saudistem

العلم والفلسفة عبر الحضارات الإنسانية القديمة

العلم والفلسفة عبر الحضارات الإنسانية القديمة
كتابة: محمد حسن البحيري

مرت البشرية بالعديد من الحضارات والثقافات والتغيرات والفلسفات على مر العصور. وتناقلت المجتمعات ما عرفته واكتسبته من معرفة عبر القرون الماضية حتى وصولها إلى العصور اللاحقة.

 

وحاولت المجتمعات البشرية في بداياتها أن يتعاون أفرادها مع بعضهم من أجل توفير احتياجاتهم الضرورية من مأكل ومشرب ومسكن وحماية من المخاطر من خلال ابتكار الأدوات التي تساعدهم على تحقيق هذه الأهداف. ثم تطورت البشرية وحاولت التعرف على كيفية صناعة هذه الأدوات وكيفية استخدامها. ثم أصبح تعلم وتعليم صناعة هذه الادوات من المعارف التي تنقل للأجيال اللاحقة عبر العديد من الحضارات ومن أشهرها الفرعونية، والبابلية، واليونانية، والهندية، والصينية، والإسلامية، والغربية.

كانت بدايات العلم الحقيقي في الحضارات الشرقية القديمة وبشكل خاص في منطقة الشرق الأوسط عبر الحضارة الفرعونية في مصر والحضارة البابلية في العراق بداية من القرن السادس قبل الميلاد حتى القرن الرابع بعد الميلاد، وكانت علوم الرياضيات والكيمياء والفلك والهندسة حكراً على طبقة الكهنة في هاتين الحضارتين قبل نقلها إلى اليونان. وكانت الحضارة الفرعونية أعظم هذه الحضارات، حيث كانت المنشأ لكثير من العلوم مثل الرياضيات والهندسة والفلك، والعلوم، والطب، والجراحة. ومن أمثلة تأثير هذه الحضارة أن علم الكيمياء لا زال يحتفظ باسمه (Chemi) أي (الكيمي) حتى اليوم ومعناه التربة السوداء نسبة إلى ارض مصر الخصيبة.

وتأتي الحضارة البابلية كأحد إنجازات حضارات بلاد الرافدين التي تضاهي الحضارة الفرعونية. وكانت التقدم في بابل للحساب بينما الهندسة لمصر بسبب وجود الأحجار الصلبة في مصر. وكان البابليون أول من ابتكر واستخدم نظام الخانات العددية ورموز الأرقام في الرياضيات قبل انتقالها للهند القديمة، كما طوروا علم الفلك الذي كان النواة لهذا العلم في كل الحضارات اللاحقة، حيث ميزوا الكواكب عن غيرها من الأجرام السماوية، وعرفوا الانقلاب بين التوقيت الشتوي والصيفي، كما يرجع لهم الفضل في اكتشاف الساعة الشمسية والمائية. وكانت أول المراكز الحضارية التي تميزت بازدهار الأدب، وإحداث العديد من المكتبات في المدن والمعابد، كما أضافوا إلى طب المصريين التشخيص والفحص البدني والوصفات العلاجية، وعالجوا بعض الأمراض بالضمادات والحبوب.

وتميزت الحضارة اليونانية بأنها حضارة أفلاطون وفيثاغورس، وأول من نقل العلوم المصرية. وعُرفت الحضارة اليونانية بالفلسفة حيث أن أعظم الفلاسفة في التاريخ من أصل يوناني مثل أرسطو وسقراط وغيرهم، ولا زال طلاب الفلسفة في العالم يدرسون كتابات وأفكار الفلاسفة اليونانيون حتى اليوم. كما أن الفلسفة الغربية الحديثة تعتمد في جزء كبير منها على الفلسفة اليونانية القديمة. وتميز اليونانيون بأنهم أول من اتخذ الرياضيات علماً نظرياً بحتاً بعد نقله من المصريين، وهي تختلف عن الرياضيات التطبيقية التي تميز بها المصريين والبابليين. وظهر لديهم تصورات جديدة في العلم الرياضي هي التجريد والتعميم والتحليل والتركيب، ويحسب لهم أنهم نقلوا الممارسات الرياضية من الحس إلى العقل.

وكانت الحضارة الهندية أحد مهود الحضارات الانسانية وأول من كتبت الارقام العشرية في العالم. وكانت تواجه ضعفاُ في العلوم النظرية مقارنة بعلوم الفنون. حيث تقدمت في فن العمارة والنحت وتأخرت علمياً. وتميزت كتبهم بالمعارف المكتوبة او المنقولة من الحضارات الأخرى ولم يعرف لهم أي تقدم علمي سوى علم الفلك الهندوسي والذي أُهمل بسبب عدم دقته.

كما كانت الصين أيضا أحد هذه الحضارات بجانب الهند. وما يدعو للاستغراب هو عدم معرفة الصينيين شيئاً عن ارسطو وأقليديس وغيرهم من الفلاسفة اليونانيون ولم يسيروا في ركب غيرهم من الحضارات كالحضارة الغربية والإسلامية. وافتقر العلم الصيني في البدايات وحتى فجر العلم الحديث إلى المنطق والبرهان والرياضيات الاستنباطية والأصول النظرية أو حتى المعرفة بعلم الفيزياء إلا في وقت متأخر. وكان نظام التعليم الصيني يهدف إلى إعداد موظفين في الحكومة فقط، حتى أنهم استعانوا بتوظيف بعض الفلكيين العرب في بكين في القرن الثالث عشر لعدم وجود المتخصصين في الفلك. ويعزو البعض ذلك لضعف التواصل العلمي باللغة الصينية. وعلى الجانب الآخر عُرف الصينيون بوضع القوانين والتفكير في الطبيعة. وأسهمت الحضارة الصينية برصيد هائل في العلوم التطبيقية ومنها الطب الصيني. وتعتبر التقانة الميكانيكية بأساليبها وطرقها في أصلها ابتكاراً صينياً وهو ما ميزها عن الغرب. ويعتبر العلم الصيني أنه علم تجريبي، وبلغت الصين ذروة تقدمها العلمي والتقاني في القرنين الأول والثاني الميلادي.

وتسلم المسلمون الحضارة العالمية لمدة عشرة قرون وتبحروا في شتى العلوم والفنون والصناعات، وتأملوا وتعمقوا في أصول هذه الأمور كلها، وانتقلت الفلسفة إلى العرب بعد الإسلام فكانت الفلسفة كما قال الفارابي أنها حكمة الحِكَم وأم العلوم. واستمرت الحضارة الإسلامية لمدة طويلة قبل أن تنتقل الحضارة والفلسفة والعلم إلى أوروبا في عصر النهضة وبروز الحضارة الغربية الحديثة.

 

Image from: freepik.com

كتابة:

محمد حسن البحيري

 

مواضيع مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

آخر المواضيع

قائمة المحررين

الأكثر تعليقاً

فيديو