يعد الكذب أحد المشاكل السلوكية التي باتت تشكل مصدر قلق للكثير من المعلمات والأمهات؛
وذلك لتأثيرها القطعي على شخصية الطفل بالسلب، فالكذب في ظاهره يبدو كمشكلة واحدة، ولكن في الواقع ما هو إلا بداية لمشاكل أكثر خطورة وتعقيد؛ ونتيجةً لذلك سيعاني المجتمع من أفات أخلاقية لا نهاية لها؛ لهذا برزت الحاجة لكتابة هذا المقال، والذي سيُذكر فيه أبرز الأسباب المؤدية لظهور هذه المشكلة، ليس هذا فقط، بل سأقدم كمًا من الحلول العلمية الحديثة، ويمكن للمعلمات والأمهات، وكل من يقوم على رعاية الأطفال الانتفاع بها.
إن للبيئة التي ينشأ ويترعرع فيها الطفل دور كبير في تشكيل شخصيته واكتسابه للعديد من الصفات والأخلاقيات، لذا وجب علينا أن نولي هذه البيئة كل الحرص والاهتمام، وبما أننا ذكرنا البيئة فهذا يحتم على كل مربي النظر في أقواله وأفعاله، ومراقبة كل ما يصدر عنه باستمرار، فالطفل بكل ما يلفظ، ويتصرف ما هو إلا انعكاس لمحيطه من الكبار، لذلك يجب أن يهذبوا ذواتهم حتى يستطيعوا تربية الصغار.
للوالدين، والأخوة، والمعلمات، إياكم ووصف الطفل بالكاذب حتى أمام نفسه، بل فكروا مليًّا وتساءلوا، ما الأسباب التي دفعت الطفل للكذب؟، هل هذه أول مرة يكذب بها الطفل؟، أم أنه اعتاد على ذلك؟، ماذا سيحدث إذا استمر هذا الصغير بالكذب؟، إن كل ما سبق من أسئلة تثبت أن الأمر له تأثير بعيد المدى، وأنه في حال تم إهمال معالجة هذا السلوك مبكرًا؛ فسنواجه مشكلة حقيقية ليس لها نهاية، فكيف سنصلح حينها ما أفسده الدهر؟، كيف ذلك وديننا الحنيف قد نهانا عن هذا السلوك المشين، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يُكتبَ عند الله كذابا)، إن الطريق الذي يؤدي له الكذب في هذا الحديث واضحة ومنفرة، ناهيك عما قد يحدث في المجتمع من سوء، لذلك وجب علينا تربية هؤلاء النشء على الصدق قولاً وعملاً.
إن الوقوف على مشاكل الأطفال وفهم أسبابها ودوافعها أمر مهم، ولكن الهدف الأهم هو أن نبذل ما بوسعنا لتوظيف كل الخبرات والمعارف في سبيل حلها، ومن هذا المنطلق سأضع بين أيديكم بعض الحلول والتطبيقات الفعالة من وجهة نظري، مستمدةً ذلك من خبرتي كمعلمة بالإضافة لدراستي الأكاديمية، والتي ستسهم بطريقة أو بأخرى في الحد من هذه المشكلة.
وسأبدأها بضرورة معرفة الأسباب التي دفعت الطفل للكذب، من منطلق إذا عُرف السبب بطُل العجب، ويكون ذلك من خلال الجلوس بهدوء مع الطفل وسؤاله عن السبب الذي دفعه للكذب، بعد ذلك نبدأ بعلاج المشكلة على الفور، من خلال تقديم مجموعة من القصص والأناشيد التي تغرس حب الصدق في نفس الطفل، وتنفره من الكذب، والأهم من ذلك هو أن يكون الوالدان والمعلمة، وكل من يتواجد في بيئة الطفل قدوة حسنة له، فكيف نطلب من الطفل أن لا يكذب وهو يرى والداه يكذبان؟، فهو ينظر لهما بنظرة الكمال وأن كل تصرف يصدر عنهما صحيح بدون شك، كل هذا لأنهما والداه فقط.
أما الحلول التي أوجدها المختصين في الميدان فركزت على ضرورة تجنب العقاب أو الضرب؛ لأن الطفل في هذه الحالة سيتمسك بالكذب، بالإضافة لتدريب الطفل على مشاهدة الوقائع ووصفها بدقة، ومساعدته على التمييز بين الحقيقة والخيال، فالطفل في هذه المرحلة يصف ما في خياله على أنه حقيقة، وقد يظهر بمظهر الكاذب لذلك السبب، كما يجب أن لا يتم الضغط على الطفل ليعترف بأنه يكذب؛ فأغلب الناس يلجؤون للكذب عندما يطلب منهم إدانة أنفسهم، بالإضافة لتهيئة الأجواء الأسرية والنفسية المطمئنة، فالطفل المطمئن لا يكذب، أما الخائف فيتخذ الكذب وسيلة ليفلت بها من العقاب، هذا وفقًا لما قاله الختاتنة (٢٠١٣) في ذلك، هذا وأضافت خليفة (٢٠١٣) أنه يجب علينا أن لا ندع الطفل يستفيد من كذبه؛ لأنه إذا شعر بعدم فائدته فسيقلع عنه، كما يجب أن ننمي شعور الطفل بالمحبة والثقة في المنزل والروضة.
ختامًا، نؤكد على أهمية معالجة مشكلة الكذب فور ظهورها وعدم الانتظار حتى تتفاقم وتصبح صفة متأصلة لدى الطفل؛ عندها سندفع الثمن غاليًا، فهؤلاء الصغار أمانة في أعناقنا، ويجب علينا العناية بكل شؤونهم، فصغار اليوم هم كبار الغد، وهم المجتمع، ونحن نحدد الآن بطريقة تربيتنا لأطفالنا الماهية التي سيكون عليها المجتمع آنذاك.
المراجع:
الختاتنة، سامي محسن. (٢٠١٣). مشكلات طفل الروضة. عمّان، الأردن: دار الحامد للنشر والتوزيع.
خليفة، إيناس عبد الرزاق. (٢٠١٣). الشامل في رياض الأطفال. عمّان، الأردن: دار المناهج للنشر والتوزيع.
Image from: freepik.com
كتابة: ريم علي آل هواش
معلمة طفولة مبكرة
اترك تعليقاً
لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *