يعمل الدماغ وفق قواعد وقوانين أساسية، تحكم طبيعة عمله، وطرقه في التعامل مع المعلومات والمعاني، ومع التطور الذي حدث في مجال الطب، والأجهزة الطبية استطاع الإنسان التعرف على بعض حقائق الدماغ.
وقد قام علماء الأعصاب بمجموعة من الاكتشافات المدهشة حول الدماغ، والتي يمكن أن تشكل أهمية كبرى للتعليم، فالدماغ يتكون من ملايين الخلايا العصبية التي تقوم بنقل المعلومات، وتحليلها، واستلامها، وتنسيقها، وتعتمد قدرة الدماغ على العمل على استخدام خلايا الدماغ أو إثارتها. فهناك علاقة حقيقية بين تركيبة الدماغ والتعلم. كل خبرة من الخبرات التعليمية تسبب ارتباطات بين خلايا الدماغ، والتي تدعى بالاقترانات العصبية، ومعرفتنا بهذه الارتباطات داخل الدماغ قد تساعدنا لإيجاد حلول لبعض مشاكل العملية التعليمية. (السليتي، 2008م).
إن الاكتشافات المتلاحقة في طبيعة الدماغ تلقي بمسؤولية وتحدي كبير على رجال التربية والتعليم بوجه عام، وعلى المهتمين بالمناهج وطرق التدريس بوجه خاص؛ وذلك من أجل إيجاد مناهج تعمل على تنمية الدماغ، وتزيد من القدرة على استخدامه، وتوفير طرق التدريس والاستراتيجيات المناسبة لذلك.
العناصر الأساسية التي تيسر عمل الدماغ:
الحياة المدرسية التي تتسم بقلة المعطيات، والجمود، والتركيز على تلقي الطالب للمعلومات من المعلم فقط، تؤثر على نمو دماغ الطلاب وعمله، مما يزيد من صعوبة تفاعل الطلاب ومشاركتهم في العملية التعليمية.
ولعل من العناصر الأساسية التي تيسر عمل الدماغ في العملية التعليمية ما يلي:
البيئة الغنية:
هي تلك البيئة التي تعمل على استخدام جميع الحواس، وتقوم بتزويد الدماغ بمعطيات حسية قوية متنوعة شاملة، وحتى الآن لم تستثمر هذه الحواس في عمليات التعليم والتعلم. وهذا مما يساعدنا على تفسير صعوبة حفظ المعلومات وتذكرها وبطء نمو الدماغ.
خبرات ذات معنى:
إن الخبرة ذات المعنى هي التي ترتبط بحاجات الطلاب وخبراتهم السابقة، وتكون في سياق حقيقي أو شبه حقيقي. كما أن هذه الخبرات تستند إلى دراسة مفاهيم وعلاقات وليست دراسة حقائق. ولكي يشعر الطالب بهذه الخبرة عليه الاندماج في موقف التعلم وألا يكون مراقب ومشاهد للأحداث فقط.
التعاون:
تعاون الطلاب فيما بينهم أمر مطلوب لنمو الدماغ. لأن ذلك يساعد الطلاب على التعلم، والتفاعل، وتبادل الخبرات فيما بينهم.
الحركة:
السماح للطلاب بالحركة داخل الفصل من غير إزعاج أو تأثير على العملية التعليمية، يساعد ذلك على تنشيط أدمغة الطلاب وتحفيزهم أكثر للانتباه إلى الدرس.
البدائل والخيارات:
تختلف حاجات الطلاب، وميولهم، ورغباتهم عن بعضهم البعض؛ لذا على المعلم أن يوفر خيارات متعددة كتقديم تعليم جماعي وفردي، وتقديم خيارات حسية، ومتنوعة داخل الفصل مما يساعد على إثراء العملية التعليمية.
الوقت:
يختلف الوقت اللازم للتعلم باختلاف أدمغة الطلاب. لذا يحتاج الدماغ إلى وقت كافٍ لتأمل المعلومات، ومعالجتها، ونقلها إلى الذاكرة طويلة المدى.
التغذية الراجعة:
هي ما يقدمه المعلم تعليقاً على سلوك قام به الطالب أو عمل قام بأدائه. وإن الإسراع في تقديم التغذية الراجعة وباستراتيجيات جديدة ومتنوعة يساعد على تقليل التوتر والإرباك لدى الطالب ويعزز بقاء المعلومات في ذاكرته.
الإتقان:
الإتقان عادة عقلية يمارسها الدماغ، وهي تعكس مقدار الثقة بالذات.
غياب التهديد:
إن التعليم الممتلئ بالتهديد والمخاوف يقتل الإبداع لدى الطلاب، كما أنه يؤدي إلى قتل الخلايا الدماغية المرتبطة بالذاكرة. (عبيدات وأبو السميد، 2005 م)
كيفية توظيف أبحاث الدماغ في التعليم:
إن التطور الذي يشهده الطب في هذا القرن، واستخدامه لأساليب وتقنيات حديثة في الكشف على الجنين في رحم الأم، وظهور اهتمام بمراحل النمو للطفل، ورصد التغيرات التي تحدث أثناء هذه المرحلة، أظهر نوعية جديدة من الأبحاث العلمية لتفعيل الأبحاث الخاصة بالدماغ لخدمة العملية التعليمية، والأبحاث العلمية مستمرة في كشف حقائق الدماغ، ودراسة كيفية توظيف ذلك في خدمة عملية التعليم، ولذلك فنحن بحاجة إلى تواصل معرفي مع كل ما هو جديد في مجال هذه الدراسات؛ لتطوير أدائنا التعليمي، وبلوغ التعلم الطبيعي الذي ينسجم مع حقائق الدماغ وفطرة الإنسان. (الديب، 2005م).
إن التوصل إلى نظريات كثيرة عن وظائف الدماغ واحتياجاته، وأولوياته، وأهدافه، يتطلب أن يكون المقرر المدرسي مبنياً على أبحاث الدماغ والطريقة التي يعمل بها. وأن يكون الاهتمام بطرق عمل الذاكرة، وتدوين الملاحظات، ومهارات المذاكرة، واستخدام المصادر والتغذية الراجعة. وإكساب الطلاب مهارات الإلمام بالمعلومات كأساسيات التعلم الحديث، طرق البحث، استخدام شبكة الإنترنت، استخراج المعلومات، وتحليلها، ونقدها، وتقديمها، وتنظيمها.
والبشر يتميزون عن غيرهم من المخلوقات بأن لهم القدرة على التفكير العقلاني، والرياضيات من المواد التي تهتم بتنمية قدرة الفرد على التفكير وإعداده للحياة، لذا على مقرر الرياضيات أن يركز على القضايا التالية:
1 – الأعداد كلغة عالمية.
2-أنواع فروع الرياضيات.
3-أسلوب حل المشكلات.
4-تطبيقات الرياضيات في العمل.
5-مشاهير وعلماء الرياضيات. (جينسن، 2007م)
أهمية تنمية تفكير الطلاب وقدراتهم العقلية:
ما أنجزته البشرية من خطوات على طريق التقدم ما هو إلا ثمرة من غرس أيدي المبدعين، والمخترعين، والمفكرين من أبنائها، وكل ما تطمح إليه في المستقبل من آمال وتطلعات معقود على حسن استثمار القدرات العقلية في أبناء اليوم. (قنديل، 1994م).
ويرى الباحث أن الاهتمام بتنمية تفكير الطلاب، وقدراتهم العقلية ليس مسؤولية المؤسسات التربوية والتعليمية وحدها – وإن كان يقع على عاتقها العبء الأكبر – بل هو مسؤولية مشتركة بين جميع مؤسسات المجتمع وقطاعاته، وإذا أراد المجتمع التقدم ومواكبة العصر الذي هو فيه، فعليه الاهتمام بتنشئة أبناءه، وأن يعدهم الإعداد السليم الصحيح للمستقبل، مستخدماً جميع إمكانياته وطاقاته في ذلك.
ومما يساعد على تنمية تفكير الطلاب وقدراتهم العقلية المقررات المدرسية حيث لها الدور الكبير في هذه التنمية. ولذلك، على المربين والمهتمين بالمقررات الدراسية أن يهتموا بأن تتجه المناهج إلى حث الطلاب على التفكير الجاد، واستعمال قدراتهم العقلية، وألا يكون التركيز فقط على استخدام الذاكرة للحفظ، واستظهار المعلومات فقط، بل يُشجع الطالب على استخدام أساليب التذكر التالية:
– تعزيز القدرة على الاستيعاب، وزيادة الحصيلة اللغوية بواسطة حاستي النظر والسمع.
– زيادة عملية الانتباه والوعي والإدراك.
– معرفة محدودية الإدراك الحسي.
ويظهر مما سبق عرضه أن الاهتمام بتنمية تفكير الطلاب، وقدراتهم العقلية يأخذ في الاعتبار عدداً من النقاط وهي:
أ- دور الطالب في العملية التعليمية دور نشط وإيجابي، فهو مشارك في إعدادها وصنعها، لا يكتفي أن يكون مستقبلاً للمعلومة فقط.
ب. الاهتمام ببيئة الصف، وأن تكون مساعدة للمعلم في تنمية تفكير الطلاب وقدراتهم العقلية.
ج- الاهتمام بتفكير الطلاب، واستجاباتهم نحو موضوع معين.
د. السماح للطلاب بطرح الأسئلة وتشجيعهم على ذلك.
هـ- أن يسعى المعلم لتوفير بيئة صفية تناسب مستوى الطلاب.
و. أن يربط المعلم بين ما يحدث في الفصل والحياة اليومية.
الحالات العقلية:
تختلف درجة الانتباه وحِدّة الذكاء من شخص إلى آخر، فأحيانا يشعر الشخص بأنه منتبه وواضح التفكير، وأحياناً أخرى يشعر أنه مشتت الذهن ومشوش التفكير. إن اختلاف الحالات العقلية للإنسان تعتبر جيدة، ومناسبة لأنواع مختلفة من وظائف التفكير. وتوجد أبعاد ثلاثة تؤثر على الحالة العقلية للإنسان وهي:
أولاً: التركيز:
أحياناً يتصف العقل بالتركيز والاهتمام بهدف محدد، فيكون كل التفكير منصب على هذا الهدف وكيفية تحقيقه. وأحياناً أخرى يكون العقل ميالاً إلى الإطناب ومتقبلاً لأفكار الآخرين.
ثانياً: التوجه:
هناك حالات تمر على العقل يكون فيها انتباهه موجهاً إلى الخارج، ومنشغلاً بالحصول على المعلومات، وحالات أخرى يكون فيها التركيز متجهاً إلى الداخل متأملاً ومستغرقاً في التفكير فيما قد يتعلمه، والبحث عن روابط وعلاقات جديدة.
ثالثاً: الاجتماعية:
إن الإنسان بطبعه اجتماعي يحرص على لقاء الآخرين، وطرح أفكاره عليهم، وتبادل
الآراء معهم، إلا أنه في بعض الحالات يكون مفضلاً للوحدة، منغلقاً على ذاته يفكر بعمق في الأشياء التي تخصه بمفرده. (كلاكستون ولوكاس، 2005م).
ختاماً، على الشخص أن يكون قادراً على التبديل بين هذه الأبعاد كلما كان ذلك مناسباً، وأن تكون لديه القدرة على التحول بسلاسة من التركيز الشديد إلى التركيز المعتدل، والتنقل بين الأشياء الداخلية والخارجية، وبين أشكال الانتباه وهو بمفرده أو مع الآخرين.
بقلم: منصور بن عامر البلادي
مشرف تربوي لمادة الرياضيات /ماجستير مناهج وطرق تدريس الرياضيات
المراجع:
– جينسن، إيريك (2007م). التعلم المبني على العقل. ترجمة مكتبة جرير، الرياض.
– الديب، إبراهيم (2005 م). أسس ومهارات الإبداع والابتكار وتطبيقاتها في منظومة التربية والتعليم. المنصورة، مؤسسة أم القرى.
– السليتي، فراس (2008 م). التعلم المبني على الدماغ. عالم الكتب الحديث، وجدارا للكتاب العالمي، الأردن.
– عبيدات، ذوقان؛ وأبو السميد، سهلية (2005 م). الدماغ والتعلم والتفكير. مركز ديبونو، عمّان.
– قنديل، شاكر عطية (1997 م). برنامج تنمية القدرات الابتكارية لدى تلاميذ مرحلة التعليم الأساسي. بحث منشور. مكتب التربية العربي لدول الخليج العربي.
– كلاكستون، جاي؛ ولوكاس، بيل (2005 م). كُن مُبدعاً. ترجمة مكتبة جرير، الرياض.
7 تعليقات
7 التعليقات
انتصار المحمدي
أبريل 15, 2020, 7:56 ممقال ثري ورائع واساليب مقترحة هادفه
الردجهد مبارك تشكر عليه👍🏻👍🏻
محمد الفريدي
أبريل 15, 2020, 8:12 ممقال جميل ومرتب ورائع بروعة كاتبة وفقت اخي ابو تميم لكل خير
الردتركي الأحمدي أبو عبدالرحمن @محمد الفريدي
أبريل 15, 2020, 8:16 مما شاء الله تبارك الله
الردمقال رائع أخي المبدع أبا تميم
كما عهدناكم صاحب جهد و تميز و هذا المثال يختصر التربويين مهام في كيفية التعامل مع الطلاب للوصول للهدف
سامي بن عوده السيد
أبريل 15, 2020, 8:31 ممقال علمي متميز من شخصية تربوية تحرص على البحث العلمي وفقكم الله وسددكم أخي الأستاذ منصور البلادي
الردإبراهيم الصاعدي
أبريل 15, 2020, 8:56 ممقال رائع ، وفقك الله أبا تميم ونفع بك وبعلمك
الردسلطان أحمد الحربي@إبراهيم الصاعدي
أبريل 15, 2020, 11:08 مجميل جدا توضيح العلاقة بين اكتشافات الطب في الدماغ وبين طرق التدريس وحدوث التعلّم، وينبغي لكل العاملين في الميدان التربوي العمل على اكتساب المهارات التي تمكنهم من إحداث تنمية حقيقية في تفكير الطلبة، مراعين بذلك الفروق الفردية بين الطلاب، ومنها مستوى الذكاء، فالطلاب يختلفون بحسب أدمغتهم في تحصيلهم الدراسي ونواتج التعلم التي يكتسبونها من معلميهم، فهناك العبقري والعادي وصعب التعلم وبطئ التعلم والمتخلف عقلياً، إذا أدرك المعلم هذا واستطاع أن يفرّق بين طلابه في هذا المجال وعمل لكل فئة مايناسبها من تنوّع في طريقة التدريس أو إحالة إلى مختص كالمرشد الطلابي ووحدة الخدمات الإرشادية او غيرها من المؤسسات الأخرى المختصة، فإنه بذلك يكون قد أعطى كل طالب حقه ومايناسبه، الأمر ليس سهلا و يتطلب حذاقة وفطنة واهتمام واكتشاف مبكر وتعامل مناسب بالإضافة إلى التطوير المستمر.
أشكرك أخي منصور،، مقالة تسلّط الضوء على جانب مهم، يستحق أن تُشرّع له الأنظمة وتُقام له البرامج طويلة المدى على مستوى الوزارة، و أن تصمم له مواد في البرنامج المهني لإعداد المعلمين.
الردFahad Al-Mutairi@سلطان أحمد الحربي
أبريل 16, 2020, 12:11 صفعلاً أستاذ منصور
الرد(ولذلك فنحن بحاجة إلى تواصل معرفي مع كل ما هو جديد في مجال هذه الدراسات؛ لتطوير أدائنا التعليمي)
ونموذج مكارثي أحد النماذج التعليمية التي تخدم هذا الجانب، وهو في الميدان التعليمي منذ فترة طويلة، وينبغي أن نبحث إن استجد شيء غير ما انبنى عليه النموذج، فنحن بأمس الحاجة لمثل هذه الأبحاث لعلاقتنا المباشرة بهذا الدماغ.