتماداً على الخبرة، او اكتشاف متبصر أو متأن للخبرة من اجل التوصل إلى هدف ما”. كما عرفه جون ديوي بأنه الأداة الصالحة لمعالجة المشاكل والتغلب عليها وتبسيطها. بينما يراه عبد الحليم أنه” مفهوم افتراضي يشير إلى عملية داخلية تعزى إلى نشاط ذهني معرفي تفاعلي انتقائي قصدي موجه نحو حل مسالة ما، او اتخاذ قرار معين، أو اشباع رغبة في الفهم أو إيجاد معنى أو إجابة عن سؤال ما، ويتطور التفكير لدى الفرد تبعاً لظروفه البيئية”.

ونستنتج من خلال هذه التعريفات للتفكير المنطقي ومهارة التفكير ان احداهما جزء من الاخر. فالتفكير المنطقي هو أحد انماط التفكير وجزء منه، وتعليم التفكير هو تعليم الإدراك وليس المنطق وهو العملية الذهنية التي يطور فيها الفرد خبراته ومعرفته، وهي العملية التي يولد فيها الطالب أفكاره وتحليلها ومحاكمتها. وبالتالي فإن تعليم التفكير المنطقي يختلف عن تعليم التفكير كمهارة مجردة. فالتفكير المنطقي بحاجة الى براهين ومسلمات وحقائق لا تقبل الشك حول موضع معين. وهو بهذا المفهوم قد يكون مرادفاً للتفكير العلمي المعتمد على التجريب من خلال الملاحظة والتصنيف والتجربة قبل الوصول إلى النتيجة وتعميمها. بينما تعليم التفكير هو تعليم مهارة تساعد على الأداء بشكل فعال في ظروف معينة تدفع بالذكاء الفطري نحو العمل.

ونعترف بان هناك تداخل بين عمليات التفكير والمهارات المركزية عند تعليم المنطق من خلال مفردات المناهج الدراسية. وعمليات التفكير والمهارات المركزية هما أحد ابعاد التفكير. فالمهارات المركزية هي العمود الفقري للتفكير المنطقي. وهذه المهارات هي: التركيز، وجمع المعلومات، وتنظيمها، وتحليلها، ثم توليدها، وإعادة بناءها، ثم تقويمها. ومن هنا تظهر حاجة التفكير المنطقي لتعليم مهارات التفكير اولاً من اجل التنقل من معرفة إلى معرفة ومن خطوة إلى أخرى ومن عملية لأخرى عند البحث عن الأسباب والحلول.

وبالنتيجة فإن تعليم المنطق يحتاج لتعليم مهارات التفكير اولاً. وتشترك عمليات التفكير مع مخرجات التفكير المنطقي، بل انها الأدوات التي تساعده في عمله، مثل تكوين المفاهيم والمبادئ والاستيعاب قبل انتاج المعرفة والبحث ومناقشتها. فبدون مهارات التفكير لن يستطيع المنطق تكوين المفاهيم، والمبادئ والحقائق والمسلمات والبراهين ومن ثم بناء النظريات.

ونعتقد في النهاية أن مهارات التفكير هي أدوات المنطق في إثبات صحته.

كتابة: محمد حسن البحيري

باحث دكتوراه في المناهج وطرق التدريس