saudistem

رأي: المستطيل الأخضر

رأي: المستطيل الأخضر
كتابة: منيرة القحطاني

آراؤنا ووجهات نظرنا وأفكارنا تتشكل مع الآخرين في دوائر تعرف في عالم الرياضيات بأشكال فن، تجد هناك من يجمعهم الاتحاد وهناك من تتقاطع الطرق معهم وتفقد التواصل بهم، فأنا أختلف معك ولا يكون بيننا نقاط مشتركة، لكن يحيطنا في النهاية كوكب واحد وسماء واحدة، إن لم أجد طريق يجمعنا في فكرة معينة، فسوف أمضي في البحث عن طريق آخر يربطنا وإن صعب ذلك ربما أصنع لي طريق يناسبنا.

ومهما كان اختلافنا فإن القاعدة المتفقين عليها في التعامل مع الآخرين هي أن تكون قائمة على الاحترام والتقدير. فأنت تمثل ذاتك وما يصدر منك من أفعال وأقوال نابعة من شخصيتك وما تعلمته وتربيت عليه. وهذا ينعكس تلقائياً على ما يجري من تعصب في الملاعب، وما يحدث من تنمر في المدارس؛ والمشاهد في ذلك تزداد مع ابتعاد الآخرين عن الوعي في طريقة التعامل مع الجميع، واختفاء الاحترام والتقدير، واستبدال كل ذلك بمن يكون لديه شخصية سيئة التعامل ولسان سليط مليء بالألفاظ البذيئة، وطرق متنوعة من الاستهزاء والسخرية، والكثير الكثير من الشتم والقذف.

ومع ما يتّبعه البعض من نقص في مفاهيم طرق التربية الحديثة أم القديمة كانت، نجد أن المربي فقد الهوية، وأصبح يمسك راية المعلم والموجه أشخاص ينقصهم الكثير من الخبرة والمسؤولية.  فليس كل من يملك الشهادة أصبح متعلماً، وليس كل من يقال له أباً أو أماً هو حقاً كذلك، فنحن لا نريد رعاية بل تربية. فهل تعرف الفرق بينهما؟

في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: 》كُلُّكُمْ راعٍ، وكُلُّكُمْ مسئولٌ عنْ رعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ ومسئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ…》إلى نهاية الحديث الشريف الذي أعتقد أنك تكمله وتعرفه حق المعرفة. فكلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته كلمة جامعة عظيمة من جوامع الكلم، فالكل مسؤول عن من تحته ويرعاه ويبذل طاقته في تعليمهم، وتوجيههم، وتأديبهم بالأمر والنهي.

ومع تسارع نمط الحياة الآن والتطور العالي في عدة مجالات والتكنولوجيا الحديثة، أصبح هناك الكثير من المؤثرات التي تدخل حياتنا وتأثر عليها. وقد يفقد الأغلب السيطرة ويصبح ما يراه ويسمعه هو ما يغذي فيه ذاته. ويقودنا ذلك إلى ازدياد الفجوة والتباعد بين الأجيال، فيذهب الحوار ويغيب النقاش، ويأتي أسلوب الأمر والانقياد وما يصحبه من تمرد ومشاحنات ونفور. وهذا ما نشاهده في أغلب مجتمعاتنا المختلفة من انعدام للتربية، وما تراه من عقول جوفاء تسحبها المغريات والملهيات وتتحكم في مخرجاته؛ لتجعل منه شخصاً جاهلاً بذاته وما يشبعها وعن كيفية الحفاظ عليها وعدم الحط من تقديرها.

فالشخصية والذات البشرية أصيلة، وفطرتها سليمة. وتلك السلسلة من العادات غير الجيدة ماهي سوى عادات التصقت وتشكلت فيها نتاج ما تمر فيه من ضياع وتشتت وعدم اتزان وغياب للثقة ولأساسيات التربية.

فعليك أن تعلم أن ما يحق لك وتطالب به من احترام ورقي في التعامل يطلبه الجميع؛ وعليه فلتعلم أن المساواة مطلب، وهي مبدأ يقضي بأن الجميع يملكون نفس الحقوق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، دون تمييز في الدين أو اللغة أو اللون أو الجنس أو حتى المستوى الاجتماعي.

لذا عليك أن تحاول أن تتخيل أنك وسط مستطيل أخضر له حدود وضوابط لا يمكنك الخروج منها وتعديها كما تشاء ووقتما تشاء.

 

وقد جُعِل ميزان التفاضل بين الناس هو التقوى، والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. منها قوله تعالى: { يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍۢ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْ ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } الحجرات (١٣)

وأصبح من يرى نفسه أفضل يحق له أن يصنف الناس في مستويات وطبقات وأن ينتقد نقدٌ هدّام ويتنمر عليهم بالقول والفعل.

وقد نبذ ذلك ديننا وقد نهى القرآن نهيا مشددا عن سخرية الإنسان من أخيه الإنسان، حيث قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} الحجرات (١١)

والنهي عنه صريحٌ في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا؛ الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَا هُنَا» وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ» صحيح مسلم

ولتعلم أن الإقرار بالمشكلة والبحث عن الحلول يعد نصف حلها إن لم يكن كامل الحل فيها. ويستطيع المرء أن يثقف نفسه ويطورها بالتعلم المفيد الذي يصقل ذاته ويقويها لمواجهة الحياة بكل ما فيها من صعوبات ويقوّم ما فيها من اعوجاج تسببت به ترسبات العادات والتقاليد الخاطئة ومغريات العالم الهدّام للمبادئ والقيم.

“إياك والسخرية من الناس أو الهزء بالبؤساء فأنت تجهل الدور الذي تعده لك الاقدار غداً”.

نجيب محفوظ

وليصبح طموحنا وأكبر أمانينا أن يشهد لنا ربنا كما قال عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم

{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} القلم (4)

Image from: pixabay.com 

 

كتابة: منيرة القحطاني

مواضيع مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

آخر المواضيع

قائمة المحررين

الأكثر تعليقاً

فيديو