saudistem
EDGEx

التربية الوالدية ودورها في التخفيف من ظاهرة العنف داخل الحياة المدرسية

التربية الوالدية ودورها في التخفيف من ظاهرة العنف داخل الحياة المدرسية
كتابة: إبراهيم الوثيقي

تتمظهر تجليات العنف المدرسي في الوسط التربوي عندما تختل مسارات واستراتجيات وطرق التدريس وتصبح الأهداف والغايات المنشودة من التعليم والتعلم غير محققة نتيجة عدة إشكالات تربوية منها ما هو ناتج عن مؤسسة الأسرة باعتبارها الموجه والمرشد الأول للطفل خلال الست سنوات الأولى من التعلم؛

وهنا يبرز الدور الحقيقي للآباء في إسداء المبادئ والقيم وتقويم السلوك ضمن تنشئة اجتماعية تراعي متطلبات المجتمع وغاياته القريبة والبعيدة المدى من فعل التربية لكن ما هو الفضاء الأمن للتربية الأسرية خلال السنوات الأولى لبناء شخصية الطفل؟

التعلم أداة تنقل الطفل من ذلك الكائن البيولوجي إلى الكائن الاجتماعي كما أكد عالم الاجتماع الفرنسي “امييل دوركهايم” انطلاقاً من هذه المقولة تتضح الوصفة التربوية التي تختلف من أسرة إلى أخرى وتليها بعض الفوارق الثقافية والمجالية للآباء؛ الفضاء الأسري له وقع وأثر كبير في تعلم الطفل وتشبعه بسلوك ايجابي يمكنه في ما بعد أن ينخرط بشكل فعال داخل المجتمع وذلك من خلال ثنائية الترغيب أي ترغيب الطفل إلى السلوك الإيجابي ذو الأثر المثمر ونذكر على سبيل المثال تأثيث الفضاء الأسري بمجموعة من التعابير والدلالات المحفزة على الكلمة الخيرة النبيلة والقول الحسن واحترام كل من يكبره سنا أثناء الكلام والتكلم بلطف واحترام وتقدير مع آبائه وإخوانه وباقي أفراد الأسرة وتنميق فضائه الخاص في المنزل بشكل دؤوب ومنظم وتعويده على حسن الإصغاء وزمن التكلم وتزويده بكل القيم الحميدة التي من خلالها يكون منظما فاعلا مدبرا لأموره داخل البيت مواظبا على الصلوات الخمس نظيفا في ذاته ومظهره الخارجي أمين لحاجيات الآخرين صدوقا في قوله وفعله.

إن عملية التنشئة ليست بالهينة على الآباء لكونها تتوخى القوامة والعرفان والقدوة الحسنة من الآباء من خلال سلوكياتهم وتقلباتهم النفسية والعاطفية تجاه أبناءهم كلها تزرع في نفسية الأطفال وشعورهم الشغوف بالمعرفة والاكتشاف أسئلة جديدة تجاه آبائهم وتنتج عن الفضاء الأسري الخالي من كل أشكال العنف وتجلياته السلبية التي قد تحول ذلك الكائن البيولوجي الوديع إلى كائن مشمئز مسيطر ومتسلط، وهنا على المربين داخل مؤسسة الأسرة والآباء والإخوة وغيرهم أن يتمكنوا من فن التوجيه التربوي وتملك القدوة الحسنة وألا يحتقروا الأطفال في الكلام والانخراط داخل منظومة القيم.

إن الطفل هو مرآة تعكس صورة آبائه والمحيط الذي ينشئ فيه فإن كان يتصف بالعزلة والانطوائية وممارسة العنف والحديث بكلامٍ نابٍ فيه نوعا من التهكم أو السخرية فهذا يرجع بالأساس إلى ضعف الآباء في توجيه الأبناء إلى المسار التربوي والوجهة الصحيحة.

إن المسار التربوي للفضاء الأسري لا ينبني فقط على إسداء الأوامر “افعل، ولا تفعل”، بقدر ما هو مهارة تتطلب فن التدرج والبحث في إنجازات ذوي الخبرة المتواصلة في مجال التربية الأسرية لامتلاك مقومات تؤهل الآباء لقيادة الأسرة إلى بر الأمان وتحقيق الأمن الأسري بدون عنف داخلي ولا تعصب ولا نبذ؛ لنربي أطفالنا ونتعلم منهم كذلك ونمكنهم من انخراطهم الفعال داخل الفضاء الأسري؛ وذلك بإشراكهم والإصغاء لهم وتعزيز أفكارهم الإيجابية لتحفيزهم على العطاء أكثر داخل وخارج الحياة الأسرية.

هل مؤسسة الأسرة قادرة على توجيه المسار التربوي للطفل وتحقيق البيئة الآمنة له؟

ينتقل الطفل إلى كونه كائن اجتماعي فعال عندما يخرج شيئاً فشيئاً من المحيط الأسري ويلاحظ من خلال الوسط الذي ينتمي إليه أن هناك أسر مجاورة لأسرته تختلف في عدة من الأشياء والسمات وهذا يتضح له جليا عندما ينخرط في عملية اللعب والترفيه مع أبناء الجيران فيبدأ يلتقط أشكال تعبيرية مختلفة من حيث الثقافة في اللغة واللباس والرموز والطقوس، ويبقى ذلك عالقا في شعوره باستغراب أحيانا وذهول أحايين أخرى؛ وهنا تبرز ذاتية وفعالية الآباء في التربية؛ فالطفل الذي تربى في بيئة أسرية آمنة من العنف خالية من النبذ والإقصاء الأسري يضع كل ما عاينه ولازال عالقا في ذهنه من أفكار وثقافة مختلفة عن أسرته محطّ سلسلة من الأسئلة المركبة راغبا في تملك الإجابة المقنعة من قبل الآباء وتملك وبناء المعرفة بتدرج مع محيط أسري ذو مسار تربوي إيجابي يعزز ويحفز ويبني فعل التعلم لديه بتدرج وفعالية، لكن في مقابل ذلك نجد الطفل الذي ينشأ في بيئة أسرية عنيفة متشددة تعرضه للنبذ والإقصاء يفضل كبت كل أحاسيسه وشعوره بداخله ويفضل الابتعاد عن فعل التواصل الأسري، كما تبقى تلك الرؤى والسلوكيات بداخله محط اغتراب دائم وفي الغالب ما تتحول لصورة نمطية. ويزداد المشكل خطورة عندما ينقل الطفل هذه المسارات التربوية الأسرية بحمولتها المدججة بمعتقدات وأفكار وتصورات سلبية عن الواقع المنشود إلى محيط المؤسسة التعليمية.

إذن، الأسرة تشكل الإطار المرجعي للطفل حيث يتمثل من خلالها معايير المجتمع وتقاليده وبالتالي تلعب دورا هاما في تحديد شخصيته ونمائها على أساس أن دينامية العلاقة بين الوالدين والطفل المتمثلة في العلاقات النفسية التي تتم بين الطرفين وأسلوب معاملته له، يتوقف إما بشعور الطفل بأمنه واستقراره وإتاحة فرص النمو له أو العكس، ومن ثمة فالوالدان يمثلان العامل المباشر لخبرة الطفل إذ هما اللذان يعطيانه الحب والنظام عن طريق الثواب والعقاب ويشجعان فيه بعض السمات ولا يشجعان البعض الأخر.

المدرسة كمؤسسة تعليمية تختلف في طبيعة التنشئة والتربية عن مؤسسة الأسرة لكونها خاضعة لنظام مؤسساتي خاضع لبرامج ومناهج وتوجيهات محددة في بيداغوجية تربوية تحدد الأهداف التربوية. ويعد الهدف التربوي النتاجات التعليمية المنتظرة، وتحديدها بصورة واضحة من أهم جوانب التدريس الصفي، إذ من المفروض ألا يغيب عن ذهن المعلم لحظة واحدة، ويمكن حصر الهدف التربوي ضمن الغايات النهائية المرغوب بها داخل العملية التعليمية التّعلمية التي تسعى التربية إلى تحقيقها، وهو وصف لقيمة السلوك وتنظيم النشاط وتقويم الأنشطة المرغوبة كنتيجة نهائية لعملية التعليم.

في ميدان التدريس، هناك شيء يجب أن يكون واضحا في الأذهان، لكنه ليس دائما كذلك؛ إن العلاقات بين المدرس والتلميذ هي علاقات غير متناظرة  “dissymétriques أي أنها علاقات مرتكزة على اللامساواة. فالمدرس مدرس لأنه “أقدر” و “أكبر” من تلميذه، وهذا الأخير تلميذ للمدرس لأنه بالضبط “أقل” من مدرسه، وعليه؛ فإن المطالبة بالتطبيق الحرفي والميكانيكي لمبدأ المساواة الديمقراطية بين التلميذ والمدرس في ميدان التعليم، يمكن أن تشوش على ممارسته بل قد تجعله في غير معناه الأصيل.

إن المدرس الذي هو أكبر من التلميذ، لا علاقة له بظروف السيد المالك وبالمقابل فلا مقارنة بين التلميذ والعبد. فلو كانت العلاقة بين المدرس والتلميذ نسخة لعلاقة السيد والعبد كما يتصورها هيغل، فلن يكون من الممكن قيام أية علاقة بيداغوجية، وفي أقصى الحالات ستكون هناك علاقة اخضاع.

إذن لتحقيق مجتمع التوافق لا يتم إلا عند تجاوز التناقض بين السيد والعبد وفي حالة الإخضاع التربوي كما يوضح جان جاك روسو في كتابه إميل في التربية أي حاول أن يبرز العلاقة في هذا الكتاب ما بين الوصي إميلEmiele  التي لا تقبل نوع من اللبس وتطبعها ممارسة واضحة لسلطة المدرس وهنا في الغالب ما تتحول هذه السلطة المعرفية إلى استعراض للعنف البيداغوجي الذي ينتج عنه عنف غير مرغوب من قبل المتعلمين.

إذن، كيف نؤسس لبيداغوجية تربوية قائمة على الحرية؟

تتضح المفارقة البيداغوجية بين كل من جان جاك روسو وهيغل وكانط فهذا الأخير يعتبر المدرسة مولدة لثقافة “الإكراه” أي إخضاع المتعلمين للإكراهات وإلزام والتزام مؤسساتي سلطوي وفق بيداغوجيات تقليدية قائمة على سلطة المدرس والإدارة التربوية؛ وهنا المدرسة لا تنتج سوى متعلمين منمطين ومقيدين وفق قالب بيداغوجي يغيب فيه الحس الإبداعي وبناء الشخصية المستقلة وهنا يعيش المتعلم ممارسا القطيعة مع الخصوصيات الذاتية القادمة من الوالدين أو الدولة.

إن وظيفة التربية المدرسية والتعليم هو تحطيم كل ما ينتج من قريب أو بعيد التبعية dépendance والقطعي définitif والانتهاء Cloture والمكتسب acquis وهذا ما عبر عنه كانط في مبدأ يتأسس على تربية الأطفال وفق مصيرهم في المستقبل والتربية هي علاقة بما يأتي وبما يتعالى؛ إنها العلاقة المباشرة للبيداغوجيا بالنسق الثقافي لعصرها.

ومن خلال تأسيس بيداغوجية حديثة تلائم مستقبل الأطفال وتجعلهم قادرين على تخطي كل أشكال العنف المدرسي وشتى تجلياته، يجب على الفاعلين في مجال التربية مند البدايات الأولى لتعليم الطفل أن يرسموا جملة من الأهداف التربوية لبناء أجيال قادرة على الانخراط والتفاعل والمشاركة داخل المجتمع ولهذا ينبغي على الفاعل التربوي داخل رياض الأطفال أن يؤسس الفضاء التربوي وفق مناهج وطرق التربية الاجتماعية التي تسعى إلى تحقيق الأهداف التالية:

-تربية الطفل على تحمل المسؤولية.

-غرس القيم الإنسانية في التفاهم والتعاون مع الآخرين.

– تنمية تصور الطفل السليم لذاته من خلال تهيئة الفرصة أولاً للعب والبحث والتجريب، وإدراك الطفل لوحدة ذاته وإثارة وعيه بحواسه، وإمكانياته التي ولد بها، أو التي تكونت عبر نموه.

-مساعدة الطفل على التكيف الاجتماعي السليم للبيئة التي يعيش فيها ومع الآخرين ومشاركتهم العمل واللعب.

-التحلي بالقيم الاجتماعية، والقدرة على التعامل مع الآخرين والاعتماد على نفسه والاستقلالية.

-مساعدة الطفل على التعبير والتواصل مع الآخرين، والتعبير بالفن والتمثيل واللغة والحركة عما بداخله من أفكار ومشاعر وأحاسيس ورغبات.

كما تهدف التربية الاجتماعية إلى توفير جو من التعاطف والتكيف داخل الروضات بين الأطفال ورفاقهم ومدرسيهم؛ وهنا ننمي في ذهن الطفل حب التعلم والانخراط الإيجابي مع أقرانه ووسطه المجتمعي ونبعده ما أمكن عن ظاهرة العنف المدرسي وأثرها الوخيم على المتعلمين داخل الحياة المدرسية.

ومن أجل تأمين الحياة المدرسية ما أمكن وتجاوز جل الاختلالات الديداكتية داخل الفصل الدراسي؛ وجب على كل مدرس خلال عملية التعاقد الديدكتيكي مع المتعلمين مراعاة بعض الشروط والضوابط لتحديد المسار الصحيح للعملية التعليمية التّعلمية وهنا نعرض لكم بعض المقترحات للضبط والانضباط داخل الفصل الدراسي:

اعتماد أسلوب الثواب قبل العقاب بتشجيع المنضبطين والذين يبذلون مجهودا واضحاً من المشاغبين ويكون ذلك معنويا بعبارات التشجيع اللفظية.

– العمل على إذعان التلاميذ واستثمار حركيتهم الزائدة وتجنب الوقت الميت بالنسبة لهم وهذا يتطلب الإعداد الجيد للدرس والتنفيذ المحكم بما يساعد على إشراك التلاميذ في مختلف أنشطته وفعاليته ومراحله.

-الانتباه المثمر إلى غير المنضبطين، وإشعارهم بالمراقبة، وفتح نقاشات خاصة معهم خارج الحصص المقررة الرسمية.

– إشعار التلاميذ بعدم الرضى على الجو العام داخل الفصل.

– الاتفاق على قانون داخلي” ميثاق ديداكتيكي” يتم إعداده بمشاركة التلاميذ، ويكتب بخط واضح ويعلق في جانب الفصل.

هذه بعض المبادئ والمقترحات التي يمكن الاستعانة بها لضبط الفصل وتحقيق انضباط تربوي سليم. وتبقى بعض الآليات والضوابط المتعلقة بالإدارة التربوية وتخليق الحياة المدرسية بأنشطة بيئية وثقافية وفنية تعزز قدرات ومواهب المتعلمين وتحث فيهم جانب الابداع والانخراط الإيجابي داخل الحياة المدرسية وخارجها وكل هذا يخفف من العنف المدرسي، ويساهم في بناء أجيال تنخرط في تنمية المجتمع وتطوره داخل الوطن وخارجه.

وبناء على ما سبق يجب رد الاعتبار للمحور الجوهري لبناء العملية التعليمية التّعلمية، وهو المدرس والاستجابة لمتطلباته التربوية والمجتمعية المتعلقة بطبيعة مهنة التدريس وإكراهاتها لتوفر له الجو الملائم للعمل وفق ما تنص عليه البيداغوجيات الحديثة من تحديث في الممارسة الديدكتيكية وتحقيق الأهداف المنشودة داخل المستجدات التربوية التي في الغالب ما تبقى حبيسة الشق النظري والواقع ينبأ بواقع آخر.

فإذا كانت هناك بالفعل رؤية واضحة حول تجويد المنظومة التربوية والتكوين والرفع من جودة التعلم وتجاوز ظاهرة التعثر الدراسي بأساليب حديثة وفعالة ومستمرة تلازم آليات المواكبة والتتبع من قبل المتخصصين وكل الفاعلين في مجال التربية من أجل التخفيف من ظاهرة العنف وغيرها من الظواهر داخل الحياة المدرسية وخارجها وذلك بإعادة المكانة الاجتماعية والمهنية لهيئة المدرسين بمختلف المستويات وتحفيزهم على العطاء وبذل الجهد أكثر داخل الفصل الدراسي وباقي هياكل الإدارة التربوية كاملة.

المراجع:

“محمد مومن1، إشكالية العلاقة

بين الأسرة والمدرسة وأثارها على التحصيل الدراسي “مجلة علوم التربية: العدد الثامن والستون ماي 2017،ص31بتصر”

” الدكتور عبد الكريم محسن الزهيري” التدريس الفعال استراتجيات ومهارات” ص 37بتصرف”

“د.خالد ناصر الدين” كفاية ضبط القسم: المفهوم والآليات” مجلة علوم التربية؛ ص138-139   بتصرف”

“محمد بوبكري، “التربية والحرية من أجل رؤية فلسفية للفعل البداغوجي”: ص 28-29-30   بتصرف”

“الدكتور عبد المجيد طه” تربية الطفل وثقافته في ضوء التغيرات المعاصرة” س24 بتصرف”

Image from: freepik.com

 

كتابة: إبراهيم الوثيقي

 خريج جامعة محمد الخامس، كلية علوم التربية

مواضيع مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

آخر المواضيع

قائمة المحررين

الأكثر تعليقاً

فيديو